Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بين العراق وفلسطين... الحب مساحة لنسيان الحرب

ملاذ آمن يمدنا بالطمأنينة والثقة والشعور

بائع ورد في البصرة (غيتي)

يبقى للحب الأول ذكرى، مهما تبدلت الظروف وتغيّرت. منا من يسترجعها بأسى، ومنا حين يتذكر ما مر به، يبتسم ويشعر بلهفة ربما أو لوعة.

على الرغم من كل ما يعانيه العراق وفلسطين من ظروف سياسية وأمنية قاسية، وحصار اقتصادي، يبقى للحب مساحة، فمنه نتعلم الاستمرار والصمود، وبه تغدو الحياة أجمل وأرقى.

في عيد الحب، سنحاول الاضاءة على بعض التجارب التي مر بها مشاهير من البلدين، علها تظهر جانباً جديداً من شخصيتهم، في محاولة لتلطيف الأجواء الساخنة، ونسيان ولو لدقائق صوت الرصاص ومشاهد الدمار.

"الحب الأول يترك ذكرى طيبة"

في فبراير (شباط) كل عام تبدأ محال بيع الورود والعطور، ومستحضرات التجميل، والدببة الحمراء، بالاستعداد لعيد الحب (الفالنتاين)، ولو أن الظروف السياسية والاقتصادية تتحكم بشكل الاستعدادات ومقدارها في فلسطين.

تتمثل هذه التحضيرات أيضاً في الإعلانات التي تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي، من تنزيلات على المنتجات، أو حفلات وسهرات في أماكن مختلفة.

لكن ماذا لو بحثنا عن الحب داخل الناس وقصصهم معه لأول مرة، بعيداً من الهدايا والمواعيد، أو ما قد نراه على وسائل الإعلام من موت، وأزمات إنسانية وبيئية، وتوترات سياسية بين الدول، أو حتى خطابات الكراهية والعنصرية التي تظهر هنا وهناك، ضد إثنيات معينة، أو أديان أو غيرها.

على الرغم من مرور أكثر من 50 عاماً، إلا أن فتحي البرقاوي (صحافي ومدير سابق لهيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية)، لا ينسى الفتاة التي أحبها لأول مرة، بل يتذكرها بسعادة بتفصيلات اللحظات آنذاك، فتجارب الصغر هذه قد تترك فرحة كبيرة، أو ندبة، مضيفاً أنها قد تبدأ بالرغبة بوجود الشريك أو شخص يهتم بك، وهي ليست جادة دائماً.

ويشير البرقاوي إلى أن الحب ما زال موجوداً، على الرغم من أنه كان في الماضي أجمل لصعوبة الوصول إلى المحبوبة، وتعقيدات إيصال الرسائل والاتصال، ولكن الحب كفكرة يجب أن يبقى وقد يكون بأشكال مختلفة، لأنه مهم لبقاء البشرية.

"كل حياتنا قائمة على الحب"

في المقابل، ترفض الفنانة المتعددة التقنيات (راقصة وومثلة وسيرك) عشتار معلم، فكرة وجود يوم للحب، لأن هذا الأمر يحوله إلى مادة تجارية، فالحب لا يحتاج يوماً للاحتفال به، فهو في معناه يتعدى الحب الجنسي بين شاب وفتاة، بل يصل إلى كل تفصيلة في الحياة كالعمل والشغف وغيرهما، لأن الحب هو ما يجعلنا نستمر في الحياة.

وعن تجربتها الأولى، تقول معلم إنها تركت فيها ذكرى جميلة منذ الطفولة، فهي كانت تنتظر بشغف أن تخرج مع أصدقائها، لترى الطفل الذي أعجبها، وجعل قلبها يدق بسرعة، مضيفة أن المشاعر تختلف وتتغير طريقة تعاملنا معها باختلاف المرحلة التي نقع فيها بالحب، لأن هذه القيمة تعلمنا الصبر والتفهم، ورؤية الأمور من زاوية أخرى، والسعي إلى إيجاد نقطة وسط ترضي الطرفين.

الحب الأول انتهى بالزواج

قصة الحب الأولى للمدون بالفيديو علي بخيت من قطاع غزة، انتهت بالزواج وإنجاب أطفال، وعنها يقول إنها الأجمل، لأنه مع مرور سنوات الزواج بات  الحب سلوكاً في الحياة، ما خلق تفاهماً أسرياً وراحة نفسية وإيجابية تنعكس على ما يحيط به.

ويرى بخيت أن الحب ليس خياراً، فعلى الرغم من كل ما يمر به العالم من خطابات كراهية، ودمار، إلا أنّه موجود دائماً في مكان ما، سواء كان الحديث عن العشق، أو عن حب العائلة والأصدقاء، لأن هذه القيمة هي إحدى وسائل إصلاح العالم، وما فيه من مشاكل.

... وليس كلاماً

"تجربة الحب الأولى هي فرصة استكشافية، وكل شيء فيها يكون مختلفاً ككلمة أحبك، والمشاعر والنظرات والسعادة" تقول هديل قاسم وهي صانعة محتوى رقمي، فالحب الأول يغير الأشخاص ويجعلهم مختلفين، فحينها تكون المشاعر صادقة وعفوية، مستدركة أن الحب أساس الكون، وهو حياة وليس فقط بالكلام، ولن ينتهي وينتشر في العالم على الرغم من الكره والحقد.

"الحب إعلان وحرب"

توضح الكاتبة الشابة رولا عرفات أن تجربة الحب الأولى إذا فشلت ستترك أثرين، الأول عدم القدرة ع لى الثقة بالحب مجدداً، والثاني أن الإنسان لن يستخدم القلب فقط في الاختيار، بل بكل الحواس، لتجنب الفشل في علاقة أخرى.

وبالنسبة إلى عرفات فالحب هو الذي أوجدنا، وله أشكال عدة منها الاهتمام بالعائلة والأصدقاء، ومن يحيط بالشخص، مشيرة إلى أن القدرة على إعطائه ما زالت موجودة بشكل يجعل الناس تنفر وتبتعد عن النفاق والكراهية.

"الحب كهرباء غريبة"

الممثل الكوميدي محمود رزق جسد تجربته الأولى في المراهقة في أعماله المصوّرة، والتي بالنسبة إليه لم تكن حباً، بل للتباهي أمام زملاء المدرسة بأن لديه حبيبة، وأنه يتحدث مع فتاة، ومن هذا القبيل.

ويرى رزق أن الحب عبارة عن كهرباء تسري في الجسم، وخفقان في القلب عند رؤية المحبوب، وهو موجود كقيمة بين الناس، وهو تجسيد للثقة والتسامح، وله أشكال متعددة نمارسها كل يوم، ولولا الحب لكان البشر في عداد الأموات الآن.

"يبدأ من الولادة"

تصف سيدة الأعمال والناشطة المجتمعية ربا مسروجي حياتها بأنها دائماً مليئة بالحب، فهي تعيش حياة دافئة مع أسرتها والناس، لأن الحياة الجافة التي لا حب فيها، تكون غير صحية وحزينة، ولا يمكن الاستمرار فيها، مضيفة أن الحب الأول ليس بالضرورة أن يأخذ الشكل النمطي التقليدي الذي نعرفه، فهو موجود في الإنسان منذ ولادته، ولكنه يكتسب صوراً ومفاهيم متعددة، تختلف بحسب المرحلة العمرية.

"الحب يجعلنا عقلانيين"

مؤسس موقع events.ps في فلسطين أنس أغبر، كانت له تجربة مختلفة، ففي المرة الأولى كان يحب فتاة لم تبادله الشعور ذاته، والمرة الثانية أحبته شابة لم تكن لديه مشاعر تجاهها، وكلا الموقفين علمّاه أن يكون عقلانياً أكثر في خياراته، وأن يحرص على عدم جرح مشاعر أي فتاة، وجسّد ما تعلمه في زواجه لاحقاً من فتاة أحبها سنوات.

هذه التجارب وما نراه على مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت أو على أرض الواقع من تدهور للبشرية، لا يمنع بالنسبة إلى أنس أن يكون الحب قيمة عليا مهمة في الحياة، ذات أشكال وصور متعددة تختلف باختلاف الحالة.

 

 

الحب الأول أطياف تتلاشى مع تقدم الزمن

كم من قصص في الحب التي أرختها الحقب والعصور وكم من أحلام تحققت وكم من عواطف قررت الاختباء في خزينة الذكريات، فحكايا الحب لا تنتهي ولن تنتهي. ترك لنا العشاق عبر العصور تجاربهم مع الحب وأصبحت حكاياتهم تلهم الكثير لكتابة روايات وقصص يندمج فيها الخيال مع الواقع.

ثمة من العشاق من لا يصبر على فراق محبوبة فيجن أو يموت، ويزخر تراثنا العربي بمئات القصص حول وجع الفراق، فالشاعر الطغرائي حزن أشد الحزن لفراق زوجته وبقيت صورتها وهي تصارع الموت قائمة في نفسه بتفصيلاتها وقدم أروع صور للرثاء وهو يقول:

لم أنسها والموت يقبض كفها   ويبسطها والعين ترنو وتطرق

وقد أدمعت أجفانها فوق خدها  جنى نرجس فيه الندى يترقرق

وقيل فراق لا تلاقي بعده     ولا زاد إلا حسرة وتحرق

الحب الأول

شغلت فكرة الحب الفلاسفة والمفكرين وأفردوا لها رسائل وكتب، فأفلاطون كان يرى أن الروح تصل إلى الخير من خلال الحب ومنهم من وضع الحب في مرتبة أعلى من الحرية فسارتر يقول" الحرية ليست سوى وسيلة توصلنا إلى الحب الدائم الذي يملأ نفوسنا بالراحة". وهناك من صنف الحب بأنواع، فهناك الحب الأول والحب الأخير، يرى البعض أن الحب الأول هو السعادة الحقيقية وما بعده سيكون عبثاً، آخرون يعتقدون أن الحب الأول يمضي ولا يترك وراءه أثراً.

يرى المخرج والممثل باسم قهار أن الحب الأول لم يبق منه شيء. وفي حديث لـ "اندبندنت عربية" يقول حول الحب الأول "ثمة أصوات وألوان وروائح تبتعد سنة بعد أخرى، صور غائمة لوقائع ما حدث من عقود بين قلبين صور تفقد ألوانها وملامحها حتى تتلاشى".

ويضيف قهار "أشعر بأن ما حدث لم يحدث كأنه محض خيال، كأن الحالة الرومنسية للحب الأول ليست أكثر من قصة مختلقة".

لم يبتعد الروائي وحيد غانم عن الفكرة السابقة، إذ يوضح أن المشاعر الأولى لم يبق منها أي شيء "باستثناء طيف الزمن وتصوّرات أو ذاكرة تخفي أحاسيس وروائح وألواناً"، وعلى الرغم من هذا التلاشي يرى أن ذاكرة الحب الأول تطبع بصمتها في المشاعر التي تلي تلك التجربة البعيدة.

هناك من يرى أن الحب الأول يشبه الصفعة الأولى، وهذا ما أوضحته الشاعرة والمترجمة فيء ناصر، وتضيف: أن الحب الأول يشبه كثيراً الصفعة الأولى. برأيها أن التجربة العاطفية الأولى لغالبية الناس تفشل لأنها تحدث في عمر مبكر.

رصيد للذكريات الجميلة

يرى البعض أن الحب الأول لن ينتهي، فهو رصيد للذكريات الجميلة بحسب الكابتن السابق لمنتخب العراق لكرة القدم سعد قيس، والحب الأول "لا يزول ولا ينتهي أبداً وبخاصة إذا تكلل بنهاية سعيدة تجمع الطرفين".

أما الكاتب والمخرج حامد المالكي فقد ذهب أبعد من ذلك، حين قال إن الحب الأول هو الأصدق "لأن الإنسان يكتشف فيه، ذلك الجانب الخفي الذي يحرك الروح والقلب، لذلك تبقى ذكرياته عالقة فيه"، ويكمل المالكي "إن الحب الأول غالبا ما ينتهي بهدوء، مثلما بدأ، ولا أحد يعرف السبب متسائلاً أنه قد يكون بروڤة بريئة لقصص حب ستأتي مستقبلاً".

في المقابل، يرى عضو مجلس النواب ظافر العاني، أن الحب الأول "أول مغامرة لصبي في رحاب الحب وفي الغالب لا تكتب الأقدار لهذه العلاقة النجاح فلا يبق منه، إلا الذكريات التي تراود الخيال مخلفة وراءها ابتسامة على الوجه وفرحة في القلب".

 الأم هي الحب الأول     

تشرح الروائية والأستاذة الجامعية رغد السهيل إن الحب الأول "هو حب الأم التي نحبها بالفطرة وكل حب بعدها يظل ناقصاً فأي حب يتطلب التوازن في الأخذ والعطاء إلا حب أم تحب ولدها وتخلص له من دون انتظار فهذا حب لا ينال منه الدهر ولا الفراق".

الحب يحارب الكراهية

تتعارض الكراهية مع الحب، ولا نميز فيها أنواعاً مختلفة مثل الحب فهي وجه واحد تفصلنا عن حالة البهجة والسلام، وبحسب الاختصاصية النفسية فرح النجار الحب لا يزال يشكل قوة فعالة في وجه التعصب والكراهية.

 وتوضح أن أسباب تفشي الكراهية "يعود إلى طبيعة تكوين دماغ الإنسان. إذ إنه بطبيعته متحيز فكرياً لكل ما هو سلبي في محيطه. فقد نشهد مواقف عدة تعزز ثقتنا بالطبيعة البشرية التي أساسها الحب والتكاتف، ولكن بمجرد أن نسمع خبراً أو تعليقاً سلبياً نفقد الأمل بمستقبل أفضل ونتوقف عن السعي لأجل ما نريده بسبب الإحباط".

لا بديل للإنسانية

في سياق متصل، يوضح باسم قهار أن قوة الحب تعادل قوة الحياة والبقاء، وأنه "على الرغم من التوحش وانتعاش الكراهية والنزوع الاستهلاكي والعزلة التي خلقتها وسائل الاتصال الحديثة، كل هذا لن يتمكن من إفراغ الحياة من الحب" فالبشرية تهزم عندما تفشل في الاستمرار في الحب".  

أما حامد المالكي فيرى أن مشاعر الحب هي وحدها من تجعل الحياة قابلة للعيش. ويضيف "لقد جربنا في العراق الكراهية التي فجرت حرباً أهلية طائفية وزعت الدماء في الشوارع وعلى كل الطوائف. يوضح المالكي أن أيمانه بالحب ترجمها في مسلسه الأخير (الفندق) وعلى لسان بطله عندما وجه رسالته إلى الشباب "أن أحبّوا بعضكم" فالحب وحده يحيي الإنسان. يرى المالكي أن الأمل في الشباب كبير، لعلهم يزرعون الحب ليحصدوا السلام.   

الحب يسير في طريق صعب

ويشير وحيد غانم الى أنه قد لا يكون للحب دور اجتماعي واضح في درء الكراهيات أو التمزقات العميقة "فذاكرة العداوات والبغضاء والتعصّبات طويلة الأمد ولزجة إلى حد أنها تتخطى مسبباتها الأولى أو تعيد اختلاقها" لكنه مع ذلك يعلق الأمل على مبادرات شخصية نابعة من الحبّ تترك أثراً يدوم طويلاً.

وتوضح المترجمة والروائية ميادة خليل أن الحب سيبقى قوة فاعلة ومغيّرة، بل إنه المصلح الوحيد في وجودنا وهو الحل الوحيد والفعّال لكل هذا الخراب. خليل توضح أن مشاعر الحب يجب أن تنبع من دواخلنا "فهي لا تأتي من الخارج بل يجب أن تكون فينا أولاً". وأن نقيض الحب هو الخوف لا الكراهية فهي ترى أن الخوف يقتل الحب.

وتقول "إن الكراهية مشاعر وقتية لن يكون لها وجود إذا ما حضر الحب النقي الذي لا يلوثه الطمع والجسد". وتستشهد خليل بالكاتب الهندي كريشنامورتي الذي عول على أن خلاص الإنسان يكون في الحب، ولن يصل إليه إلا بالتحرر التام من الخوف ومن التأثير الخارجي من العادات والتقاليد التي تربينا عليها.

أمام هذا الموج المتلاطم من الكراهية، يبقى الحب فعلاً إيجابياً نبحث فيه عن ملاذ آمن يمدنا بالطمأنينة والثقة والشعور بأننا لا نواجه العالم بمفردنا.

المزيد من منوعات