Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر... دلالات التوقيت

تحركات إقليمية ودولية نشطت في الآونة الأخيرة وتستهدف بشكل خاص هذه الدول

سفينة تجارية تبحر عبر قناة السويس المصرية في مدينة الإسماعيلية (أ.ف.ب)

يظلّ ملف الاستقرار السياسي هو البند الأكثر أهميةً في النظام الإقليمي للدول المطلّة على البحر الأحمر منذ سنوات عدة وحتى بزوغ فجر العام الحالي 2020، إذ التأم شمل ثماني دول هي السعودية ومصر والسودان والأردن وأرتيريا واليمن وجيبوتي والصومال لتأسيس مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، وتوقيع وزراء خارجيتها على ميثاق المجلس في الرياض. ويلفت تكوين هذا المجلس الأنظار إلى أهمية النظام الإقليمي ومدى استقراره في ظلّ تأثير البُعد الأمني على هذه المنطقة، بدءاً مما جلبه الموقع المرموق من أطماعٍ استعمارية وافتعالٍ للحروب والنزاعات، ومحاذير القوى الدولية من فقدان مواقع تمددها.

مواجهة التصعيد

وظلَّت الدول المطلة على البحر الأحمر تتعرض لنشاطاتٍ تتجاوز النشاطات التقليدية مثل الشحن وصيد الأسماك، ما يخلق تهديداً ليس للاقتصاد الإقليمي فحسب وإنّما للاقتصاد العالمي. وعلى خلفية هذه التهديدات نبعت تحدياتٌ أمنية واقتصادية وإستراتيجية.

ثمة أزمة في القرن الأفريقي الآن تتمثل في المنافسات الإقليمية، التي بدأت منذ عام 1869 بافتتاح قناة السويس في مصر لتربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط، فيصبح أقصر وأسرع ممرّ بحري بين الشرق والغرب، وبديلاً لطريق رأس الرجاء الصالح الطويل في حركة التجارة الدولية. فقد تعرضّت هذه المنطقة لعملياتٍ متشابكة بين التوترات في ما بين هذه الدول، وعمليات القرصنة في سواحل الصومال وتزايد مخاطر الإرهاب وتفاعلات الحرب في اليمن، ما استدعى التدخلات الدولية بالعسكرة والتجييش وجعل الأزمات تتزاحم مع المصالح والأجندات الإقليمية والخارجية.

ويمرُّ عبر البحر الأحمر 14 في المئة من حجم التجارة العالمية من كلا الاتجاهين، مضيق باب المندب جنوباً وقناة السويس شمالاً، إذ تعبره 23 ألف قطعة بحرية سنوياً. وبارتباط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط والقرن الأفريقي وخليج عدن، كممرات بحرية رئيسة وشرايين مهمة للتجارة العالمية، فإنّ الصراعات هي القاعدة السائدة في المنطقة في حين أنَّ الأمن والاستقرار هما الاستثناء ما يدلُّ على أن الحروب والأزمات متأصّلة في البنية السياسية لهذه المنطقة ومتجذّرة في خلفيتها التاريخية. فمنذ نشأة هذا النظام الإقليمي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي والمنطقة تشهد تنوعاً دموياً ما بين الحروب والصدامات المسلحة والصراعات السياسية.

نشاط القوى الناعمة

وتأتي دقة التوقيت وحساسيته مُحفّزاً على تسريع إنشاء هذا المجلس بهدف جمع الجهود والتوحيد والتنسيق المُشترك بين دول المنطقة للحفاظ على أمنها ومكتسباتها والتعاون والتشاور والتنسيق في ما بينهاـ بما يحقق مصالح كل شعوب المنطقة، إذ إنَّ لدول المنطقة مصالح مشتركة، والأخطار المحدقة بها أيضاً مشتركة. ولكل هذا وغيره فإنَّ تحركات إقليمية ودولية مثل التحرُّكات الإيرانية والروسية والتركية التي نشطت في الآونة الأخيرة وتستهدفُ بشكلٍ خاص الدول المطلة على البحر الأحمر من ناحية أفريقيا، مُستخدمة قواها الناعمة ومقدّمة العديد من المشاريع الاقتصادية التي تنوَّعت بين إدارة الموانئ على ساحل البحر الأحمر والتنقيب عن النفط والغاز والمعادن في أعماقه.

في ديسمبر (كانون الأول) عام 2017، زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السودان وهي الزيارة الأولى لرئيس تركي منذ استقلال السودان عام 1956، والأهم في تلك الزيارة هو أنَّ السودان سلَّم جزيرة سواكن الواقعة في البحر الأحمر شرق السودان لتركيا، كي تتولى إعادة تأهيلها وإدارتها لفترةٍ زمنيةٍ لم تُحدَّد. تركيا لا تخفي اهتمامها بموقع السودان في السياسة والجغرافيا الأفريقية والعربية، كما ظهر من تصريحات أردوغان نفسه، فإنَّه ذكر في لقاءٍ جمع بين رجال أعمال سودانيين وأتراك أنَّ هناك مُلحقاً سريّاً لم يفصح عنه. ويُعدُّ هذا المشروع ضمن مشاريع تركية في بعض الدول الأفريقية تتجاوز قيمتها الـ 100 مليار دولار.

تحديات استقرار البحر الأحمر

وأهم التحديات التي تواجه استقرار البحر الأحمر هي أمنية، إذ ظلَّ الأمن البحري قضية متشعّبة تشغل بال الدول التي ترتبط مصالحها به فقط، في حال تعرّضها للأزمات. وترتبط تحوّلات مفهوم الأمن والمشهد الأمني بتحولات القوة. ومع تزايد حركة الملاحة البحرية نتيجة النقل والصيد والسياحة البحرية، تتزايد مهددات الأمن، من قرصنة وفساد وجريمة منظمة وحدود غير آمنة وتهريب وهجرة غير شرعية وصراعات عرقية ودينية وإنتاج أسلحة دمار شامل ونقص الموارد الطبيعية والإرهاب.

وفي الإطار ذاته، يأتي التحدي العسكري حيث أخذت مفاهيم الأمن القومي، البعد العسكري كبعدٍ أساسي في تحقيق الأمن القومي. وتتحقق مطالب الأمن من خلال بناء قوة عسكرية قادرة على تلبية حاجات التوازن الإستراتيجي العسكري والردع الدفاعي على المستوى الإقليمي لحماية الدولة من العدوان الخارجي، عبر الاحتفاظ بهذه القوة في حالة استعداد قتالي دائم وكفاءة قتالية عالية للدفاع عن حدود الدولة وعمقها.

وهناك أيضاً التحدي السياسي الذي يتعلَّق بالنظام السياسي للدولة والمشاركة السياسية التي تؤدي إلى الاستقرار، والجزء الذي يتعلَّق بالسياسة الخارجية للدولة وتعاطيها في المقابل مع سياسات الدول على المستوى الإقليمي أو الدولي إيجاباً أو سلباً. ويكمن تأثير هذا التحدي في الاستقرار السياسي للدولة نفسها، فدول المنطقة عُرضة للانقلابات السياسية والتحالفات النابعة عن أطماعٍ خارجية.

وهناك التحدي الاقتصادي الذي يشكّل أحد مرتكزات الأمن القومي، إذ لا يمكن تحقيق الأمن إلّا في ظلّ اقتصاد قوي ومتين يؤدي إلى استقرار داخلي من خلال التنمية واستقلال خارجي بعيداً من التبعية. ويتعدّى البعد الاقتصادي حدود الدولة، فيرتبط بالتعامل مع النظام الاقتصادي الدولي المعاصر، وتحقيق الأمن البيئي المتعلّق بالحفاظ على المحيط الحيوي المحلي أو الكوني، باعتباره عاملاً أساسياً تتوقف عليه كل الأنشطة الإنسانية ومنها المحيط البيئي الحيوي للبحر الأحمر حمايةً لثرواته.

أطماع استعمارية

هناك أيضاً تحديات جيوسياسية تتعلَّق بتأثير العوامل الجغرافية في سلوك الدولة وخيارات سياستها الخارجية. ويؤدي دوراً مهماً في علاقاتها الدولية، ويمثّل البعد الجغرافي قاعدة للسياسة الخارجية للدولة، كما يقيس التماسك بين السكان في إطار الوحدة السياسية. 

وتنزيلاً لهذه التحديات على أمن الدول المطلة على البحر الأحمر، فإنّ هذه المنطقة الحيوية مثّلت الفضاء الذي جمع أهم التحديات من حيث موقعها الجغرافي الذي يتوسط العالم ويشرف على البحر الأحمر من الناحية الإستراتيجية والملاحة العالمية. وتلعب هذه التحديَّات التي ستواجه المجلس دوراً كبيراً في ملف الاستقرار السياسي الأكثر أهميةً في النظام الإقليمي للدول المطلّة على البحر الأحمر مستقبلاً.

تكوين هذا المجلس يتواءم مع ما يحدث في منطقة البحر الأحمر من تفاعلاتٍ وتجاذباتٍ، لو لم يجرِ الوقوف عليها فستفضي لا محالة إلى إعادة تشكيل المنطقة وصوغها بشكلٍ يعكس طبيعة التحالفات الإقليمية والدولية الجديدة. وأغلب الظنّ أنّ الوقوف في وجه هذا التغيير لن يكون له من قوة دافعة سوى المصالح المُشتركة لهذه الدول. يتوقَّع أن ينتصر هذا الاستعداد الذي أتى بعد حين بالوقوف في وجه التجاوزات، فالطريق إلى تحقيق وحدة هذه الأهداف سيكون وعراً ولكن لا بد من اجتيازه. 

المزيد من تحلیل