Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد 9 سنوات... هل اقتربت انتفاضة ليبيا من أهدافها؟

"المادة الثامنة من اتفاق الصخيرات وُضعت لإقصاء حفتر من منصب القائد العام للجيش بعد أن تحول إلى رقم صعب في المبادرات الدولية"

جندي ليبي يشارك في احتفالات ذكرى ثورة 17 فبراير في مدينة بنغازي (أ.ف.ب)

"استعدنا الأمل بعد أن سُرقت ثورتنا"... عبارة يردّدها المشاركون في الانتفاضة التي أحاطت بحكم معمر القذافي عام 2011، في إشارة إلى وصول الجيش الوطني الليبي ليدق أبواب العاصمة طرابلس. فبعد تسع سنوات من الأزمات المتتالية على المستويات كافة، عاد الأمل إلى نفوس بعض سكان طرابلس الذين رزحوا تحت المعارك والحروب والقصف والدمار.

وضع مأساوي في طرابلس

ويصف جلال، المواطن من حي فشلوم في العاصمة الليبية، الأوضاع فيها حالياً بــ" المأساوية"، قائلاً "أتحدثُ إليك من دون أن أعلن عن اسمي الكامل لأتحاشى ملاحقة هؤلاء المسلحين من الميليشيات. فقبل سنوات، طالبنا بالجيش والشرطة، فداهموا حي فشلوم وحاصرونا ليومين حتى سلّمنا أولادنا لهم". وبعد وصول حكومة "الوفاق" التي أنتجها اتفاق الصخيرات في ديسمبر (كانون الأول) 2015، عقب مفاوضات سياسية رعتها الأمم المتحدة، يؤكد جلال أنها "لم تكن في المستوى المأمول وصارت في بضعة أشهر رهينة قرار ميليشيات تنفذت في كل مفصل من مفاصل الدولة وسرقت كل شيء".

وإن تحدث جلال بصوت خافت، إلاّ أنّ عادل زقلام، الناشط السياسي المهجّر من طرابلس والمقيم في تونس بسبب مواقفه الرافضة للميليشيات، يرى أن "الشعب الذي انتفض في فبراير (شباط) قبل تسع سنوات، هو من سينهي آخر فصول الفوضى في البلاد"، لافتاً إلى أن الشعب الآن يقف في حقول النفط وبجوار صماماتها لمنع تدفقه، بعدما بات يسهم في الفوضى.

توزيع الثروة بالتساوي

وإثر نجاح الثورة، أطلق الليبيون أول تجربة ديمقراطية بانتخابات برلمانية عام 2012، لكن المعارضات الشعبية انطلقت بعد أشهر من تولي "المؤتمر الوطني العام" (البرلمان) مهامه، إذ أقدمت مجموعات قبلية تحت مسمّى "المكتب السياسي لإقليم برقة" شرق البلاد، على إغلاق موانئ النفط، متهمة "الحكومة المؤقتة" التي ترأسها علي زيدان ببيع النفط من دون عدادات، وبرز من يومها مطلب توزيع الثروة بالتساوي. لكن معارضة دولية نتجت من قيام "المكتب السياسي لإقليم برقة" ببيع النفط خارج شرعية الحكومة في طرابلس، عرفت وقتها بــ "أزمة الناقلة مورنينغ غلوري"، تسببت في خفوت المعارضة الشعبية لسياسات الحكومة في العاصمة، التي لم تلبث هي نفسها أن دخلت في خلافات بسبب معارضتها تنفيذ قرارات فرضتها التيارات الإسلامية، بواسطة ثقل ممثليها في البرلمان، لإقصاء كل من يخالفها في أهدافها، منها قرار العزل السياسي، انتهت بالإطاحة بالحكومة وتعيين حكومة بديلة عنها، وفرار زيدان على متن طائرة خاصة إلى خارج البلاد في مارس (آذار) 2014، وقبلها دُبّرت له حادثة اختطاف، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2013، من مقر إقامته في طرابلس.

في الأثناء، كان المشير خليفة حفتر قد أعلن في العاصمة الليبية "تجميد الإعلان الدستوري" وحل المؤتمر الوطني العام والحكومة، قبل أن ينتقل إلى بنغازي لإطلاق "عملية الكرامة" منتصف عام 2014، التي لقيت ترحيب مجلس النواب المنتخب في أغسطس (آب) 2014، بعد أشهر من بدايتها. ولأسباب عدّة، منها خسارة الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية في ذلك العام، وذهابه لعقد جلساته في طبرق في إشارة لدعمه "عملية الكرامة"، بل وتبنيه لها، شكّلت كتائب مسلحة، تمثل الذراع العسكرية للحركات الإسلامية المتشددة، بعضها ينحدر من مصراتة، حركة تمرد عسكرية عُرفت بــ "عملية فجر ليبيا"، تمكنت من السيطرة على العاصمة ومدن في غرب البلاد، وأعادت "المؤتمر الوطني العام" إلى الواجهة السياسية، فشكّل حكومة مؤقتة بدعوى عدم دستورية الانتخابات البرلمانية لذلك العام.

اتفاق الصخيرات

ويعتبر انقلاب "فجر ليبيا" السبب الرئيس في دخول البلاد في انقسام سياسي وأمني لا يزال قائماً حتى الآن، فالصحافي الليبي سالم عرفه يرى أن الجهود الدولية التي دفعت الأطراف إلى "حوار سياسي موسع" أنتج اتفاقاً سياسياً في منتجع الصخيرات المغربي، كانت تدور وراءه تأثيرات دول تدعم تلك التيارات الإسلامية المنقلبة في طرابلس، مقابل حاضنة شعبية بدأت في التشكل، تؤيد مساعي الجيش الليبي لإنقاذ البلاد من الإرهاب وسيطرة الميليشيات. ويؤكد عرفه أن "حكومة الوفاق مع مرور الوقت تحوّلت إلى خصم للجيش وأظهرت انحيازها أخيراً للميليشيات على الرغم من أن أولى مهامها وفق بنود اتفاق الصخيرات، تنفيذ الترتيبات الأمنية التي تهدف إلى إنهاء وجود تلك الميليشيات".

ويوضح تحليله بالقول إن "سفراء تلك الدول التي لم تفارق جلسات الصخيرات كانت وراء تفصيل الاتفاق وبنوده على مقاس المؤسسة العسكرية، التي كانت تحارب المجموعات الإرهابية المدعومة من زعماء التيار الإسلامي في طرابلس". وبحسب رأيه، "فإن المادة الثامنة وُضعت لإقصاء المشير حفتر من منصب القائد العام للجيش، بعد أن تحوّل إلى رقم صعب وضاغط في المبادرات الدولية اللاحقة"، من هنا "تعزز الانقسام في البلاد بإصرار قادة الإسلاميين، الذين تمكنوا وفق اتفاق الصخيرات، من استبدال المؤتمر الوطني كواجهة سياسية لهم بالمجلس الأعلى للدولة، ليحفظ لهم وجوداً سياسياً جديداً في المشهد"، وفق عرفه.

"أزمة مفتعلة"

وكانت الحجة المعلنة لمعارضي تكوّن مؤسسة عسكرية في البلاد، طيلة سنوات الثورة الأولى، أن المؤسسة العسكرية مؤلفة من ضباط نظام القذافي ولا يجوز تمكينهم من العودة. وبعد أن فرض الجيش نفسه في شرق البلاد وتحول إلى طرف أساسي في المشهد، كانت الحجة أن "حفتر يسعى إلى حكم البلاد عسكرياً وإرجاع النظام الديكتاتوري إلى ليبيا"، بحسب تصريحات لعبد الرحمن السويحلي، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة. لكن زقلام، الناشط السياسي يتساءل "لماذا لم ينقلب الجيش على مجلس النواب والحكومة في شرق البلاد، فلا يزالان هناك حتى الآن؟".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع مرور الوقت، تراجع الاحتفاء بالذكرى السنوية للثورة، وأصبح الأمر يقتصر على إعلان حكومَتَيْ البلاد تعطيل الأشغال الحكومية بهذه المناسبة، من دون وجود مظاهر احتفالية، أسوةً بما كان شهده يوم 17 فبراير عامي 2012 و2013. فالأوضاع كانت تنحدر صوب الانهيار، تعكسها مشاهد الطوابير الطويلة للمواطنين أمام البنوك بسبب غياب السيولة النقدية والغلاء الفاحش في الأسعار، ما كان مؤشراً واضحاً إلى انهيار وشيك لاقتصاد البلاد القائم أصلاً على موارد النفط. وعلّل نشطاء ومسؤولون في مجلس النواب أسباب تلك الأوضاع الاقتصادية الصعبة، بأنها "أزمة مفتعلة من المتحكمين في قرار البنك المركزي ووزارة الاقتصاد في حكومة الوفاق، التي تمتلك قرارات إيرادات النفط الذي لم يتوقف عن التدفق، لإيصال رسالة مفادها بأن الأزمة سببها سيطرة الجيش على المنشآت النفطية وموانئه".

المشهد مكشوف

وعلى الرغم من كل مشاهد الفوضى التي هيمنت على الجنوب الليبي، أعلن جمعة المقرحي، الباحث في المركز الليبي للاستشارات والتنمية، أنه "أصبح مغيباً عن المشهد"، إلاّ أنه أكد في الوقت ذاته "وجود صحوة شعبية"، موضحاً أن التيارات المدنية والشعبية أصبحت أكثر وعياً بالواقع، فــ "اليوم أصبح المشهد مكشوفاً بعدما تبين أن حكومة السراج تحتمي بالميليشيات ومن يدافع عنها صراحة تيار إسلامي سياسي في طرابلس، وما عزز هذا الأمر التدخل التركي الأخير". ومن جانب آخر، يرى أن الجيش صنع فارقاً "من خلال الحفاظ على مصداقية موقفه وهدفه منذ انطلاق الكرامة قبل أربع سنوات وحتى اليوم".

هذه الشفافية والوضوح في المشهد الليبي، قابلهما موقف دولي أيضاً بالنسبة إلى الشعب، إذ يعتبر زقلام أن "مجلس الأمن لم يتوقف طيلة سنوات عن الدعوة إلى تفكيك الميليشيات، وفي الفترة الأخيرة، أكد ارتباط بعضها بالإرهاب. وفي مفارقة عجيبة، تجده اليوم يدعو الجيش إلى تكوين لجنة عسكرية من خمسة ضباط للتفاوض في جنيف مع ضباط ينتمون لحكومة تدعم تلك الميليشيات"، مشيراً الى أن المجتمع الدولي لا يبحث عن استقرار البلاد ويبحث عن مصالحه ولو تحت مظلة حكم ميليشياوي.

وتعليقاً على تظاهرات حاشدة شهدتها بنغازي الجمعة الماضية تندد بالتدخل التركي، يقول جلال الذي يخشى الكشف عن اسمه الكامل، إنها "الاحتفال الرسمي بثورة فبراير وتعبير صريح لتأييد الجيش وتوضيح الموقف الشعبي من مستجدات الواقع في البلاد".

لا رجوع

وفي كلمته خلال تظاهرات الأمس في بنغازي، قال المشير حفتر "لا سلم إلاّ بهزيمة الميليشيات وطرد المرتزقة" من طرابلس، مؤكداً أن الجيش "على تخوم قلب طرابلس وقاب قوسين أو أدنى من تحريرها، ولا مساومة على ثوابت حتى تعود طرابلس حرة آمنة مطمئنة عاصمة لكل الليبيين"، وهو ما يراه عرفه واقعاً، ويتساءل قائلاً "بعد أن انصهر  الليبيون بغالبيتهم في معارك الجيش وأعادوا أكثر من 90  في المئة من البلاد ولم يتبقَّ سوى بضع مدن، كيف يمكن القبول بالرجوع إلى الوراء؟". ويعتبر مطالب التفاوض مع قادة الميليشيات والقبول بوجودهم في المشهد من جديد "أمراً مريباً تقف وراءه ضغوط دول تدعم الفوضى ولا تريد نجاح أهداف فبراير".

ولا ينسجم جلال مع مشاعر بعض الليبيين بالندم والحنين لأيام الماضي في ظل حكم النظام السابق، ويرى أن "أهداف الثورة باتت قريبة التحقيق ولا تتنافى مع أهداف الجيش في تحقيق الأمن والاستقرار". كما يعتبر أنّ قبول الحكومة وقواتها بالتفاوض والحل السلمي "دليل على قرب الانهيار والهزيمة" وأنه "لم يعد لديها خيار سوى المهادنة وسياسة التلوّن التي أتقنها قادة الحكم الإسلامي المتشدد طيلة السنوات الماضية".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي