أعلن الرئيس السوداني عمر البشير حال الطوارئ في كل أنحاء البلاد، وحلَّ الحكومة على المستوى الاتحادي وحكومات الولايات. وبعد ساعات أعلنت الرئاسة السودانية في بيان أن البشير عين حكومة تصريف أعمال (وليس رئيس وزراء جديد) وأبقى على وزراء الدفاع والخارجية والعدالة.
ودعا البشير، في خطاب توجّه به إلى الأمة وبثّه التلفزيون السوداني الجمعة 22 فبراير (شباط) 2019، البرلمان إلى تأجيل تعديلات دستورية كانت ستمكنه من السعي لولاية جديدة في انتخابات الرئاسة عام 2020.
وإذ اعتبر أن السودان " يجتاز مرحلة صعبة ودقيقة من تاريخه الوطني"، قال الرئيس إن البعض حاول القفز على المطالب وقيادة البلاد إلى مصير مجهول.
وحث "قوى المعارضة التي لا تزال خارج الوفاق الوطني على الانخراط في الحوار"، مشدداً على "رفض لغة الاقصاء"، و"العمل على حلول تحفظ أمن البلاد واستقرارها."
ورأى أن "نظام الحكم اللامركزي هو الأفضل لقيادة بلاد متنوعة ومتعددة مثل السودان"، مشيراً إلى "أهمية الحوار من منطق لا غالب ولا مغلوب".
وجاءت كلمة البشير بعيد انتهاء اجتماعه مع المكتب القيادي للحزب الحاكم.
وفيما تؤكد مصادر حزب المؤتمر الوطني الحاكم أن الهدف من حال الطوارئ هو توفير بيئة مناسبة للانتخابات في العام 2020 وأن تحقيق ذلك يحتاج إلى أن يكون الرئيس البشير قويّاً، ترى قوى سياسية سودانية أن الإجراء هروب إلى الأمام وتأجيل للحل ويضع السودان أمام المجهول، لاسيما أمنياً واقتصاديّاً.
تظاهرات ورفض الوعود
بعد ساعة من خطاب البشير خرجت تظاهرات في العديد من الأحياء في العاصمة الخرطوم، مطالبة بالتنحي. وجدد المتظاهرون رفض قراراته. وتدخلت الشرطة بالغاز المسيل للدموع لتفريق تظاهرات في منطقة بري شرق العاصمة وفي أحياء عدة في أم درمان حيث أغلق المحتجون طريق النيل واحرقوا اطارات السيارات ورددوا شعارات مناهضة للحكومة منها "تسقط بس" ولا حوار... ثورة حتى النصر".
ورد تجمع المهنيين السودانيين المعارض، في سلسلة تغريدات على حسابه في تويتر، بأن "مواقف البشير الجديدة أحد ردود فعل النظام على الثورة التي هزت عرش النظام وأقضت مضجعه".
أضاف التجمع "إننا نؤكد أن أي محاولة للالتفاف على مطالب الشعب السوداني لن تجد منا سوى مزيد من الفعل الثوري السلمي في الشوارع. مطالب هذه الثورة واضحة ولا يمكن القفز عليها".
وجدد التجمع المعارض مطالبته بـ"تنحي النظام ورئيسه، وتفكيك مؤسساته القمعية، وتسليم السلطة إلى حكومة قومية مدنية انتقالية".
واعتبر النائب في البرلمان عن حزب المؤتمر الشعبي المشارك في الحكومة كمال عمر، قرارات البشير محاولة لامتصاص غضب الشارع. وقال لـ"اندبندنت عربية" إنها لن توقف الاحتجاجات الشعبية. وانتقد فرض حال الطوارئ لأنها تحد من الحريات ويمكن أن تُستخدم لقمع المتظاهرين".
اختبار جديد للبشير
رأى المحلل السياسي خالد التجاني أن خطوات البشير الجديدة انتصار للحراك الشعبي المطالب بالتغيير وإن حقق بعض مطالب المتظاهرين. وقال إن الحكومة كثيراً ما وعدت بالاصلاح في مرات سابقة، لكنها لم تف بتعهداتها. تابع "البشير في اختبار جديد لصدقية حكومته".
وأشار إلى أن "اتجاه البشير إلى التخلي عن قيادة الحزب الحاكم وتحوله إلى رئيس قومي والوقوف على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية ليس كافياً، لأن غالبية مؤسسات الدولة وأجهزتها صارت تلبس جلباب الحزب الحاكم، وتغيير ذلك يحتاج إلى إرادة سياسية وتكفيك الدولة العميقة التي تتحكم في مصير البلاد".
زيادات الأسعار ونقص السيولة
يواجه البشير أكبر احتجاجات شعبية منذ وصوله إلى السلطة قبل 30 عاماً. وبدأت التظاهرات في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018، احتجاجاً على رفع الحكومة زيادات الأسعار ونقص السيولة (سعر الرغيف ثلاثة أضعاف). وسرعان ما تحوّلت إلى احتجاجات تخللتها مواجهات دامية ضد نظام البشير.
ويهتف المتظاهرون "حرية سلام عدالة"، وغالباً ما تتصدّى لهم القوى الأمنية. وقد تم توقيف العديد من المتظاهرين والناشطين والمعارضين.
وقبل أسبوعين من اندلاع الاحتجاجات، دعمت أغلبية من نواب البرلمان تعديلات دستورية مقترحة تسمح للبشير بالسعي إلى ولاية جديدة. لكن اللجنة البرلمانية المكلفة بتعديل الدستور أعلنت أنها ستؤجل إلى أجل غير مسمى اجتماعاً بشأن صوغ هذه التعديلات.
وتقول السلطات إن 31 شخصاً قتلوا منذ 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018، في حين تتحدث منظمة "هيومن رايتس ووتش" عن 51 قتيلاً بينهم أطفال وأفراد في طواقم طبية.
وليست المرة الأولى التي يشهد فيها السودان تظاهرات ضد البشير (75 عاماً). فقد حصلت تحرّكات احتجاجية ضدّه في سبتمبر (أيلول) 2013 وفي يناير (كانون الثاني) 2017، لكن محللين يؤكدون أن التظاهرات الأخيرة تشكّل أخطر تحدٍّ يواجه الرئيس السوداني.
وصل البشير بعد انقلاب عسكري
وصل البشير، وهو ضابط سابق في الجيش، إلى السلطة عام 1989 بعد انقلاب عسكري. وعلى الرغم من اتّهام المحكمة الجنائية الدولية له والتحديات الداخلية الكثيرة التي تواجهه، تمكّن الرئيس السوداني من البقاء في الحكم.
ومنذ إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف بحقّه في 2009 و2010 لاتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور في غرب السودان، أعيد انتخاب البشير مرّتين رئيساً للسودان في انتخابات قاطعتها المعارضة.
وانتخب البشير لولاية رئاسية خامسة في نيسان/أبريل 2015، بعد أن حصل على 94 في المئة من أصوات الناخبين.
ومنذ صدور المذكرتين بحقّه، قام البشير بزيارات خارجية عدة إلى دول إقليمية، كما زار روسيا.
وقبل أيام من بدء الاحتجاجات، التقى في دمشق نظيره السوري بشار الأسد في أول زيارة لرئيس عربي إلى سوريا منذ اندلاع النزاع فيها في 2011.
واستضاف البشير في العام 2018 مفاوضات بين الزعيمين الخصمين في جنوب السودان، الرئيس سلفا كير ونائبه (السابق) رياك مشار، توصلت إلى اتفاق لإنهاء الحرب في هذه الدولة.
واستقل جنوب السودان في 2011 بعدما فاجأ البشير أشد منتقديه بتوقيعه اتفاق سلام أنهى نزاعاً كان قائماً بين الشمال والجنوب من أكثر من عقدين.