Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من الجهل المقدس إلى الكراهية المقدسة  

روح العنصرية ونارها المتأججة تتجلى في صور الحرب والجهاد المزعوم والإقصاء والعبودية المعاصرة

علينا أن نعلم أبناءنا الموسيقى العالمية الراقية والآداب وفن الحياة للقضاء على العنصرية (أ.ف.ب)

تغرق المجتمعات العربية والمغاربية بمستويات مختلفة في عنصريات متعددة، مستترة أو بيّنة، منها العنصرية الإثنية والعنصرية الطبقية والعنصرية الجنسية وأَقْوَاهَا جميعا العنصرية الدينية وهي العنصرية المؤسسة على الكراهية المقدسة. 

والكراهية المقدسة هي نتاج الجهل الديني المقدس والفهم والتأويل الشعبوي الشعوذي للدين والكراهية المقدسة تمثل روح العنصرية ونارها المتأججة التي تتجلى في صور الحرب والجهاد المزعوم والإقصاء والعبودية المعاصرة.

ولأن مجتمعاتنا العربية والمغاربية تعيش ومنذ العصور ضحية ثقافة العنصرية، فقد أصبحت متصالحة أو متسامحة أو غير واعية لهذه الكراهية المقدسة التي تتجلى في يوميات المواطن اللغوية والسلوكية والشعائرية. 

فكيف إذن نقاوم هذه الكراهية المقدسة؟

يوم يُمنع الدعاة والأئمة زارعو الفتنة من سب اليهود، وهم من أهل الكتاب، سبهم والدعاء عليهم بكل المصائب والأمراض، يحدث هذا من على منابر المساجد، بيوت الله، في خطب الجمعة والأعياد الدينية، يحدث هذا حتى في المقابر ساعة دفن أموات المسلمين، يوم يحرّمُ هذا الخطاب نهائيا تتقلص ثقافة الكراهية المقدسة في القلوب وفي العقول. 

يوم يمنع الدعاة والأئمة من شتم المسيحيين، بكل طوائفهم، وهم أيضا من أهل الكتاب، والكف عن تحريم أعيادهم وتكفير من يمارسها أو يشترك فيها، وهم مواطنون يقاسمون الآخرين الوطن واللغة والتاريخ، يومذاك تتقلص ثقافة الكراهية المقدسة لتتراجع قليلاً في لغتنا وفي سلوكنا ويتقدم الوعي خطوة والتسامح خطوتين.

يوم يتوقف الدعاة ومساعدوهم من ذوي العباءات أو ربطات العنق، الذين استولوا على المدارس وعلى مدرجات الجامعات ووضعوا أيديهم على منابر الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة وشبكات التواصل الاجتماعي، يوم يتوقف هؤلاء عن شتم المواطنين المختلفين عنهم في رؤية العالم من أمثال اللادينيين والعلمانيين والشيوعيين وعبدة الأبقار !! وما سواهم، يومذاك تتقلص مساحة الكراهية المقدسة وتكبر مساحة العيش المشترك بعض أمتار مربعة ويزداد حب الوطن درجات.

يوم يُمنع في المجتمعات العربية والمغاربية التحرش بالمرأة، في الشارع وفي العمل وفي البيت، لأن التحرش بالمرأة عنصرية جنسية تأتينا من أعماق تاريخنا الذكوري الاجتماعي والديني، يوم تعيش المرأة مواطنة بسلام وفي أمن، تمشي في الشارع ليلاً أو نهاراً أو تدخل العمل دون أن تعري جسدَها نظراتُ المهووسين جنسياً، يومذاك تتقلص ثقافة الكراهية الجنسية شبراً آخر ويرتفع حس المواطنة درجات.

يوم يتوقف الداعية والخطيب ومن وَالاَهُم من مثقفي الولائم من تحريض العامة على الاعتداء على المرأة لأنها تلبس سروالاً دجين أو ترتدي تنورة تصل تحت الركبتين أو فوقهما، ويتذكر هؤلاء بأن كثيراً من الأمم قادتها نساء بعقل كبير وحكمة عالية، بغض النظر عن لباسهن، فأصبحن رموزاً في الذاكرة الجماعية والتاريخية من أمثال الكاهنة وفاطمة نسومر وتاتشر وجميلة بوحيرد والملكة فيكتوريا وغولدا مائير وبنازير بوتو وغيرهن كثيرات، على اختلاف رؤاهن ومعتقداتهن، يومها تتراجع العنصرية المقدسة ويكبر احترام الإنسان في مجتمعاتنا بعض سنتيمترات.

يوم يتوقف الخطيب والداعية من استعمال قاموس لغة العبودية كالأَمَة والحُرَّة والعبد والسيد والمولى والخلاسي وما إلى ذلك من أوصاف تحيل على زمن الرقيق وسوق النخاسة... ويوم يتخلص العقل العربي والمغاربي من النظر إلى المواطن أسود البشرة على أنه من صنف العبيد، يجب الإقرار بأن هذه الثقافة العنصرية ضد أصحاب البشرة السوداء لا تزال متفشية في مجتمعاتنا، يومذاك ينزاح بعض ثقل الكراهية المقدسة، وترتفع راية المواطنة عاليا على الجميع، بعيداً عن لون البشرة أو العقيدة.

يوم يقبل المجتمع ممثلاً في نخبه وأنظمته ودساتيره بالسماح بتزويج المواطنين فيما بينهم على اختلاف لون بشرتهم، على اختلاف دياناتهم، على اختلاف أعراقهم، يومذاك يتعافى الوطن قليلاً قليلاً من وباء العنصرية والكراهية المقدسة.

يوم تمنع الدولة التي تمثل السلطة الراعية للمواطنة وحامية المواطنين بالتساوي، أن يُعتدى على دار للعبادة، مهما كانت عقيدة هذه العبادة، شريطة أن تكون سلمية، يومذاك يستطيع المواطن أن يعيش لوطنه بعمله ولربه بقلبه، وتتراجع الكراهية متراً آخر وتكسب المحبة متراً آخر في القلوب وفي الثقافة وفي المعاملات.

يوم يشعر المواطن بأنه يستطيع أن يعيش بضميره الحي دون نفاق، في محاولة الخطأ والصح، أن يمارس حريته الفردية بمسؤولية بعيداً عن ثقافة القطيع وقريباً من المواطن ذي الحقوق، يومذاك يتراجع منسوب الكراهية المقدسة بعض درجات على سلم العنصرية.

يوم يتمكن المواطن البسيط الصادق من اجتياز الحدود دون شرطة دينية أو سياسية أو عرقية، أن يعبر الحدود الفاصلة بين الديانات وبين البلدان، وأن يلتقي ويعيش داخل هذه الجغرافيا أو تلك أو هذا الدين أو ذاك بحرية وكما يحلو له، يومذاك نكون قد سجلنا خطوة نحو احترام الإنسان وتقدمنا خطوات نحو تكريس القيم الإنسانية الكبرى.

يوم يعبر الإنسان الحدود ليعيش بدينه ولغته وثقافته بين لغات أخرى وأديان أخرى دون فوبيا الآخر ودون خوف على حياته وعلى كرامته، يومذاك يكون المجتمع قد فهم حقيقة الإنسان وكرامته.

يوم يسمح للجميع نساء ورجالاً بتعلم لغاتهم بكل حرية وتكلمها والكتابة بها أدباً جميلاً واستعمالها في درس الطب والرياضيات والفلسفة، لغة الأم أو لغة الثقافات، يومذاك تتحاب اللغات ويعيش الجميع في طمأنينة ويكثر السلام ويعم التنافس الإيجابي ويتقهقر الخوف وتنسحب الكراهية المقدسة إلى الوراء قليلا.

يوم يختفي أعداء التنوع، ويحاسب بحزم دعاة التطهير العرقي، على شاكلة دعاة "صفر أمازيغي" في الجزائر، الذين يطالبون بتطهير الجزائر من العرق الأمازيغي، سيستريح العالم من الفاشيات الجديدة، وينشد الجميع الاختلاف والعيش المشترك بسلام في ظل قانون المواطنة والتنوع.

يوم يحترم المجتمع أصحاب الميولات الجنسية المختلفة للمواطنين، في ظل قانون المواطنة والدفاع عن الحرية الفردية، يومذاك تتراجع العنصرية الجنسية قليلاً ويعيش المجتمع حالة من التوازن والصدق مع الجسد ومع الطبيعة ومع الوطن ومع الله.

للوقوف سداً منيعاً ضد الكراهية المقدسة التي هي روح العنصرية بكل أشكالها، عرقية ودينية ولغوية، علينا أن نعلم أبناءنا الموسيقى العالمية الراقية والآداب الكبرى وفن الحياة ونسمح لهم بطرح الأسئلة المحرجة عن السماء وعن الجسد وعن الآخر، أن نعلمهم حب الآخر المختلف، وحب الحيوانات، وحب الله لا الخوف منه.   

 

المزيد من آراء