المناصب الاقتصادية التي تولاها وزير المالية الليبي الأسبق العجيلي عبد السلام البريني في عهد القذافي، ودخوله في دوائر السياسة أخيراً برئاسة المجلس الأعلى للقبائل الليبية تمنحه رؤية خاصة للصراع الداخلي في بلاده وسُبل الخروج منه.
"اندبندنت عربية" التقت البريني ليجيب عن أسئلة عدة، ويكشف لنا أسباب وقف الليبيين استخراج النفط؟ ومستقبل اتفاق السراج وأردوغان وانعكاساته على الداخل ودول الجوار. وحديث خاص عن مؤتمر برلين وتوصياته، وهل ستطبق على أرض الواقع؟ وماذا عن رؤيته لحل الصراع القائم؟
وقف النفط... ضغط على الأطراف الدولية
في البداية قال العجيلي، "النفطُ لجميع الليبيين، لماذا يذهب جزءٌ من عائداته إلى تركيا؟ لتساعد به في إرسال المرتزقة السوريين إلى ليبيا. الليبيون أخذوا موقفاً، وهو أن نفطَ بلادهم لا يجب أن يُستخرج، والموانئ يجب أن لا تستمر في تصدير النفط إلى الخارج".
وأضاف، "الليبيون يشعرون بأن مثل هذا الإجراء يجعل الدول المُهتمة بنفط بلادهم تأخذ موقفاً لحل الأزمة، المواطنون همهم الأساسي الآن إلغاء الاتفاقية التي وقّعت بين تركيا وحكومة الوفاق. هي عملية ضغط على الأطراف الدولية بالدرجة الأولى".
وتابع رئيس المجلس الأعلى للقبائل الليبية، "إذا كنتم مهتمين بليبيا وشؤونها وشؤونكم الخاصة بالشركات النفطية وغيرها لا بد أن تُلغى هذه الاتفاقية. ما علاقة تركيا بليبيا فيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية؟! أنقرة ليست على الحدود الليبية".
واستكمل "أعتقدُ أن الموضوع معنيّ به مصر، المياه الاقتصادية المصرية الآن بها غاز، وأنقرة مُستاءة من التنمية في القاهرة، علاوة على أن الإخوان المسلمين ومن على شاكلتهم يرغبون في أن تكون ليبيا مصدر تمويل للإخوان على مستوى شمال أفريقيا".
وأضاف، "ليبيا عدد سكانها قليلٌ، ومساحتها الجغرافية شاسعة، ومخزونها النفطي والغازي كبير، ولديها طادرات نفطية ذات أهمية اقتصادية، كل ذلك جعل (الإخوان المسلمين) الموجودين في تركيا يتفاهمون مع رئيسهم أردوغان، وينسّقون أمورهم بعد خروجهم من مصر ليستولوا على البلاد. الإخوان لديهم الآن أرض خصبة في ليبيا، وبدؤوا بقتل الرموز الوطنية، واعتقلوا الآلاف ووضعوهم بالسجون التابعة إلى الميليشيات، وليس سجوناً رسمية".
وواصل العجيلي، "تركيا مع الميليشيات تقاتل الجيش الليبي، والأخير يبعد نحو 10 كيلومترات عن قلب العاصمة طرابلس، وعندما رأت أنقرة أن الأمور وصلت إلى هذا الحد، وهي تقود الإسلاميين، شعرت أنها تضررت، وأن الجيش سيدخل طرابلس، فطلبت منها حكومة الوفاق الدعم والمساعدة، ووقعا الاتفاق".
ولفت إلى أن "حكومة الوفاق استعملت الاتفاقية بشكل رسمي، على الرغم من أنه لا بد من موافقة البرلمان عليها، مسؤولو الوفاق دائماً يقولون إنهم الحكومة الرسمية، والمجتمع الدولي يعترف بالبرلمان الليبي وحكومة الوفاق، فكان لا بد أن تقدّم نفسها أمام البرلمان للحصول على المصادقة".
الجماعات الإسلامية والأموال الليبية
وعن الواقع المعاش داخل ليبيا، قال العجيلي "الظروف مأساوية حيث العوز والفقر، الأموال تذهب إلى جهات لا تخدم ليبيا أو التنمية فيها أو الاقتصاد. وتتسرب وتخرج من البلاد باستمرار، وكثير من الاعتمادات التي فتحت في ليبيا بالمليارات، ولم تأتِ سلع بالمقابل".
وأشار إلى أن "الأموال الليبية ضاعت أو استولت عليها الجماعات الإسلامية المتحكّمة في مفاصل الدولة، وحوّلوا غالبيتها إلى الخارج، واشتروا بها مشروعات استثمارية، فيما يعرف بغسل الأموال".
وتابع رئيس المجلس الأعلى للقبائل الليبية، "الموظفون في الدولة لم يستطيعوا تحصيل رواتبهم، والمصارف تعمل في وضع سيئ للغاية، وليست لديها سيولة، والمواطنون يذهبون إلى المصارف باليوم واليومين والثلاثة أيام حتى يحصّلوا مبلغاً زهيداً لحل جزء من مشكلات حياتهم اليومية".
وواصل "في المقابل السوق الليبية لم تشهد أي تحسّن، الأسعار وصلت إلى مستوى غير عادي، وبالتالي هذا هو السبب الرئيس في أن الأهالي زحفوا على حقول النفط لإيقاف الإنتاج والتصدير".
وعن تأثير ذلك القرار على حكومة الوفاق والمواطن في الوقت ذاته، قال العجيلي، "سيؤثر على المواطن بلا شكّ إذا استمر فترات طويلة، لكن الليبيين وصلوا إلى مرحلة (عليّ وعلى أعدائي)، نحن لم نستفد منها بشيء، حتى مرتباتنا لم نعد نحصّلها والوضع الصحي مزرٍ، والتعليم شبه متوقف".
مؤتمر برلين ومصالح الاتحاد الأوروبي
وحول مؤتمر برلين ومخرجات الأزمة، قال البريني "المناقشات حول الصراع في ليبيا كثيرة. برلين سبقه مؤتمرات في جنيف وباليرمو وتونس ومصر والمغرب، وكلها كانت برعاية الاتحاد الأوروبي، ولم تكن برعاية الجامعة العربية أو الاتحاد الأفريقي، وليبيا ليس عضواً في الاتحاد الأوروبي، بل في الأفريقي والجامعة العربية، وبالتالي مثل هذه الاجتماعات في الغالب كانت تدور بين طرفين يتقاتلان فيما بينهما، وهما مخرجات فبراير (شباط)، الصراع موجود على البنك المركزي ومؤسسة النفط والأموال الليبية بشكل عام. المجتمعون ليس همهم استقرار ليبيا وتنميتها وأمنها والقضاء على تمزّق النسيج الاجتماعي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف، "برلين مثله مثل أي مؤتمر ما لم يكن الدول الخمسة الأعضاء في مجلس الأمن متفاهمين على رؤية واضحة تجعل الليبيين يبنون دولتهم من جديد ويساعدون على بنائها".
وتابع رئيس المجلس الأعلى للقبائل الليبية، "لن تكون هناك مؤتمرات ناجحة، ما دامت بها مصالح لدول الاتحاد الأوروبي بشكل عام، البلد لن يستقر، وما دامت الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن لا يستطيعون أن يقولوا لتركيا يجب أن توقفي تصدير السلاح لليبيا، وجلب المرتزقة. التدخل سافر من الدول الغربية وتركيا وقطر، والمؤتمر ليس لديه القدرة والقوة التي تجعله يحسم هذا الأمر".
واستكمل العجيلي، "المجتمع الدولي يرى أن الحل في أن تستمر الفوضى، والأوروبيون منقسمون على أنفسهم، فرنسا لديها شركة كبيرة ضخمة (توتال)، وجزء من الاقتصاد الفرنسي يقوم عليها، وإيطاليا تمتلك شركة (إيني) وهي من الشركات الكبرى، وأكثر من 30% من الاقتصاد الإيطالي معتمد عليها، والإنجليز نفس الشيء لديهم الشركات النفطية، وبالنسبة لأميركا فأغلب الشركات أميركية، وبالتالي مصالحهم الخاصة انعكست على المشكلة الليبية".
وتابع "أصبح بينهم صراع مَنْ يحكم ليبيا؟ والصراع استمر أكثر من ست أو سبع سنوات، حتى جاء اجتماع باليرمو في إيطاليا، فحاولوا الجمع بين الطرفين المتناقضين: الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر وحكومة الوفاق بقيادة فايز السراج، وبالتالي لم يحدث اتفاق، واستمرت المشكلة".
من هنا يبدأ الحل
وعن رؤيته لحل الأزمة، قال العجيلي، "لا بد للأمم المتحدة أن يكون لديها القدرة على جمع الأطراف المتصارعة سواء على السلطة أو المال، وهنا لا أتحدث عن الميليشيات، لا بد من حل الميليشيات وجمع السلاح بقوة الأمم المتحدة، وإجراء مصالحة وطنية ليبية، وأهم شيء إخراج المعتقلين الذين لا يزالون في السجون".
وواصل، "المعتقلون يمثلون قبائل كبيرة، وهؤلاء عند خروجهم هم من يتبنون عملية المصالحة باعتبار أنهم تعرّضوا للحرية والعذاب والسجون، وأعتقد أنهم إذا قادوا المصالحة سيكون لهم تأثير إيجابي فوراً".
وتابع رئيس المجلس الأعلى للقبائل الليبية، "الشيء الآخر للحل هو ضرورة تكوين حكومة وطنية واحدة. الآن يوجد حكومتان وبنكان مركزيان، يوجد انقسام سياسي واضح، وانقسام مالي واجتماعي، وتحاول الحكومة رأب الصدع، وتوحيد المؤسسات بالدرجة الأولى والعمل التصالحي الذي سيكون في غاية الأهمية، وتحت إشراف الأمم المتحدة إذا كانت جادة".
حلف الناتو وبداية المشكلة الليبية
وأوضح العجيلي، أن "المشكلة المتأزمة بدأت منذ فبراير (شباط) 2011، حينما جرى غزو ليبيا، ومن ثمّ تفككت الدولة، وأنهيت جميع المؤسسات الليبية، خصوصاً الجيش والشرطة والقضاء، هذه الأمور ساعدت الإخوان المسلمين ومن على فلكهم من الجماعة المقاتلة والقاعدة وغيرها من الحركات الإسلامية المتطرفة على استغلال الظرف".
وأضاف، "الغرب مع الأسف سلّم لتلك الجماعات البلد، وكان أولى بحلف الناتو ومن شاركه في غزو ليبيا، بعد سقوط الدولة أن ينتقي مجموعة معينة من الكوادر الليبية ويسلّم إليهم البلد بطريقة لا يوجد فيها فراغ سياسي واقتصادي وإداري ومالي، لا أن تترك البلاد لمجموعات متطرفة جاؤوا من كل دول العالم الغربي، والآن مصالحهم تتضارب مع حل الأزمة".
واختتم، "عدد كبير منهم خريجو أفغانستان، كانوا يقاتلون مع بن لادن وآخرين، هؤلاء هم من استولوا على البلد، وبدؤوا يسيرون فيها بطريقتهم على اعتبار أن ليبيا دولة غنية ولديها نفط وغاز، وبعد انكسار الإخوان في مصر بدأت تركيا تحرّكهم على مستوى الشمال الأفريقي".