Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صفقة التجارة بين بريطانيا وأوروبا رهن الثقة بجونسون

تعهد رئيس الوزراء البريطاني عدم خفض أسعار السلع لكسب المنافسة لكن بروكسل تشترط ضمانات تجارية موثوقة وإلا...

بعد وعود انتخابية بإبرام اتفاق تجارة مع أوروبا بعد بريكست، بدا بوريس جونسون غير مبالٍ بتحقيق تلك الوعود (أ.ف.ب.)

لم تدم طويلاً اللهجة التصالحية التي اعتمدها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون حيال الاتّحاد الأوروبي، التي تزامنت مع المغادرة الرسمية للمملكة المتّحدة للكتلة. دامت ثلاثة أيام، كي أكون دقيقاً. فقبل أيام قليلة، أظهر جونسون حزماً في خطابه الذي حدّد فيه أهداف المملكة المتّحدة من التوصّل إلى اتفاق تجاري بين بريطانيا والاتّحاد الأوروبي.

وعلى الرغم من الوعد الذي أطلقه خلال الانتخابات، "غابت كليّاً" عن الخطاب فرصة إبرام صفقة تجارية بحلول ديسمبر (كانون الأول) من هذه السنة، إذ صرح جونسون إن بريطانيا ستزدهر سواء مع اتفاق [تجاري أوروبي] من هذا النوع أو من دونه.

وقبل حديث رئيس الوزراء في غرينتش مستحضراً ذكرياتٍ عن سيطرة المملكة المتّحدة على أمواج البحر والتجارة العالمية، حدّد ميشيل بارنييه كبير المفاوضين في الاتّحاد الأوروبي مطالب بروكسل. واعتبر أنه من الأهمية بمكان أن توقّع المملكة المتّحدة على قواعد الاتّحاد الأوروبي في مقابل اتفاق "يلغي كلياً التعرفات الجمركية ومبدأ الحصص".

ليس من المستغرب أن يرفع الطرفان النبرة ويتحدث كلّ منهما من منطلق قوّة قبل بدء المحادثات الرسمية مطلع الشهر المقبل. ولِمَ يعلنا أن خطوطهما الحمر العميقة هي في الحقيقة وردية شاحبة، أليس كذلك؟

وعلى الرغم من الموعد النهائي الصعب الذي ضربه بوريس جونسون في الحادي والثلاثين من ديسمبر (كانون الأول)، يتوقّع المسؤولون على جانبي القناة أن تستمر لعبة اللامساومة حتى يونيو (حزيران) المقبل. ثم لا بدّ أن يضمن ضغط الوقت في يوليو (تموز) إجراء مفاوضات جادّة تحلّ مكان السيوف المشهورة والتهديدات المتبادلة.

أدرج جونسون ووزراؤه مصطلحاً جديداً في معجم الخروج البريطاني من الاتّحاد الأوروبي. وباتوا يتحدّثون عن اتفاق شبيه بالاتفاق بين الاتّحاد الأوروبي وأستراليا. في المقابل، يبدو هذا الطرح مضلّلاً لأنه لا توجد صفقة تجارة حرّة من هذا القبيل. إنه تعبير ملطّف للتداول ضمن شروط "منظّمة التجارة العالمية". لكن، لو اعترف رئيس الوزراء البريطاني بذلك، لكانت وسائل الإعلام ستطلق فوراً عليها وصف "لا صفقة"، لأنها تصبّ بدقّة في عناوينها الرئيسة، وستصبح احتمالاً أكثر إثارة لرعب الجمهور وقطاع الأعمال.

وفي وقت ماضٍ، أبلغ بوريس جونسون الاتّحاد الأوروبي أنه يريد اتفاق تجارةٍ حرّة على الطراز الكندي، لكنه لن يتقبّل طلب الاتّحاد من المملكة المتّحدة التمسك بقواعده المتعلقة بالمساعدات الحكومية والعمل والضرائب والبيئة. تمثّلت الرسالة الحقيقية لجونسون في أنه سيفعل الأشياء بطريقة مختلفة تماماً عن رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، وستُصاب بروكسل بصدمة إذا اعتقدت أنه سيكرّر أخطاءها. ووفق أحد مساعديه، "لن نُدفَع في ذلك الاتّجاه".

ويتّهم الوزراء البريطانيّون الاتّحاد الأوروبي بتغيير قواعد اللعبة ومعالمها. إذ ثمة إصرار على أن التوافق التنظيمي يجب أن يكون شبيهاً بالعلاقة بين الاتّحاد والنرويج (داخل السوق الموحّدة) لكن ليس صفقة أكثر مرونةً على غرار تلك المطبّقة مع كندا. في المقابل، يتوجب على رئيس الوزراء ألا يُحدث مفاجأة، فلطالما بدا الاتّحاد الأوروبي واضحاً في شأن رغبته في خوض "لعبة متكافئة". ولنتذكر أن المملكة المتّحدة أقرب جغرافياً واقتصادياً إلى الاتّحاد الأوروبي منها إلى كندا. وكما أخبرني أحد المسؤولين الأوروبيّين، "نحن مثل توأمين، لكن كندا بعيدة نسيباً".

ويعتقد الوزراء البريطانيّون أن الكلام القاسي سيفعل فعله بشكل جيّد بين الناخبين "المحافظين" الجدد في شمال البلاد ووسطها. لكن إذا لم يكن هناك اتّفاق مع الاتّحاد الأوروبي، فستؤدي الرسوم الجمركية على شركات التصنيع الخاصّة بهم، دوراً أقلّ بالنسبة إلى مصلحتهم، وستكلفهم فقدان وظائف. ومع ذلك، ذكر جونسون إن "الخيار الأسترالي سيُطبّق على الأرجح في حال عدم نجاحنا في التوصّل إلى اتّفاق مع أصدقائنا وشركائنا التاريخيّين في القارّة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتحدّث رئيس الوزراء صراحة عن أن المملكة المتّحدة لن تجبَر على الانصياع إلى إصرار الاتّحاد الأوروبي على اتّباع قواعده التي غالباً ما تكون الأكثر صرامة. وقد وعد أيضاً عدم تقويض معايير الاتّحاد الأوروبي، إلا أنه لم يشرح في الحقيقة السبب في عدم تمكّنه من كتابة ذلك في نصّ اتفاقٍ تجاري. ويريد أن يُظهر للناخبين أن المملكة المتّحدة "تستعيد السيطرة" وتضمن لنفسها حرية الخروج عن قواعد الاتّحاد الأوروبي مع مرور الوقت، ولا سيما في ما يتعلّق بصناعات المستقبل مثل الذكاء الاصطناعي. وفي الممارسة العملية، ربما تتمسّك بريطانيا بالغالبية العظمى من لوائح الاتّحاد الأوروبي لسنوات مقبلة عدّة. وعلى الرغم من حضّ جونسون عاصمة الاتّحاد على ضرورة "تصديقي بأنه لن يكون هناك سباق على خفض الأسعار بقصد المنافسة"، فإن الاتّحاد الأوروبي يجب أن يتوقّع الأسوأ إذا لم تُدرج الضمانات في صلب المعاهدة.

في المقابل، ثمة في الواقع طريقة لتربيع هذه الدائرة، تتمثّل في التوصّل إلى اتفاق تجاري مرن، مع نظام تحكيم لفضّ النزاعات، وتحديد التوازن بين الوصول إلى الأسواق البريطانية وقوانين الاتّحاد الأوروبي. في الوقت الراهن، هناك خلاف على مسألة حلّ المنازعات. إذ يلمح الاتّحاد الأوروبي إلى دور "محكمة العدل الأوروبية"، لكن جونسون رفض مقاربة المسألة "من قريب ومن بعيد". ومن المحتمل أن يتمثّل الحل الوسط في تأليف لجنة من ثلاثة قضاة من الاتّحاد الأوروبي وثلاثة آخرين من بريطانيا.

إذاً، أظهرت اللقطات الافتتاحية للمشهد أن معركة كبرى ستحدث بين الجانبين على مصايد الأسماك. ويريد كبير المفاوضين الأوروبيّين التوصّل إلى اتّفاق بحلول يوليو (تموز) يسمح لدول الاتّحاد الأوروبي بوصول مستمر إلى مياه المملكة المتّحدة من أجل الصيد. في المقابل، شدد جونسون على أن تلك المياه ستكون "أولاً وقبل كلّ شيء، للقوارب البريطانية". ومن المرجّح أنه يميل جونسون إلى إرهاق الاتّحاد الأوروبي في هذه المسألة حتى وقت لاحق من السنة الجارية. وعلى الرغم من أن الوزراء البريطانيّين ينكرون وجود مقايضة بين السماح بالوصول إلى المياه البريطانية لصيد الأسماك من جهة، وانخراط الاتّحاد الأوروبي في قطاع الخدمات المالية في المملكة المتّحدة من جهة اخرى، إلا أنه يبدو أن موضوع صيد الأسماك سيكون ورقة مساومة.

تذكيراً، من المعلوم أن قطاع صيد الأسماك يشكّل حوالى 0.1% من اقتصاد المملكة المتّحدة، في حين أن الخدمات المالية تمثّل 7%. في المقابل، أظهر خطاب جونسون أن السياسة ستكون ورقة رابحة في بعض الأحيان أكثر من الاقتصاد، مع توجّه بريطانيا بخطى حثيثة نحو أداء دور جديد في العالم.

© The Independent

المزيد من آراء