Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الهند: المسلمون يخشون التحوّل إلى "لاجئين في أرضهم"

مع دخول الهند موجة احتجاجات عارمة هي الأضخم منذ أكثر من أربعين عاماً، يتحدّث آدم ويذنول إلى النّاشطين والنّساء والأطفال الذين وجدوا أنفسهم أسرى أزمة المواطنة يُكافحون في سبيل أمّتهم

"نحن نعتصم هنا لأننا لا نرغب لأطفالنا بأن يتحوّلوا إلى لاجئين في وطنهم" تقول إحدى المتظاهرات (آدم ويذنول/إندبندنت)

تشهد الهند حالياً أكبر تظاهرات شعبيّة احتجاجيّة منذ إعلان إنديرا غاندي حالة "الطّوارئ" الشّائنة التي مكّنتها من إخماد الاضطرابات التي كانت تعمّ أرجاء البلاد إبان سبعينيات القرن الماضي. ففي كلّ شبر من الهند  اليوم، هناك مئات التّجمّعات ومسيرات الشّموع والاعتصامات المناوئة لإقرار حكومة ناريندرا مودي قانون تعديل عملية التّجنيس للمهاجرين من ديانات محدّدة باستثناء المسلمين.

بالنّسبة إلى المدافعين عن هذا القانون، من الضّروري تأمين الحماية اللازمة لكلّ من لجأ ويلجأ إلى الهند هرباً من الاضطهاد الدّيني في الدّول المجاورة ذات الأكثريّة المُسلمة، على غرار بنغلاديش والباكستان. لكن بالنّسبة إلى ناقديه، هو لا يقلّ عن كونه خطوة مهمة وأساسية نحو الهدف النّهائيّ لحزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم – ألا وهو تحويل دولة الهند العلمانيّة إلى أمّة هندوسيّة.

ويُمكن اعتبار تعديل قانون المواطنة خطوة إضافية يقوم بها مودي إرضاءً لقاعدته الهندوسية من الطّبقة الرأسمالية الوسطى منذ فوزه السّاحق في ولاية ثانية العام الفائت، شأنها شأن قرار إلغاء استقلال كشمير الذّاتي والتعهّد ببناء معبدٍ هندوسي ضخمٍ للإله "رام" على أنقاض "مسجد بابري".

وصحيح أنّ قرارات إلغاء الحكم الذّاتي في كشمير وتدمير "مسجد بابري" وفرض سجل وطني للمواطنين في أسام لم تؤدِّ إلى أيّ ردود فعل تُذكر من جانب المجتمعات اليسارية والأقليات، لكنّ قرار تعديل قانون المواطنة في 13 ديسمبر (كانون الأول)، مختلف تماماً عنها حيث أثار الكثير من البلبلة والتحرّكات.

والحقيقة أنّه أفضى إلى مداهمة عناصر الشّرطة للجامعات وخوضهم صدامات عنيفة ومميتة مع الطّلاب، في مشهدٍ يُذكّر إلى حدٍّ كبير بهونغ كونغ الزّمن الحاضر والهند أيام إنديرا غاندي. وعلى الرّغم من اعتبار عشرات المحتجّين والنّاشطين وزعماء الأقليات تعديل قانون المواطنة نقطة تحوّل بارزة وعلامة فارقة في تاريخ الهند، يبقى رد الشّرطة الأخرق على التّظاهرات واستخدامها الوحشي لقوانين حظر التجوّل العائدة إلى حقبة الاستعمار، الفتيلة التي أشعلت نيران الغضب والنّقمة الشّعبية.

ومن أجل الوقوف على السّبب المحفّز للتحرّكات الإحتجاجيّة في الهند، عمدت صحيفة "اندبندنت" إلى تقصّي آراء النّاشطين والنّساء والأطفال الثائرين على أزمة المواطنة.

النّاشط

ديباك كبير هو شخصية معروفة جداً في لكناو، عاصمة ولاية أوتار براديش. فهو مخرجٌ مسرحيٌّ لطيف الكلام ومنظِّم معروف لأحد المهرجانات السّنوية الخاصة بالموسيقى الصّوفية؛ لديه من السّحر الممتنع والشّعر الطّويل والمظهر المميّز ما يجعله خير نموذجٍ للفاعلين النّاشطين في السّاحة الثّقافية. لكن في 20 ديسمبر (كانون الأول)، أيّ بعد مرور أسبوعٍ واحدٍ على إقرار تعديل قانون المواطنة، اعتُبر كبير "العقل المدبّر" للاحتجاجات العنيفة المندلعة في كلّ أنحاء المدينة؛ وعلى هذا الأساس، سيق إلى إحدى الغرف الخلفيّة لمركز الشرطة وضُرب بصورةٍ وحشيّة ومتكرّرة من قبل عشرات الضّباط النّظاميين.

وفي حديثٍ له مع "ااندبندنت"، يُقدّر كبير أنّ اختلافاً بسيطاً في التّوقيت هو السّبب وراء تفجّر حركات احتجاجيّة أكثر عنفاً في أوتار براديش من أيّ مكانٍ آخر في الهند.

ويؤكّد أنّ "التّاسع عشر من ديسمبر (كانون الأول) هو تاريخ مهم جداً لمواطني هذا البلد عموماً ولكناو خصوصاً". لماذا؟ لأنّه يُصادف ذكرى إعدام ثلاثة ثوار على يد القوات البريطانية الاستعماريّة عام 1927، أو ما يُعرف محليّاً بـ"يوم الشهداء". ومنعاً لاحتشاد النّاس في هذه المناسبة، حاولت السّلطات قبل يوم التّذرّع بالمادة 144 من قانون حظر التجوّل العائد إلى الحقبة الاستعمارية لمنع حصول أيّ تجمّع قد يتمخّض عنه إنتهاكات للقانون والنّظام.

"لكنّ محاولاتها جاءت متأخرة"، إذ كان المحتجّون قد أمّوا وسط المدينة بالحافلات. "اعتقدنا أنّه بإمكاننا حشد بين ألفين و3 آلاف شخص، لكن في ذلك اليوم، لم يأتِ سوى 500 إلى 600 ألف شخص من شباب ومسنّين، هندوسيين ومسلمين، رجالا ونساء وأطفالا."

وصحيح أنّه ما من طريقة للتحقّق من ادّعاءات كبير بشأن أعداد المشاركين في اعتصامات 19 ديسمبر (كانون الأول)، لكنّ الشّرطة أكّدت لاحقاً أنّ ألف و113 شخصاً اعتُقلوا يومها للاشتباه في تورّطهم في أعمال عنفٍ في أنحاء أوتار براديش، ما يُعطي فكرة واضحة نسبيّاً عن فداحة الاضطرابات في الولاية. ففي نهاية الأمر، الاشتباكات في أوتار براديش هي الأسوأ في إطار الحركة الشعبيّة المعارضة لتعديل قانون المواطنة الهندي، حيث أودت بحياة 23 من أبنائها على الأقلّ في غضون شهرٍ واحدٍ فقط.

وكانت احتجاجات التّاسع عشر من ديسمبر (كانون الأول)، في معظمها، سلميّة. ويقول كبير إنّ إغلاق شبكات الإنترنت والاتصالات صعّب عمليّة التّواصل والتنسيق وفرض عليه التّوجّه إلى عددٍ من التجمعات المتناثرة هنا وهناك قبل أن يعود وزوجته إلى المنزل. أمّا الصّدامات العنيفة التي أسفرت عن مقتل محتجٍ مسلمٍ واحدٍ على الأقل، فقد حصلت في وقتٍ لاحق وفي مكانٍ آخر.

وفي ساعةٍ متأخرة من تلك الليلة، علم كبير من أحد الصّحافيين أنّ اثنين من رفاقه – المفقودين منذ بعد الظّهر – تعرّضا للاعتقال. فما كان منه إلا أن قصد مركز شرطة هازراتجانج في صباح اليوم التّالي بحثاً عنهما. ولمّا وجدهما، طلب التّحدث إلى أحد كبار الضّباط "لمناشدته إطلاق سراحهما". وبعد ذلك، اتصل بعائلتي رفيقيه المحتجزين ليُخبرهما عن مكان وجود هذين الأخيرين، فتقدّم منه شرطي وأمسك بذراعه.

"في البدء، ظننتُ أنّه سوء تفاهم"، يروي كبير، "وحين أتى مفوّض مركز الشّرطة (أو المفتّش المسؤول عن مركز الشرطة في الهند)، ظننتُ مرّة أخرى أنني قادر على إقناعه بأنّ كلّ ما جرى كان مجرّد غلطة."

لكن عوضاً عن ذلك، حطّم المفوّض هاتف كبير على الأرض وقال بأعلى صوته إنّه شاهد مقطعاً  مصوّراّ لكبير وهو يخطب في تجمّعٍ احتجاجيٍّ آخر في 16 ديسمبر (كانون الأول)، "محاولاً اتّهامي بالتّخطيط لكلّ ما يجري".

"وعلى الأثر، نادى المفوّض على عشرة أو بالأحرى 15 من عناصره. فأخذوني إلى غرفة قاتمة حيث أمسكوا ذراعيّ إلى أسفل وبدأوا يضربونني. ضربوني بقوّة على كلّ أنحاء جسمي لمدّة 15 دقيقة متواصلة."

بعد كلّ هذا الضّرب المُبرح، قام شرطيّان بنقل كبير إلى المستشفى لإجراء تقييم طبيٍّ "رسميٍّ" له. ولمّا عادا به إلى المركز، كان المفتش الأعلى رتبة على مستوى الولاية قد حضر. وبحسب رواية كبير، "بدأ ]المسؤول الأعلى رتبةً[ بإهانة كلّ من أعرفهم. ومن ثم، أمسك بشعري الطّويل معتبراً إياه دليلاً جازماً على انتمائي للحزب الشيوعي الحضريّ وقال لمفوّض المركز إنّ الوقت قد حان لجولةٍ ثانية."

في هذه المرحلة، بدأو ينزعون السروال عنه. "توسّلتهم أن يضربوني ويفعلوا بي ما يشأؤون إلا هذا"، يُضيف كبير.

ونزولاً عند طلب المفتّش الأعلى "ضربه حتى يُمسي كلّ جرح من جراحه بسماكة بوصتين... وحتى لا يعود قادراً على الجلوس لمدّة ثلاثة أشهر"، استأنف الشرطيون ضرب كبير، تارةً ممسكين بذراعيه وتارةً أخرى ملقين به على الأرض. "حاولتُ أن أُحافظ على هدوئي وأُبقي عينيّ وفمي مقفلة"، يقول كبير، "لكنني لم أترجّاهم."

وبعد توجيه 20 تهمةٍ له، منها تهم خطيرة كالقتل المتعمّد وتخريب الممتلكات والتّفجير ومخالفة المادة 120 ب – "مؤامرة إجرامية" – واعتباره واحداً من منظّمي الاحتجاجات العنيفة، زُجّ كبير في السّجن حيث مكث 21 يوماً إلى حين إطلاق سراحه بكفالة.

يبدو كبير مرتاحاً بشكلٍ لافت حيال الاتّهامات الموجّهة ضدّه، إيقاناً منه أنّ المحاكم لن تأخذ بها وستدحضها في غياب "أدلّة دامغة تُثبتها". ولكن، هذا لا يعني للأسف أنّ طيفها لن يُلاحقه لسنواتٍ عدّة، بوجود نظام قضائي بطيء وسيء السّمعة في الهند. وبالنّسبة إلى كبير، الاحتجاجات الأخيرة هي نقطة تحوّل حاسمة في ولاية مودي، إذ تعقب إقرار تعديل قانون المواطنة الذي يُعدّ خرقاً واضحاً للفكرة الأساسية التي تربو عليها دولة الهند"، بعكس الخطوات السّابقة التي استهدفت المسلمين بشكلٍ خاص، كإلغاء الحكم الذّاتي في كشمير والبتّ في النّزاع على "مسجد بابري".

فكبير يرى أنّ "الجميع، بمن فيهم المسلمين، فقدوا ثقتهم بالسّلطات في أوتار براديش واعتقالي كان أمراً جيداً، إذ لا يُمكن لأحد أن يُشكّك بي كوني ناشطا اجتماعيا يحمل اسماً هندوسيّاً ويتمتّع بشعبيةٍ كبيرة ]هنا[. أعتقد أنّ المظاهرات لن تتوقّف وسيستمرّ الناس في التجمّع كلّ يوم إحتجاجاً على القانون. ومتى عجزنا عن النّزول إلى الطّرقات والشوارع، فإننا لن نتوانى عن شنّ الحملات المعارضة عبر الإنترنت. نحن الشّعب الذي يقول كلمته ويُعارض تعديل قانون المواطنة – لأنّ دستوره لا يفسح المجال لأيّ شكلٍ من أشكال التّمييز".

النّساء

في شاهين باغ جنوبي دلهي، تبدو أجواء الاحتجاجات المستمرة منذ 50 يوماً أقرب إلى المهرجانات منها إلى الاعتصامات أو إضرابات الطّعام؛ وهذا ما جعل من الحيّ الشّعبي رمزاً من رموز الحركة المناوئة لتعديل قانون المواطنة على مستوى الأمّة. فبقيادة مجموعة متفانية من حوالى 500 امرأة مسلمة، يحتشد الآلاف في مساحة كيلومتر من الطّريق السّريع المقسّم إلى ثلاثة خطوط، متوعّدين بعدم المغادرة حتى تتراجع الحكومة عن قرارها أو تُوافق على تعديل قانون المواطنة.

وعلى مسافة من هذا الجمهور العريض المؤلف من أكثرية نسائية، تنتصب درجات مختلفة من الحواجز لإبقاء الاحتجاجات بعيدة عن رجال الشرطة المتواجدين بأعداد قليلة، وتتوزّع المتطوّعات من الحركة لإجراء التّفتيشات الأمنية اللازمة في المحيط. في النّهار، يصطفّ الباعة المتجوّلون عند المدخل لبيع المشروبات والوجبات الخفيفة للمحتجين. وفي المساء، تتجمّع الحشود الكبيرة في الأزقّة الضيّقة المؤدية إلى مركز التّنسيق الذي هو عبارة عن مسرحٍ مؤقتٍ بدائي الصّنع.

وإبان الخميس الفائت، لوحظ ارتفاعٌ في أعداد الحاضرين، مع انضمام شاهين باغ إلى باقي أطراف الأمة لإحياء ذكرى اغتيال مهاتما غاندي عند السّاعة 5:17 من مساء 30 يناير (كانون الثاني) 1948. فأب الأمّة الذي ناضل من أجل منح الهند استقلالها بلا عنف، هو مصدر إلهام كبير لهؤلاء النّساء؛ وفي الذّكرى الأليمة، تحوّلت صفوف الصّائمات المغطاة بأقنعة ورقية إلى بحرٍ واسع من الغانديات. وعلى المسرح، جسّد الممثلون رواية الاغتيال وأنهوها بمشهدٍ لناتهورام غودسي وهو يضحك بشكلٍ جنوني شاهراً مسدس لعبة.

برأي ميهروني شاه (في العقد الخامس من العمر) التي تشعر بالتّعب جراء إضرابها عن الطّعام منذ ثلاثين يوماً، ما كانت الأزمة لتشمل العلمانية في الهند لو كان غاندي لا يزال على قيد الحياة. فـ"غاندي كان رجلاً طيّباً وقد حرّرنا من الحكم البريطاني. واليوم، علينا أن نُحرّر أنفسنا من الأشخاص الذين اخترناهم ممثلين لنا."

المعنويات مرتفعة جداً وإن شابتها بعض علامات التّعب. وهنا، تسخر شاه بشكلٍ جاف قائلةً إنّها "سعيدة لأنّنا غير ممنوعين من الاعتصام."

وفي صفوف النّساء في شاهين باغ، هناك أمهات وجدّات وهناك أيضاً أطفال؛ وهؤلاء إما يتجوّلون في منطقة الاحتجاج المسقوفة وأقنعة غاندي الكبيرة تُغطّي وجوههم الصغيرة، وإما يُشاهدون عرضاً موسيقياً تقليدياً أو مسرحية مسليّة لطفلٍ يلعب دور غاندي ويرتدي ملابسه.

وفي ما يخصّ شاه، فهي موجودة في هذه المنطقة للإحتجاج "على القوانين المُجحفة التي أُقرّت حتى اليوم وتلك التي ستُقرّ في مرحلة لاحقة" وللتعبير كذلك عن خوفها من إمكانية لجوء حزب "بهاراتيا جاناتا" إلى إجراءات مجحفة أخرى لتحقيق حلمه بهندٍ هندوسية. "سيحرمون أطفالنا مستقبلهم وحقوقهم بالتعلّم والمواطنة. نحن نعتصم هنا لأننا لا نرغب لأطفالنا بأن يتحوّلوا إلى لاجئين في وطنهم؛ ولا يُمكن لأيّ شيءٍ أن يُوقفنا".

والملفت في احتجاجات شاهين باغ احتوائها على عدد كبير من النّساء اللواتي تجرأنَ على الخروج عن صمتهنّ والمشاركة في الاحتجاجات للمرة الأولى في حياتهنّ. وعلى الرّغم من أنّهنّ لم يعشنَ تجربة الإضراب عن الطّعام من قبل، فإنهنّ لا يُمانعنَ الإلتزام بإضرابٍ مستمرٍّ منذ 50 يوماً ينقطعنَ خلاله عن المأكل والمشرب لمدة 12 أو 14 ساعة في اليوم ولا يتناولنَ سوى وجبة واحدة فقط قبل النوم. ونذكر من بين هؤلاء النّساء على سبيل المثال لا الحصر: شاهين (47 عاماً) التي حاولت منع نفسها من البكاء فيما كانت تروي لصحيفة "اندبندنت" السّبب الذي دفعها للإنضمام إلى أوّل مظاهرةٍ لها. ويظهر أنّها فعلت ما فعلته عقب تضييق الشّرطة الخناق على المحتجين في "الجامعة الملية الإسلامية" (JMI) في 15 ديسمبر (كانون الأول) والانقضاض عليهم بالهراوات والقنابل المسيلة للدموع.

"صحيح أنّ احتجاجات عديدة جرت في الماضي ولكنّها لم تكن يوماً على هذا القدر من الوحشيّة. فالشرطة لم تكتفِ باستخدام العصي، بل تعرّضت للناس بالرصاص الحي وجرّت الفتيات من شعرهنّ وداهمت المكتبة وأَوسعت الموجودين فيها، من نساء وفتيات وأطفال، ضرباً"، تُخبر شاهين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"أطفالنا على قدرٍ طيّب من التّعليم وكان الذي حدث هو ما توقّعوا حدوثه تماماً. فهم كانوا يعلمون جيداً أنّ ما يفعله النّظام لا يصبّ في مصلحتنا ولهذا قرروا التجمّع فيما بينهم والإحتجاج. لكنّ تحرّكهم السلميّ قُوبل بالضّرب المبرح، أليس كذلك؟ ها نحن إذن نقف هنا دعماً لهم. فأطفالنا هم مستقبل الهند وبانوه. لقد دافعوا عنّا وقد حان الوقت لنقف إلى جانبهم دفاعاً عنهم"، تُردف شاهين.

ومن شاهين ننتقل إلى  شيفانا أجمال (37 عاماً) التي تُعتبر واحدة من النّساء الثلاث أو الأربع اللواتي أطلقنا احتجاجات شاهين باغ . وبصفتها أكاديمية في "الجامعة الملية الإسلامية"، فقد تعرّضت أسوةً بغيرها للضرب على يد عناصر الشّرطة التي داهمت الحرم في ديسمبر (كانون الأول). "بعدما دخلوا المكتبة"، تحكي أجمال، "هرعنا إلى المسجد لنختبئ. ولكنّهم لحقوا بنا وضربونا. كانوا يصرخون علينا ويُسيئون إلينا ويضربوننا بوحشية كبيرة. أنا عن نفسي، أُصبتُ بجروحٍ وكدمات في رجليّ جراء الاعتداء عليّ بالضّرب بواسطة عصا".

"تلك كانت الخطوة التمهيديّة الأولى للإحتجاجات، قل الشرارة التي دفعتنا للتمرّد ورفض تكرار ما حصل. فمن بعدها، حضر أربعة منّا إلى هنا وأطلقنَ الصّرخة التي حرّكت مشاعر سيدات كثيرات أبينَ إلا أن ينضممن إلى صفوفنا حتى أصبحنا الحشد الكبير الذي نحن عليه اليوم"، تُضيف أجمال.

برأي أجمال، الوسائط الإعلامية تسخر من المسلمين وتصفهم بالـ"متعصّبين". ولكننا في الحقيقة لسنا كذلك؛ فقد تحمّلنا الكثير ولم نحرّك ساكناً إلى حين إقرار التعديلات على قانون المواطنة وظهور الإدارة الحاكمة على حقيقتها. والحق يُقال ]التعديلات على قانون المواطنة[ تستفزّ الشّعب الهنديّ برمتّه وليس فقط المسلمين؛ ونحن مجرّد أقلية أخذت بزمام المبادرة للاحتجاج عليها".

الأطفال

لعلّ الحادثة المشينة الأشهر منذ إقرار تعديل قانون المواطنة هي تلك التي وقعت في مدينة موزافرناغار في أوتار براديش في 20 ديسمبر (كانون الأول). وفي إطار هذه الحادثة، حاصرت الشّرطة مئات الرّجال والأطفال المسلمين واحتجزتهم. وفي بعض الوسائل الإعلامية، وردت أخبار عن تعرّض المعتقلين للتعذيب؛ الأمر الذي أكّد كبير أنه ما كان ليحدث لولا التّعليقات التي أدلى بها حاكم أوتار براديش والزّعيم الديني الهندوسي المقرّب من حزب "بهاراتيا جاناتا" اليميني المتشدد، يوغي أديتياناث، قبل يوم.

ففي أعقاب اتّهام المحتجّين على تعديل قانون المواطنة بتخريب الممتلكات العامة، أطلع اليوغي (كما هو معروف عالمياً) الصّحافيين أنّ "في حوزتهم شريط فيديو ولقطات مصوّرة تُدين هؤلاء"، متوعّداً "بالثأر منهم".

وفي شهادة سجّلتها جمعية "Karwan e Mohabbat"، يُعيد سليم (14 عاماً) من محمود ناغار في مظفر ناغار، سرد تفاصيل اعتقاله قرابة السّاعة الثالثة بعد الظّهر بعد صلاة يوم الجمعة، ومكوثه في السجن أربعة أيام طويلة دون أن تُوجّه له أي تهمة. في ذلك اليوم، كانت الفوضى تعمّ الحيّ وكان شقيقه متوارياً عن الأنظار.

"ولمّا خرجتُ للبحث عنه، أحاطتني آليات الشّرطة من كلّ جانب وأمسك بي عناصرها وانهالوا عليّ ضرباً بعصيانهم. ضربوني ضرباً مبرحاً"، يقول سليم مستذكراً.

وفيما كانوا يضربونه، أخبرهم أنّه قاصر وأنّه ينبغي عليهم الاتّصال بأهله. لكنّهم تجاهلوا كلامه وشتموه، ومن ثم سحبوا قضيباً معدنياً من قلب نيرانٍ مستعرة في الشّارع وأحرقوا يده؛ ولا يزال أثر هذا الحرق واضحاً على جلد سليم.

"وضعوا القضيب المشتعل على يدي فيما كنّا لا نزال في الشّارع. حاولوا أن يرموني في النار. نعم هذا صحيح. بدأوا يضربوني وحاولوا رميي في النّار وكانوا سينجحون في ذلك لولا تدخّل عنصرين بينهم: "لا ترموه في النار بل ضعوه في السّيارة."

وفي طريقه إلى مركز الشّرطة، بكى سليم دموعاً مرّة. كان يأمل أن تُتاح له فرصة الاتصال بوالديه فور النّظر بقضيّته. لكنّ أمله لم يتحقّق وظلّ يتعرّض للضرب داخل المعتقل. "ضربوني أكثر من مرّة. وفي إحدى المرّات، ضربوني لمدة ساعة كاملة. طلبوا منّي إعطاءهم مئة اسم وسألوني عمّن كان برفقتي. و]لكنني[ قلتُ لهم إنني لم أكن أعرف أحداً هناك."

وإلى جانب التّعذيب الجسدي، تعرّض سليم للإساءة اللفظية التي بيّنت، على حدّ قوله، موقف الشرطة الكاره للإسلام والمسلمين. فـ"فيما كانوا يضربوننا، أرغمونا على إنشاد شعارات للإله "رام" الهندوسي. واستمروا يعذبوننا ويقولون لنا: "هل سيأتي ربكم لإنقاذكم؟ لنتتظر ونرى."

استُمع إلى شهادة سليم في المحكمة الشّعبية للإجراءات التي اتخذتها إدارة أوتار براديش الشهر الفائت والتي كانت عبارة عن جلسة استماع ليومٍ واحد نظّمتها مجموعة من النّاشطين الراّغبين في التحقيق بالادّعاءات بارتكاب الشرطة أعمال وحشيّة بحقّ المحتجين على تعديل قانون المواطنة. كما استُمع إلى شهادة شاهد عيان من بيناريس، الدّائرة الانتخابية الأصلية لرئيس الوزراء الحالي. فبحسب الشاهد، أدّى استخدام رجال الشّرطة للهراوات بغرض تفرقة المحتجين في باجارديها في 20 ديسمبر (كانون الأول) إلى مقتل طفل في الثامنة من العمر.

"استخدم رجال الشرطة الحجارة والهراوات ووجّهوها نحو الرأس والجزء الأعلى من الجسم لدحر المحتجين. وما فعلوه مخالف للقوانين الدولية والمبادئ التّوجيهية للشرطة على المستويين المحليّ والدولي، حيث لا يجوز للقوات الأمنية استعمال القوة إلا كخيار أخير. لكن في باجارديها، كانت القوة بلا شك الخيار الثاني، إذ لما طلبوا منا التوقف عن الاحتجاج ولم نفعل، بدأوا يضربوننا بوحشية".

"وبما أنّ الخطوط ضيّقة جداً، خاف المتظاهرون على أنفسهم وحاولوا الهروب إلى ساحةٍ يتجمّع فيها الأطفال للعب. وقد أدّى التّدافع المهول إلى مقتل الطّفل محمد صغير (8 سنوات) الذي كان يركب دراجته الهوائية قرب منزله".

إلى ذلك، استمعت المحكمة لإفادة سرور ماندير، إحدى المنظّمات من جمعية "Karwan e Mohabbat"، التي أكّدت أنّ "مسؤولية الشرطة الأولى هي إبعاد الأطفال عن المجموعات وتأمين الحماية لهم."

وهذا ما لم تفعله شرطة أوتار براديش، والدّليل على ذلك الشهادات التي نفت اعتقال أيّ قاصر وإحالته إلى وحدة الشّرطة الخاصة بالأحداث أو خدمة رعاية الأطفال. "في جميع الحالات، كانوا يتركون الأطفال مع الكبار داخل مراكز الشرطة، لأكثر من 24 ساعة أحياناً. وبعد ذلك، كانوا يُطلقون سراحهم  دون أن يُوجّهوا لهم أي تهمة رسمية من أيّ نوع؛ وعائلات هؤلاء الأطفال تؤكّد أنّ الشرطة أخفت عنهم مكان وجود صغارهم".

"لكن ما يثير الخوف أكثر في هذه القصص هو العنف المفرط الذي استخدمته الشّرطة تجاه الأطفال. ففي بلدة تلو الأخرى، تبيّن لنا أنّ الأطفال تعرّضوا للاعتداءات اللفظية والجسدية والجنسية من قبل الشرطة وقت الاعتقال وما بعده"، تُضيف ماندير.

استمرّت هيئة المحلّفين التي ضمّت قاضيين سابقين في المحكمة العليا وأكاديميين وفاعلي خير وموظفين حكوميين سابقين، بالاستماع إلى إفادات الشهود على مدار سبع ساعات. وفيما بعد، أصدرت بياناً مشتركاً أعربت فيه عن "اقتناعها بأنّ مجمل أجهزة الولاية وعلى رأسها الإدارة العليا سببت أضرارا جسيمة وارتكبت أعمال عنف شائنة بحقّ مجتمعٍ معيّن، قل المواطنين المسلمين والنّاشطين الاجتماعيين الذين يتصدّرون التّحرك."

وفي ختام البيان، لفتت الهيئة إلى أنّ ردّ الشّرطة على الاحتجاجات "مؤشّر واضح على الانهيار التّام لسيادة القانون" في أوتار براديش، حيث أنّ "إدارة الولاية المسؤولة عن تطبيق القانون هي التي تُخالفه بممارسة العنف المفرط بحقّ شعبها".

وتعليقاً على المحكمة الشّعبية، يذكر البروفسور عرفان حبيب، وهو مؤرخ ومدافع بارز عن العلمانية، أنّه قد "تأثر وأعضاء آخرين في الهيئة بالأدلة التي قُدمت لهم". فالأحداث التي أعقبت إقرار تعديل قانون المواطنة حوّلت دستورنا إلى مهزلة وذكّرتنا بحقبة ألمانيا النازية، لا بحقبة الحكم البريطاني. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إنّ معركة اليوم لا تعني أوتار براديش وحدها، بل الهند بأكملها".

وعلى النّقيض من ذلك، دافع مودي عن تعديل قانون المواطنة في خطابٍ ألقاه أمام البرلمان الهندي في 6 فبراير (شباط)، مصرّاً على "أنّ تنفيذ التعديلات لن يؤثر على مواطني الهند بصرف النظر عن ديانتهم أو معتقدهم". وفي كلمته، اتّهم مودي أحزاب المعارضة بتجييش المخاوف إزاء الإجراءات الجديدة "دعماً لأجندة باكستان الإنقساميّة في الهند"، واصفاً المحتجّين بعصابات الـ"Tukdetukde"، وهي لفظة هندية تعني "أجزاء" وتُستخدم عادةً من قبل الجهات اليمينية التي تستهزئ بالانتقادات الرّامية إلى تقسيم الهند.

يُذكر أنّ شرطة أوتار براديش لم تردّ على طلبات التّعليق.

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات