هو الشغب والغضب المتصاعد الذي يشهده القطاع المصرفي اللبناني، من خلال ما يتم تداوله عن تكسير وإقفال وتضارب بين المودعين وموظفي المصارف المحتكمين إلى إجراءات استثنائية، حدت من السحوبات النقدية بالعملة المحلية كما العملة الأجنبية، وذلك في ظل أزمة سيولة لا يبدو أنها ستنفرج عن قريب. وزاد في البلبلة الكلام على تحويل مئات الملايين من حسابات المتمولين والسياسيين إلى الخارج، فيما لا يستطيع المودع الصغير سحب أمواله، الأمر الذي أدى إلى تصاعد المطالب بالكشف عن مهربي الأموال إلى الخارج. المطالبات والمساءلة انطلقت من بعض النواب والنائب العام التمييزي والمحامين إلى مصرف لبنان، الذي تحرك بما يسمح به القانون للكشف عن القيمة الحقيقية للأموال التي خرجت من لبنان في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الفائت. فمن 17 أكتوبر (تشرين الأول) يوم انطلاق الانتفاضة الشعبية في لبنان وحتى منتصف ديسمبر (كانون الأول) تتكلم المصادر عن ما قيمته مليار دولار من الأموال المحولة إلى الخارج. وإلى تحرك مصرف لبنان، برز أيضاً تحرك النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات بطلبه من القضاء السويسري وهيئة التحقيق الخاصة ولجنة الرقابة على المصارف التابعتين لمصرف لبنان، المساعدة القضائية لإيداعه معلومات عن قيمة التحويلات المصرفية المالية المشبوهة من لبنان إلى الخارج. وقد أحال وزير العدل الطلب إلى السلطات السويسرية المختصة بواسطة وزارة الخارجية والمغتربين، وذلك تحت قانون مكافحة تبيض الأموال وتمويل الإرهاب الذي أقر عام 2005.
رئيس لجنة الرقابة يفند بالأرقام
رئيس لجنة الرقابة على المصارف في مصرف لبنان سمير حمود صرح لـ"اندبندنت عربية"، أن لجنة الرقابة ستتحرك بدءاً من 7-1-2020 عبر الطلب من البنوك إيداعها لائحة بكل التحاويل التي خرجت من لبنان خلال عام 2019، وذلك للتحقيق في ما قد يكون تحويلاً مشبوهاً. ولكن أيضاً يؤكد حمود أن القانون اللبناني لا يمنع تحويل الأموال إلى الخارج مهما كان حجمها أو قيمتها، ولا قيود على حركة تنقل الأموال، ولا يمكن الكشف عن أصحاب الودائع بالأسماء من قبل اللجنة، كون لبنان ما زال يطبق قانون السرية المصرفية، بل تستطيع اللجنة أن تتحرى عن حجم التحاويل التي خرجت من البلد.
ويبين حمود أن خروج الأموال المرتبط بالمخاطر والمخاوف ليس بجديد، فعند اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 شهد القطاع المصرفي نزوحاً للودائع إلى الخارج كما عام 2006 عند الاعتداء الإسرائيلي على لبنان، وعام 2017 عند استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري من السعودية.
ويعود حمود إلى الأعوام 1978-1980-1984 التي شهدت أيضاً خروجاً كبيراً للودائع من القطاع المصرفي اللبناني إلى الخارج.
ويرى حمود أن التحاويل في الشهرين والنصف الماضيين لا تخالف القانون بالمطلق وإنما العمل سينكب على الأموال المشبوهة.
ويفند حمود الأموال التي خرجت من لبنان عام 2019:
فإجمالي الأموال التي خرجت من ميزانيات المصارف تقدر بقيمة 15 مليار دولار.
منها 8 مليارات دولار تم استعمالها لتسديد قروض مستحقة أي أنها استعملت داخلياً لتصفية الحسابات بين الدائنة والمدينة.
كما يقدر حجم الأموال النقدية التي قام اللبنانيون بسحبها لتخزينها في المنازل بقيمة 3 مليارات دولار.
ليبقى 9 مليارات دولار محولة إلى الخارج خلال العام المنصرم من إجمالي 120 مليار دولار من الودائع بالعملة الأجنبية موجودة في المصارف.
ومن هنا لا يرى حمود مخاطر مرتفعة على القطاع المصرفي، ولكنه أيضاً يلفت إلى أن البنوك مربكة فالعمل المصرفي الذي يقوم على مبدأ التطابق أي (Interpolation) لم يعد قائماً، فالكل يسحب الأموال، ولا مودعين. والمصارف غير قادرة على استقطاب ودائع جديدة أو تحاويل من الخارج، وهذا طبعاً يرتب بعض المخاطر إذا طال أمد الأزمة على المصارف بخاصة الصغيرة.
PEP
عمل هيئة الرقابة على المصارف وهيئة التحقيق الخاصة سيبنى حول الأشخاص الذين يتعاطون الشأن العام أو السياسة، من مدراء عامين أو مقدمي خدمات إلى مؤسسات الدولة والسياسيين أو المقربين من السياسيين. فحسابات هؤلاء فقط قد تطاولها الشبهات، فيما التحويلات بالمطلق لا تخالف القانون. فهؤلاء المعروفون باسم PEP أي Politically Exposed People يمكن ملاحقتهم بجرم تبيض الأموال إذا لم يتم تبرير مصادرها. وهذا يتم في لبنان قبل الانتقال إلى التحويل.
ويبين حمود أن الآلية لتتبع الأموال القذرة إن وجدت، تبدأ بطلب النائب العام التمييزي إلى الهيئة، وعليه ستتحرك للطلب من المصارف بإيداعها لائحة بكل التحاويل التي خرجت من لبنان، بحسب أرقام الحسابات بالأحجام والتواريخ، وليس بالأسماء. وعند الشك بحساب معين أو حجم تحويل كبير، ترفع اللجنة طلباً إلى هيئة التحقيق الخاصة للبدء بتحقيق حول الحساب المشبوه، وصولاً إلى الطلب برفع السرية والكشف عن صاحب الحساب، ثم يصار إلى إرسال كل المعلومات إلى النيابة العامة فيأخذ الملف مساره القضائي. ويبين رئيس لجنة الرقابة على المصارف، أن طلبات التحقيق عادة يجب أن تأتي من المصارف نفسها، عند الشك في إيداعات كبيرة لا تتناسب مع أعمال العميل التي صرح عنها بموجب الآلية الملزمة التي تتبعها البنوك، بعد قانون مكافحة تبيض الأموال وتمويل الإرهاب وهي "اعرف عميلك".
عند الشك
كما يمكن لكتّاب العدل التبليغ عن اتفاقات مالية مشبوهة أو القضاء أو المدعي العام التمييزي، كما الحال هنا وحتى السفارات من خلال وزارة الخارجية أو الوكالات الدولية كمجموعة العمل المالي الدولية FATF.
ويبين حمود أنه عند الشك بحساب معين، يتم تجميد الحساب في لبنان لمدة 6 أشهر قابلة للتجديد 3 أشهر. وإذا تم تحديد حساب خارج لبنان يصار الطلب لتجميده سنة تجدد 6 أشهر، وذلك بعد استلام النيابة العامة الملف وبدء التحقيق. فإذا تم الحكم بأن مصادر الأموال غير شرعية، يصار إلى مصادرتها في الحسابات داخلياً وخارجياً، ومن ثم استرجاعها إلى الدولة، أما في حال البراءة فيستعيد العميل أمواله.
آلية تتبع مصادر الأموال بدأت وإنما في نظام سياسي طائفي تحكمه الأحزاب ومبدأ المحاصصة، يرتفع منسوب الشك في مدى قدرة القضاء بالبت بأسماء سياسيين من الفئة الأولى، فالأحزاب السياسية التي تلزم المشاريع وتتلقى الهبات وتعين القضاة والمدراء العامين هي نفسها المشبوهة فمن سيحاسب من؟