Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما قبل "صفقة القرن"... وما بعد الرفض والغضب

بداية المواجهة لخطة ترمب تغيير المعادلة بالسياسة وعلى الأرض

الرفض الفلسطيني سبق إعلان خطة ترمب التي نسفت مرجعية الشرعية الدولية (رويترز)

لا صوت يعلو على صوت الغضب والرفض لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب المسماة "صفقة القرن". ولا شيء يقلل من خطورة الخطة وأبعادها الإستراتيجية أكثر من التبسيط التقليدي في التركيز على وضعها في إطار الخدمة التكتيكية لترمب ونتنياهو في المعركة الانتخابية لكل منهما. لكن الأهم من الغضب والرفض ترجمتهما إلى إستراتيجية وطنية في مناخ قومي وسياسة عملية للمواجهة بكل الوسائل.

فالرفض الفلسطيني سبق إعلان الخطة التي نسفت مرجعية الشرعية الدولية وقراراتها، وتجاوزت دور الوسيط أو السمسار الذي مارسته الإدارات الأميركية في عملية السلام منذ الرئيس كارتر. إذ تجنبت تقديم مشروع أميركي مكتفية بلعبة "التسهيل وتجسير المواقف" في المفاوضات. والتنفيذ الأميركي لبعض بنودها سبق الإعلان عبر خطوات عدة أهمها خطوتان: أولهما الاعتراف بضم إسرائيل للقدس وإعلانها "عاصمة موحدة لدولة إسرائيل" ونقل السفارة الأميركية إليها خلافاً للموقف التقليدي الأميركي والقرارات الدولية. وثانيهما التسليم بضم المستوطنات في الضفقة الغربية إلى إسرائيل بعد تدرج الموقف الأميركي خلال عقود من اعتبار المستوطنات "غير شرعية" إلى اعتبارها "عقبة أمام السلام" والمطالبة من دون تنفيذ، بالتوقف عن إقامة المستوطنات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والتنفيذ الإسرائيلي لما يخص إسرائيل في الخطة بدأ أصلاً في القدس والجولان، ومرشح للاكتمال عبر ضم المستوطنات وأجزاء من الضفة وإعلان السيادة على غور الأردن وشمال البحر الميت. ومختصر اللعبة هو: إسرائيل تغيّر الواقع على الأرض، وأميركا "تشّرع" ذلك عبر رسم الخطة على أساس الأمر الواقع.

ولم يكن ممكناً ولا معقولاً أن تقبل أية قيادة فلسطينية عرض الرئيس الأميركي: دولة فلسطينية منزوعة السيادة على حدودها البرية والبحرية وأجوائها، بلا جيش، وممنوعة من التسلح والتحالف مع أية دولة، وتعترف بيهودية الدولة الإسرائيلية، وتقام على حوالى 60 في المئة من الضفة الغربية التي هي 22 في المئة من فلسطين التاريخية، مع ممر يربطها بقطاع غزة، والتخلي عن حق العودة.

فالرئيس ياسر عرفات، كما يقول الرئيس كلينتون في مذكراته "حياتي" تردد في قبول دولة على كامل الضفة وغزة لأنه كان خائفاً من التخلي عن حق العودة، ومن التسليم بأن الحل هو نهاية المطالب الفلسطينية. والرئيس محمود عباس، كما تروي كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية أيام الرئيس أوباما في مذكراتها "لا شرف أعلى"، "لم يوقع الخريطة التي قدمها إيهود أولمرت لأنه أراد استشارة إخوانه في أمر العرض "كل الضفة باستثناء 9.42 في المئة مقابل تبادل أراض، كوريدور مع غزة، تقسيم القدس، عودة خمسة آلاف لاجئ، وصندوق بمليارات عدة بإشراف النروج لمساعدة اللاجئين الآخرين".

والسؤال هو: على ماذا يستقر الخيار الفلسطيني والموقف العربي؟ وإلى أين من "تغيير الدور الوظيفي للسلطة" عبر إعلان "الدولة تحت الاحتلال"؟ التوجه إلى مجلس الأمن والجمعية العمومية ومحكمة العدل الدولية، والبقاء على خيار التفاوض، ولكن تحت إشراف دولي بدل الأحادية الأميركية؟ العودة إلى المقاومة المسلحة أو أقله المقاومة الشعبية السلمية على طريقة الانتفاضة الأولى؟ العودة إلى الخيار العسكري الكلاسيكي؟

الظاهر، حتى إشعار آخر، أن موقف المنظمات الفلسطينية موحد في الرفض، لكنه ليس موحداً حول وسائل الرفض والمواجهة. وموقف الدول العربية موحد في العنوان العام حول "حل الدولتين"، لكنه ليس موحداً حول القراءة في "صفقة العصر".

والواقع أن الفلسطينيين والعرب جربوا في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي كل شيء: الرفض، الحرب الكلاسيكية، الكفاح المسلح والتفاوض. لكن الخيارات كانت ناقصة. الرفض منذ وعد بلفور وقرار التقسيم إلى اليوم كان من دون خطة عملية. الحروب الكلاسيكية انتهت بتوسيع مساحة الاحتلال الإسرائيلي. الكفاح المسلح لم يكتمل وانتهى بالتوصل إلى "اتفاق أوسلو" بين منظمة التحرير وإسرائيل. والتفاوض كان بلا أوراق قوة، وخصوصاً بعدما أعلن العرب جميعاً في قمة بيروت عام 2002 "إن السلام هو الخيار الإستراتيجي"، وبالتالي التخلي عن الخيار العسكري. وما حدث هو أن أميركا وإسرائيل نجحتا في "تفكيك الصراع" إلى مسارات متعددة. وعرفات أضعف البعد العربي للصراع عبر شعار "القرار الفلسطيني المستقل".

وهكذا انسحبت إسرائيل من سيناء مقابل إخراج مصر من الصراع بموجب معاهدة السلام في كامب ديفيد. وأعطيت منظمة التحرير سلطة على الشعب وجزءاً من الأرض مع وعود بقيت في الهواء. ولم يكن أمام الأردن سوى معاهدة وادي عربة. سوريا لم توقع، لكن إسرائيل ضمت الجولان. وحده لبنان طرد إسرائيل من الجنوب بالمقاومة من دون قيد أو شرط.

ولا حدود لمخاطر "صفقة القرن" التي هي مجرد صفقة بين ترمب ونتنياهو. لكن الوجه الآخر للمخاطر هو عودة قضية فلسطين إلى مقدم المسرح بعدما سحبتها إلى الوراء قضايا وأخطار أخرى. والتحدي الآن ليس فقط ترتيب خطة لمواجهة المخاطر، بل أيضاً فتح فرصة حقيقية لحل الصراع العربي الإسرائيلي.

ففي الستينيات كانت أميركا تحاذر تسليح إسرائيل مباشرة خوفاً من إغضاب العرب وعلى مصالحها وأصدقائها. اليوم صارت تستهين بالعرب. والمعادلة واضحة: كلما ضعف الموقف العربي، ازداد الموقف الأميركي في الانحياز لإسرائيل. وبداية المواجهة الفعلية لخطة ترمب هي تغيير المعادلة بالسياسة وعلى الأرض.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء