بين استفزازات تركيا وتصريحات الولايات المتحدة المتشائمة، تجد الجزائر نفسها في مواجهة المجهول خلال مؤتمر برلين حول الأزمة الليبية، بخاصة في ظل حديث عن عدم مشاركتها في صياغة مسارات المؤتمر، فيما تلقت دعوة إلى الحضور في الوقت بدل الضائع.
أول امتحان
في ظل استمرار اتهام أنقرة لقائد "الجيش الوطني" المشير خليفة حفتر بعد سفره إلى اليونان، واستفزازها المجموعة الدولية بالقول إن مفاتيح حل الأزمة الليبية في يدها، ثم ظهور واشنطن بتصريحات متشائمة حول مخرجات اللقاء بعدما أوضحت الخارجية الأميركية أن الصراع الليبي بات شبيهاً بالصراع السوري بشكل متزايد، وأن التوقعات بشأن مؤتمر برلين متواضعة، وفي ظل تبادل الاتهامات بين أطراف النزاع الليبيين، حضر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى العاصمة الألمانية في أول زيارة له إلى خارج البلاد بعد فوزه بانتخابات الرئاسة في 12 ديسمبر (كانون الأول) المنصرم، للمشاركة في فعالية دولية تجاهلت إلى وقت قريب الجزائر التي كانت في سباق مع الزمن للخروج من أزمتها السياسية الداخلية، ما يضعه أمام أول امتحان دولي له.
دور في حل أزمة ليبيا
ومع ترقب العالم ما سيسفر عنه مؤتمر برلين، يتابع الشعب الجزائري تحركات رئيسهم، مراهنين على قدرته على إعادة بلادهم إلى الساحة الدولية عبر بوابة الأزمة الليبية. وصرح المحلل السياسي رابح لونيسي أنه "حسب الأصداء الواردة من برلين، فإن توافقاً كبيراً حصل، ما سيسمح بالتوصل إلى إنهاء نسبي للأزمة في ليبيا". وأضاف أن "إصرار حفتر على دخول طرابلس كان عاملاً أساسياً في تسارع الأحداث وفي ضغط دول "متضررة" عدّة من أجل التوصل إلى حل سلمي، ومن بينها الجزائر التي استخدمت كل دبلوماسيتها، بخاصة بعد قرار تركيا التدخل عسكرياً، ما يعني تحوّل ليبيا إلى ساحة حرب بين قوى إقليمية ودولية ستؤثر في أمنها واستقرارها، عبر عودة الجماعات الإرهابية وتصاعد وتيرة الهجرة غير الشرعية.
وتابع لونيسي أن "مَن يعتقد ألاّ دور للجزائر في ما سيتم التوصل إليه، مخطئ. على العكس، كل تلك الزيارات إلى الجزائر كانت تدخل في هذا الإطار، بخاصة أن موقفها المُتَّصف بالحياد الإيجابي تجاه الأطراف المتصارعة في ليبيا سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية يسمح لها بلعب دور الحكم أو الوسيط"، موضحاً أن "تجاهل الجزائر في الماضي يعود إلى غياب الدبلوماسية الجزائرية بحكم غياب الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة نتيجة المرض، وهو كان ممسكاً بكل الملفات". وأضاف "عندما نتحدث عن ذلك، لا نبالغ في دور الجزائر، لأنها لا تملك أدوات ضغط كبيرة، مثل تلك التي تملكها روسيا وتركيا اللتان ضغطتا على حليفيهما حفتر و(رئيس المجلس الرئاسي فايز) السراج"، معرباً عن اعتقاده بأن "حفتر سيوافق على أي اتفاق ولا يمارس التعنت لأنه يعلم جيداً أن ذلك سيؤدي إلى فقدان حليفه الرئيس روسيا، وكذلك عداء دول عدّة له، منها الجزائر وألمانيا اللتان ترفضان صراعاً في ليبيا يشبه ما يحصل في سوريا.
الجزائر بين الترغيب والترهيب
بالنظر إلى المدعوين إلى مؤتمر برلين، يُلاحظ وجود 3 تيارات، الأول يدفع إلى الحل العسكري، والثاني يدعو إلى تغليب لغة الحوار، بينما يعمل الطرف الثالث على الحبلين وينتظر إلى أي جهة تميل الموازين. وفي خضم ذلك، تجد الجزائر نفسها بين الترغيب والترهيب، فبينما تدافع عن الحل السياسي السلمي، قالت أيضاً إن "طرابلس خط أحمر"، ما يكشف عن تحرك جزائري "خفي"، أحدث "تغييراً" في المشهد العام داخل ليبيا وخارجها، استدعى المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ومَن يسبح في فلكها ممَّن "حاولوا خطف الملف الليبي"، إلى الإسراع في دعوة تبون إلى المشاركة في مؤتمر برلين، وزيارة مسؤولين أوروبيين وعرب الجزائر للتباحث حول الأزمة الليبية. كما تحركت الدبلوماسية الجزائرية نحو الإمارات والسعودية عبر وزير خارجيتها صبري بوقادوم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مقاربة جزائرية جديدة
في المقابل، رأى الإعلامي محمد لهوازي أنه "بالنظر إلى الأوضاع الميدانية والتحضيرات التي سبقت عقده وتضارب المواقف بين الدول المشاركة فيه، فإن الحديث عن نجاح مؤتمر برلين من فشله سابق لأوانه". وأضاف أنه "من غير المستبعد أن يتوصل المجتمعون إلى حد أدنى من التوافق يسمح بوقف النار، وإطلاق عملية سياسية، لتبقى آلية تنفيذها على الأرض، أصعب الأمور".
وتابع أنه "على الرغم من الاستيقاظ المتأخر لدبلوماسيتها، إلاّ أن الجزائر رمت بكل ثقلها في اتجاه الدفع بالأطراف المتنازعة إلى طاولة المفاوضات وإيجاد حل سياسي ولو أن هذه المقاربة متأخرة، نظراً إلى حجم التدخلات العسكرية الحاصلة في ليبيا خلال الأشهر الماضية، ما دفع الجزائر إلى التركيز على مقاربة متقدمة نوعاً ما، مثل عقد تحالفات مع الدول التي تتقاسم معها التصور ذاته للحل وخلق نوع من التوازن بين القطبين المؤثرين في طرفَيْ النزاع". وأشار إلى أن "الجزائر ستستمر في العمل الاستخباراتي كما في السابق مع الأطراف المتنازعة، بالتوازي مع تقديم الدعم الإنساني للّيبيين المتضررين من الصراع المسلح"، لافتاً إلى أنّ "الجزائر اطّلعت على مسودة مؤتمر برلين التي ناقشها وزراء خارجية الدول المشارِكة فيه"، وموضحاً أنها "ستعمل جاهدة على الأقل لإنجاح اتفاق لوقف النار والتحضير لأرضية توافق".
تدخّل تركيا يعقد الوضع
يُعتبر التدخل "الفاضح" لتركيا في ليبيا، أحد أهم الأسباب التي أشعلت النزاع المسلح وزادت على صعوبة دفع الأخوة الفرقاء في ليبيا إلى طاولة الحوار، غير أن دخول الجزائر على خط الأزمة جلب إليها اهتمام الحليف الاستراتيجي، روسيا التي سارعت إلى ترويض تركيا بتنظيم جلسة حوار بين حفتر والسراج في موسكو. وعلى الرغم من فشل اللقاء، إلاّ أن موسكو نجحت في الاستيلاء على الدور الأوروبي والتركي في ليبيا مقابل "انهزام" تركيا التي باتت تتحرك منفردة.
وأمام الوضع الميداني وتقدم قوات الجيش الوطني واستمرار التدخل التركي، يُنتظر أن يخرج مؤتمر برلين بقرارات تندرج في سياق تثبيت الهدنة. في هذا السياق، صرّح الناشط السياسي الليبي عبد الله المقري أن "تفكيك سلاح الميليشيات بإشراف الأمم المتحدة ومنع تدخل تركيا، وإنهاء صلاحية المجلس الرئاسي وتشكيل حكومة وحدة وطنية، تُعدُّ إحدى أهم النقاط التي يقدمها حفتر أمام الحضور في برلين". وكشف عن أن قائد الجيش الوطني التقى مندوبين عن القبائل الليبية لدى عودته من موسكو وقبل سفره إلى أثينا، وحمل هذا اللقاء دعماً مهماً لموقف يمثل وحدة الجيش والشعب الليبيَّيْن وتأييداً لرفض المشير توقيع ورقة موسكو.