Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تكنولوجيا التحليل النفسي والعصبي تهدد استطلاعات الرأي الأميركية

فشلت في التنبؤ بفوز دونالد ترمب بالرئاسة عام 2016

فشلت استطلاعات الرأي في التنبؤ بالفائز بالانتخابات التمهيدية للمرشحين الديمقراطيين في ولاية أيوا (غيتي)

مع تزايد حُمى المعارك الانتخابية في الولايات المتحدة هذا العام، بسبب اقتراب موعد الانتخابات العامة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، تتصاعد وتيرة استطلاعات الرأي العام عن حظوظ المرشحين للانتخابات الرئاسية والتشريعية. لكن استطلاعات الرأي هذا العام تبدو أقل تأثيراً عما كانت عليه في الماضي، بسبب فشلها في التنبؤ بفوز دونالد ترمب بالرئاسة عام 2016، وتكرار أخطائها خلال الانتخابات التمهيدية للمرشحين الديمقراطيين في ولاية أيوا التي أجريت قبل أيام.

ولهذا، بدأ الاهتمام يتحول تدريجاً باتجاه استخدامات تكنولوجيا التحليل النفسي والعصبي للناخبين المحتملين، بعدما اتضح أنها أكثر دقة وصدقية مقارنة باستطلاعات الرأي. كما أن استخداماتها تتسع في كثير من المجالات الأخرى، مثل بحوث التسويق ومكافحة الإرهاب.

نقطة البداية

شركة "سبارك نيورو" في نيويورك، تستخدم موجات العقل والإشارات النفسية والعصبية في الولوج إلى منطقة اللاشعور وقياس اتجاهات الأشخاص حيال قضية ما، عبر برمجيات ولوغاريتمات معقدة. وفي عام 2016، استأجرت مجموعة "كاتزا" الإعلامية، شركة "سبارك نيورو" لدراسة مجموعة من الناخبين في ولايتي فلوريدا وبنسلفانيا، التي لم تحسم قرارها بشأن الجهة التي ستصوت لصالحها في الانتخابات الرئاسية.

وعبر ستازي شولمان، مدير التسويق في "كاتزا"، عن اعتقاده بأن المشاعر الخاصة باللاوعي تختفي خلف القرارات الشعورية، لكنها مهمة جداً في عالم السياسة، لأنها تحدد كيف يستجيب عقل وجسم الإنسان للمؤثر، قبل أن يعبر عن موقفه أو شعوره. بالتالي، يمكن قياس مشاعر الجماهير خلال مشاركتهم أو مشاهدتهم مناظرات انتخابية للمرشحين، أو في أثناء تعرضهم لحملاتهم الإعلانية، ما يعد أمراً حاسماً، لأن الناخبين يختارون مرشحهم المفضل استناداً إلى ما يشعرون به.

كشف الحقيقة

وخلال هذه الدراسة، أجرت شركة "سبارك نيورو" اختبارات على عدد من الناخبين المحتملين في هاتين الولايتين المتأرجحتين، قبل موعد الانتخابات الرئاسية بأسبوعين فقط، لقياس مشاعرهم ومدى تركيزهم وانتباههم خلال مشاهدتهم مواد إعلامية مختلفة، وتحليل النتائج عبر نظام لوغاريتمات يقرأ مباشرة ما في عقولهم.

ووفقاً لسبنسر غيرول، المدير التنفيذي لشركة "سبارك نيورو"، فإن هذه الدراسة كشفت أن أعداداً من الناخبين المحتملين الذين لم يحسموا أمرهم، كانت مشاعرهم بالفعل مؤيدة للمرشح ترمب؟ لكن كثيرين آخرين كانوا محرجين أو غير مرتاحين في التعبير علناً عن هذه المشاعر المؤيدة لترمب. وهذا يعني أن فرص فوز هيلاري، واقعياً، كانت أقل مما كان متوقعاً في استطلاعات الرأي. 

وعلى الرغم من أن زبائن "سبارك نيورو"، هم شركات تجارية بالأساس مثل "نايكي" وشركات أفلام سينمائية تختبر ردود فعل المشاهدين على مقاطع ترويجية لأفلامها، إلا أن الشركة اهتمت أكثر في دراساتها بالعملية السياسية. إذ أجرت بحثاً آخر الصيف الماضي على مجموعة من الناخبين الديمقراطيين المحتملين، حيث كشفت النتائج مجدداً صورة تختلف عما تقوله استطلاعات الرأي. إذ أشارت الدراسة إلى أن المرشحين إليزابيث وارن وبيت بوتيجيج، اللذين كانا في المرتبة الثالثة والسادسة بحسب استطلاعات الرأي، نالا اهتماماً كبيراً من العينة البحثية. وهو ما انعكس واقعياً على نتائج ولاية أيوا، حيث تصدر بوتيجيج قائمة المتنافسين وحلت وارن ثالثة، على الرغم من أن استطلاعات الرأي كانت تشير إلى أن جو بايدن، نائب الرئيس السابق، هو من سيتصدر النتائج.

سباق وتطور

ولا يعد قياس مشاعر ومعتقدات المستهلكين واستجاباتهم العفوية والنفسية تجاه إعلان ما، أمراً جديداً. إذ إن العلوم النفسية التي تتعامل مع النظام العصبي للدماغ تستخدم في مجال التسويق منذ عشر سنوات. وتعد شركة "نيلسون" للمفاهيم الإعلامية إحدى الشركات الرائدة في هذا المجال، التي خصصت قسماً داخلها للتسويق النفسي والعصبي. كما طورت شركة "غوغل" نظاماً خاصاً بالتحليل العاطفي للمعلنين أو ما يسمى بتحليل المشاعر. أما شركة "ريل آيز"، فقد تمكنت من تسخير الذكاء الصناعي لقراءة العواطف والمشاعر عبر كاميرات الإنترنت، بينما تقول شركة "أفكتيفا" إنها تستطيع أن تقدم تحليلاً معمقاً للأشخاص من خلال قياس مشاعر المستهلكين حيال أصناف أو أنواع محددة من المنتجات، باستخدام تقنية ترميز وتشفير قسمات الوجه.

غير أن هذه الشركات، بدأت أخيراً التنافس على كعكة الانتخابات والقضايا السياسية، بعدما اكتسبت ثقة أكبر مقارنة باستطلاعات الرأي التي أظهرت دراسات حديثة أن 52 في المئة من الناخبين المسجلين في الولايات المتحدة يشككون في نتائجها، بينما قال 29 في المئة إنهم لا يصدقونها باستثناء عدد قليل منها، في حين أن 19 في المئة أكدوا أنهم لا يصدقونها بالمرة.

لماذا اهتزت صدقية استطلاعات الرأي؟

تُشكل استطلاعات الرأي التقليدية جزءاً صغيراً من صناعة بحوث الرأي العام في الولايات المتحدة، التي تصل تكلفتها إلى 3 مليارات دولار سنوياً، لكنها تبدو متباينة وغير موثوق بها بسبب مخالفتها للنتائج الواقعية في أكثر من عملية انتخابية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعود سبب ذلك، وفق خبراء الرأي العام، إلى أن المستطلعة آراؤهم يميلون إلى قول ما يعتقدون أن الناس يفضلون سماعه، وهو ما يُسمى علمياً باسم "جاذبية الانحياز الاجتماعي"، أي الرغبة الفطرية لدى الإنسان في أن يكون كلامه محبوباً أو مقبولاً من الآخرين.

وقد يعبر الناس عن آراء معينة، لأنهم يتأثرون بفكر المجموعة، أو أنهم يفضلون الصمت لعدم رغبتهم في أن يحكم المجتمع على آرائهم وأفكارهم، الأمر الذي يسبب مشكلة في الأمور السياسية عندما تتكشف أخطاء استطلاعات الرأي وكذلك أخطاء القرارات المتعلقة بالحملات الانتخابية.

ولهذا، فإن الدراسات النفسية والعصبية للناخبين أصبحت أكثر دقة وموثوقية، لأنه لا يمكن التأثير عليها بفعل عوامل خارجية.

كيف تجري الاختبارات؟

بعد اختيار عينة ضمن مجموعة معينة تعرض عليها مادة مناظرات انتخابية أو دعاية انتخابية للمرشحين، ثم تُثبت على رؤوسهم أغطية بلاستيكية تتصل بأقطاب كهربائية حساسة مهمتها نقل الإشارات، التي يصدرها الدماغ كل أربعة أجزاء من الألف من الثانية، لترسم خطاً لكل شخص مشارك في العينة البحثية. وهو ما سيسمح بقياس كثافة رد فعل المشارك، حيث يتشارك البشر في كيفية معالجة المعلومات، لكنهم يختلفون في الدرجة والقوة.

ويقيس الباحثون أيضاً معدل ضربات القلب عبر جهاز يثبت في الأذن اليسرى لقياس التغيرات التي تحدث في الدورة الدموية. كما يثبت الباحثون جهازاً آخر على إصبعين في اليد، لقياس معدل التعرق في جسم الإنسان بالطريقة نفسها المتبعة مع جهاز كشف الكذب. وكلما زاد معدل التعرق، كان ذلك دليلاً على مزيد من الإثارة والاهتمام.

ويُثبت على وحدة الكومبيوتر، التي تعرض عبرها المادة الإعلامية، جهاز لتعقب حركة العين الفورية، بينما تراقب الكاميرا التغييرات غير الملحوظة على قسمات الوجه.

وعبر جمع كل البيانات وتحليلها من خلال برمجيات ولوغاريتمات معقدة، يمكن قياس النشاط العقلي والعصبي الأساسي والهامشي، ما يوفر فهماً متعمقاً حول طبيعة مشاعر الناس. فأحياناً تكون هناك فرحة واضحة أو غضب واضح، وقد يثير مرشحاً سياسياً عبر استراتيجيته الخوف تجاه مرشح آخر لتخويف الناس، مثل الحديث عن الحرب وعواقبها أو عن الإرهاب أو الغضب في ما يخص التغير المناخي.

مواطن الإفادة

تقول كيمبرلي روز كلارك، المديرة التنفيذية لشركة "بيل ويثر" لقياس استجابات المواطن، إن هذا النظام يسمح بتحديد إطار الرسائل، بحيث يتردد صداها في ما بعد، وتحدُث الأثر المطلوب.

وتُعنى شركة "بيل ويثر" بتسهيل إحداث تغيير إيجابي بين الناس، وهي تستخدم تقنيات التعرف إلى الوجه، مع قياس التغيرات العصبية والكهربائية على الجلد ومعدل خفقان القلب.

مخاوف التلاعب

وليس من الغريب تخيل حملات تستخدم أدوات التسويق النفسي لإحداث تأثير في الناس، من خلال جعل الناخبين فريسة طريقة شركة "أناليتكا كامبريدج" نفسها، ليس فقط عبر وسائل جمع المعلومات، لكن عبر الرسائل الممتلئة بالعواطف والمشاعر التي تثير غريزة الخوف.

ولهذا تتردد الحملات الانتخابية في الاعتراف بأنها تستخدم أساليب التأثير النفسي والعصبي عند اختيار وتحديد رسائلها للجمهور، لأن الناخبين سوف يشعرون بأن هناك من يتلاعب بهم.

مفيدة في مكافحة الإرهاب

تشير صحيفة "نيويوركر" إلى أهمية عقد نقاشات بين المجتمع الأكاديمي والعاملين في هذه التكنولوجيا لتحديد مستقبل هذه الصناعة وتأثيراتها، خصوصاً في قضايا مثل الحد من التسلح والتغير المناخي من أجل المساعدة في جعل إعلاناتها أكثر فعالية.

وتعمل شركة "سبارك نيورو" حالياً مع وزارة الدفاع الأميركية من أجل فهم وإدراك مقدار الجاذبية المتضمنة في المواد والرسائل الإعلامية للتنظيمات المتطرفة بهدف تجنيد الإرهابيين. والهدف من ذلك هو صوغ رسائل دعائية قوية لمواجهة رسائل الإرهابيين.

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات