Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جراثيم المستشفيات منتشرة ومرضى يروون قصصا مرعبة عنها

بعض المصابين فقد جزءا من جسده وقوته ووصل آخرون الى صدمة مميتة

تراكمت أخطاء أهل الطب، فظهرت "ميكروبات خارقة" باتت تهدد الرعاية الصحية وحياة المرضى (يورفاميلي.سي أو.زد إيه)

باتت هذه القصص تتوارد بوتيرة متصاعدة. وروت إحداها أن عاملاً سقط من أعلى السلم، ونُقِل إلى المستشفى، فأُجريت لذراعه عملية عاجلة، لكنه جراحه التقطت بكتيريا شرسة من نوع "ستافيلو كوكس"، ما أوجب إجراء ثمانية عمليات إضافية. وحكت اخرى أن امرأة دخلت المستشفى بصحة جيدة ولم يكن ما يلزمها سوى جراحة بسيطة في كاحلها، لكنها أصيبت بجرثومة شرسة في المستشفى التهمت ثمانية إنشات (20,3 سنتيمتراً) من عظمتي ساقها، ثم أُجبِر الأطباء على بتر الساق برمتها. وكذلك تناقلت وسائل الإعلام قصة لاعب غولف شهير أُدخِل المستشفى لإجراء عملية في الظهر. ثم توغّلت في جراحه العملية جرثومة شرسة فأحدثت التهابات خطيرة، ثم أصابت القلب فمات اللاعب بعد 3 أشهر من دخوله المستشفى. وفي تجربة شخصيّة، التقط والدي بكتيريا أثناء علاجه في المستشفى قبل 4 سنوات ونصف السنة، ثم توفي بأثر التهابات تولّدت عن تلك الجرثومة.

لا يتعلق الأمر بإثارة الذعر، لكن يجدر الانطلاق من حقيقة أن لا مستشفى محصنّاً بصورة كلية، حتى أشدها نظافة وتطوّراً، من وباء "مزدوج" مُكوّن من بكتيريا شرسة وباتت تستعصي على العلاج بالأدوية المُسمّاة المضادات الحيوية ("أنتي بيوتيكس" Antibiotics)، ويشار إليها أيضاً باسم "الجراثيم الخارقة" Super Bugs.

وحاضراً، يُقدَّر أن 70% من البكتيريا كوّنَتْ مناعة ضد مضادات الحيوية، ما يعني أن علاج الالتهابات القويّة بات أمراً تتزايد صعوبته وتنخفض درجة النجاح فيه.

وبصورة مطردة، تصاب أعداد متزايدة من المرضى بجراثيم خطيرة تقاوم الأدوية، بل أنها تلتقط تلك البكتيريا من دواخل مؤسسات الرعاية الطبية. وتكمن المفارقة في أنه يتوجب على الأطباء ومنشآت الرعاية الصحية حماية المرضى، إذ يجب ألا يقضي المرء أثناء سعيه إلى الحصول على علاج. وعلى الرغم من ذلك، يهلك ملايين الناس سنوياً بأثر من جراثيم التقطوها في المنشآت الصحية. وبلغة الأرقام، يقدر أن 1,4 ملايين مريض ممن يتلقون رعاية في المستشفيات، يصابون بأحد أشكال العدوى التي تنتقل إليهم من تلك المنشأت، ما يؤدي إلى التهابات تصيب سحايا الدماغ أو الجهاز الهضمي أو الغشاء البريتوني (الذي يحيط بالأمعاء ومعظم الجهاز الهضمي) أو بتسمم جرثومي في الدم أو... غيرها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي استكمالٍ لتلك الصورة، يُصاب في أوروبا والولايات المتحدة 6 ملايين مريض سنوياً بعدوى آتية من المستشفيات، يتوفى منهم قرابة 140 ألف شخص. وفي الولايات المتحدة، يصل عدد من يصابون بعدوى جرثومية من المستشفيات إلى 99 ألف شخص سنوياً، ويساوي ذلك ضعفي من يقضون بحوادث السيارات.

وعلى نحو مشابه، تضرب تلك الجراثيم البلدان الغنية، وتصيب ما يتراوح بين 5% و10% من المرضى في المستشفيات، فيما يصل الرقم نفسه إلى 30% لدى من يعالجون في أقسام العناية المكثفة. في البلدان النامية، تبدو الأزمة أكثر شدّة. ووفق "منظمة الصحة العالمية"، يقدر أن عدد الأطفال الذين يتوفقون بأثر من التقاطهم جراثيم من المستشفيات، يساوي "تحطّم طائرة ركاب كل ساعة"!

في السياق نفسه أيضاً، لا تتوقف أكلاف تلك الجراثيم المستعصية عن الارتفاع، فتلقي بأعباء ثقيلة على المستشفيات.

إذ يمكث المرضى الذين يصابون بجراثيم المستشفيات، حوالى 6,5 أيام إضافية بالمقارنة مع المرضى الآخرين، كما يُعاد إدخالهم الى المستشفى أكثر من سواهم بقرابة خمسة أضعاف. وكذلك يمكث من يُصابون بـ"الجراثيم الخارقة" 16,9 يومياً أكثر من بقية المرضى. وتكلّف الأدوية التي تعطى حقناً لمريض واحد لدى إصابته بتسمم جرثومي، ما يزيد على 4500 دولار. ثمة نوع من البكتيريا اسمه "ستافيلوكوكس أورييس" وقد طوّر أحد تفرعاته مقاومة لمُضاد حيوي اسمه "ميزيسيللين". ويتميّز ذلك النوع أيضاً بأنه منتشر في أقسام العناية المكثفة المختصة بحديثي الولادة، ويجبر المُصاب به على تمديد فترة البقاء في المستشفى بقرابة 40، مع تكاليف إضافية بحوالى 160 ألف دولار.

ترتفع إمكانية انتقال العدوى بشكل صاروخي في سياق إجراءات مثل تبديل ضمادات الجروح، و التعامل مع جهاز التنفس الاصطناعي

وبقول مُكثّف، باتت المشتشفيات مجبرة على مواجهة معدلات مرتفعة في حالات إعادة الدخول الى إليها، وزيادة معدل الوفيات بين مرضاها، وفترات من الإقفال الإجباري كلما انتشرت عدوى جرثومية في دواخلها. في ظل تلك الصورة، ليس مفاجئاً أن يبدو الجمهور مصدوماً وفاقداً للثقة عندما يقرا عناوين كـ"مستشفاك يصيبك بالمرض" و"رعب في مستشفياتنا"، وكلها لا توحي بالثقة.

في مقلب مغاير تماماً، من المستطاع الوقاية من أنواع العدوى الآتية من المستشفيات، كما تعتبر "مراكز ترصد الأمراض" (مركزها "آتلانتا" في أميركا) أن تلك الجراثيم تمثّل "معركة يمكن الانتصار فيها". واستطراداً، يتطلّب ذلك الانتصار إحداث تغيير جذري. إذ يتوجّب على المستشفيات أن تغدو أكثر تعمّقاً وأشد تمرساً بالابتكار، كي تستطيع وقف انتشار عدوى الجراثيم فيها.

في ذلك الإطار، يجدر بالمستشفيات التنبّه إلى مدى السهولة في انتشار تلك الجراثيم ضمن منشآت الرعاية الصحية، وكذلك مدى عدم ملائمة الأساليب المتّبعة حاضراً التصدي لها.

ومن الناحية الأساسية، تواجه المستشفيات أزمة خفية. إذ تتسم طرق انتقال تلك الجراثيم بالاتساع والتعقيد، إضافة لكونها غير منظورة أيضاً. وقد أورد أحد المتخصصين في علوم الجراثيم ملاحظة بشأن الجراثيم القاتلة، مفاده أنه "بسبب عدم قدرتنا على رؤيتها، يسهل نسيان وجودها"!

وعلى مدار الساعة، تتراكم العناصر الوبائية في المستشفيات وتتنقل بينها، بالترافق مع حركة الزوار والموظفين وطواقم الرعاية الصحية والأجهزة والأدوات الطبية وغيرها.

وتحوم في أجواء المستشفيات مكوّنات فيروسية آتية من العطس أو حتى عند تغيير أغطية الأسرِّةَ، ويستنشقها المرضى أو تستقر على أجهزة الحقن الوريدي والسماعات الطبية والكراسي المتنقلة وغيرها. وتتراكم مكوّنات الميكروبات المعدية في علب القفازات الطبية، وتسافر مجاناً عبر معدات الحقن الوريدي لتدخل إلى دم المريض، وكذلك الحال بالنسبة إلى دخولها من طريق القسطرة البولية. وتنتقل الجراثيم من حوافي الأسِرَّة إلى أيدي الممرضات والممرضين، ثم تصل الى المرضى.

في زاوية اخرى من ذلك المشهد، تستطيع الجراثيم القاتلة أن تتكاثر حتى على جلد صحي. وبذا، يمكن أن تنتقل إلى أيدي العاملين في الرعاية الصحية حتى بعد إجراءات "نظيفة" كقياس نبض المريض أو قياس حرارته. وبالطبع، ترتفع إمكانية انتقال العدوى بشكل صاروخي في سياق إجراءات مثل تبديل ضمادات الجروح، و التعامل مع جهاز التنفس الاصطناعي، وكل ما يتضمن ملامسة للدم أو الأغشية المخاطية أو سوائل الجسم.

واستطراداً، تتضمن قائمة الأشياء التي ربما تحمل مُكوّنات مُعدِيَة أجهزة التهوئة وعربات الطعام والأسرة المتحركة وأدوات الحقن الوريدي والحواسيب المحمولة ومعطف الطبيب وحتى ربطة عنقه التي ربما يلامسها ساهياً قبل مباشرته علاج المريض.

ويزيد في تعقيد تلك الصورة أن الجراثيم الشرسة تمتلك قدرات مميزة في البقاء داخل أجواء المستشفيات. ثمة بكتيريا تسمّى "كلوستريديوم ديفيسيل" تستطيع البقاء على أرض المستشفى قرابة 5 أشهر. وعلى غرار ذلك، تقدر جرثومة "إنتيرو كولاي" من النوع المقاوم لدواء "فانكومايسين"، البقاء على سطوح المكاتب لمدة تصل إلى 58 يوماً. ولعله ليس مفاجئاً على الإطلاق أن إمكانية انتقال العدوى ترتفع بـ40% عندما يدخل مريض إلى غرفة سبق أن شغلها مريض آخر كان مُصاباً بعدوى جرثومية.

أتذكّر أن والدي امتلك ذكاءً فطرياً أرشده إلى المواظبة على تلقي العلاج في منزله. لم يدخل مستشفى إلا عندما سافر. ولقد علّمتني تلك التجربة ضرورة الحرص على  جلب الطبيب إلى المنزل، بانتظار أن تنخفض معدلات العدوى الآتية من المستشفيات.

المزيد من آراء