Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النزوح من إدلب ينذر بتغيير ديمغرافي كبير

التهجير القسري يدفع إلى تبديل واقع التركيبة السكانية في الشمال الغربي والشرقي السوري

على وقع القصفِ المتواصلِ بريف إدلب الجنوبي، فرّ ما يناهز 200 ألف مدنيٍ بعد أن باتت الحملةُ العسكريةُ لجيش النظام السوري على بعد كيلومتراتٍ عدة من إسقاطِ مدينة معرة النعمان، أبرز المدنِ الاستراتيجية على الطريق الدولي الواصل بين حلب ودمشق، التي تسيطر عليها فصائل مسلحة.

وقالت منظمة "منسقو الاستجابة" السورية إن "أكثر من 214 ألف مدنيٍ نزحوا من ريف إدلب باتجاه الحدود مع تركيا منذ منتصف ديسمبر (كانون الأول).

الهروب للمجهول

في المقابل، ترك المنخفض الجوي الذي تشهده البلاد منذ يومين تأثيره على حدةِ المعارك المندلعة منذ 13 ديسمبر للسيطرة على المعرة، ريف إدلب الجنوبي.

 آلة الحرب لم تتسلل إليها برودة الشتاء وبدت يقظة ولو بصورة متقطعة بقصف جيوب المعارضة في ريف المدينة، في حين تنتظر الطائرات تحسن الأجواء لتعاود تحليقها، بينما الجيش السوري ما برِحَ يحاصر النقطة التركية في منطقة الصرمان في ريف إدلب الجنوبي.

 حالة هدوءٍ نسبي لعله المنخفض الجوي أو مرده المفاوضات بين موسكو وأنقرة، وجدها أهالي المدينة فرصة سانحة لخروج المزيد منهم، بحيث أن طريق النزوح لم يتوقف البتة عن النزيف من مدينة الشاعر أبي العلاء المعري بعد أن تقطعت بهم سبل العيش فيها على وقع القصف المتفرق.

هنا وعلى أعتاب المدينة حسرةٌ ممزوجة بدموع مدنيين سلميين وقلوب تنفطرُ على فراق بلدهم، وفقدان آخر أملٍ كان "المعريون" يعوّلون عليه، حفاظاً على أرواح عائلاتهم وبيوتهم وممتلكاتهم.

 خطر النزوح والتشرد بات ماثلاً أمامهم بعد أنباء عن وساطات للمصالحة وتسليم المدينة بشكل سلمي بخروج فصائل "هيئة تحرير الشام" (النصرة) سابقاً، كلها باءت بالفشل.

تبديد الأمل

وكشف عضو لجنة "المصالحة الوطنية السورية" عمر رحمون، عن رفض الفصائل المسلحة لسلك طريق المصالحة، ملقياً باللوم على أنقرة، التي وبحسب وصفه لوسائل إعلامية محلية، أمرت الفصائل المسلحة بعدم تطبيقها، في حين يكتنفُ الأهالي رغبةً عارمةً في عودة السلام إلى مدينتهم بغية تجنيب المدينة الدمار.

وعلى الرغم من كثافة المناشدات من الأهالي ومن لجان المصالحة، إلا أن الوقائع تنبئ حتى اللحظة عن فشلها، وهذا يعني وفق عضو لجنة المصالحة أليس أمام الدولة سوى الاستمرار بالخيار العسكري "الفصائل في إدلب مسلوبة القرار، ولا تملك من أمرها شيئاً، وعملت على تهريب عائلاتها إلى خارج المنطقة المحاصرة".

وعلى المقلب الآخر أعلن الجيش التابع للمعارضة السورية المدعوم تركياً تجهيز قوات عسكرية للزج بها في معركة إدلب.

من جهتها استعادت الفصائل المعارضة في المنطقة سبع قرى من قوات النظام في منطقة خفض التصعيد، وهي دار السلام والعامودية وبابولين وصهيان والصالحية وكفرياسين وتقانة، إلى جانب جسر يستخدمه الأهالي للفرار من المنطقة.

سلسلة النزوح

أرتالُ السيارات المحملة بالعائلات والأمتعة لم تتوقف عن التدفقِ وسط الأمطار الغزيرة، وقد لجأت العائلات الآمنة إلى دورِ العبادة، في حين لم تعد المخيمات تستوعب الأعداد المتزايدة على الحدود التركية السورية.

 أمرٌ دفع بمنظمة الدفاع المدني في إدلب إلى تحريك آلاتها من الجرافات خلال الساعات الأخيرة لنصب مخيمات جديدة لأعداد النازحين المتزايدة في عمق الشمال الغربي للبلاد.

في غضون ذلك بدأت سلسلة عمليات نزوح بالتدفق حتى على الشريط الممتد على الطريق السريع (دمشق ـ حلب) وقالت مصادر محلية لـ "اندبندنت عربية"، إن "ما نسبته 70 في المئة من أهالي مدينة سراقب وريفها، وهي المدينة الثانية التي يسعى الجيش إلى السيطرة عليها بعد مدينة المعرة، نزح أهلها أيضاً".

الأهالي جلّهم انتقلوا إلى مناطق في ريف حلب التي تتمسك بها المعارضة المدعومة تركياً، وذكر أحد موظفي فرق الإغاثة أنه "على الرغم من كل المساعدات التي يتلقاها النازحون، إلا أن العدد كبيرٌ ويحتاج إلى فرق إغاثية ضخمة".

الواقع المرير

ويقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره بريطانيا نزوح 110 آلاف نازح من معرة النعمان وسراقب وريفها خلال الأيام التسعة الماضية، و50 ألف نازح اتجهوا إلى مناطق تعدُّ أكثر أمناً على الحدود مع لواء اسكندرون وبعضهم وصل إلى مناطق عفرين.

من جانبه، يقول أحدُ النازحين من سراقب إلى مدينة أعزاز، الواقعة في ريف حلب والمتاخمة للحدود التركية، بعد تعرض مدينته لضربات متفرقة وبات الخطر قريباً، 

"نعاني من مشاكل الإقامة فلا توجد أماكن نبيتُ بها وسط جوٍ باردٍ وغلاء بدل السكن، وسماسرة العقارات يتقاضون 100 دولار أميركي عن كل صفقةٍ عدا عن الإيجار المرتفع والمدفوع سلفاً لثلاثة أشهر".

من جانبها، عقدت السلطات المحلية في "الحكومة السورية المؤقتة" اجتماعاً لرؤساء مجالس المحافظات التي تسيطر عليها المعارضة، لمناقشة الكارثة الإنسانية واستيعاب النازحين وتأمين احتياجاتهم الإنسانية.

 يأتي ذلك بالتوازي مع مد يد العون من أهالي مدن أعزاز والباب وغيرها من المدن السورية خارج سيطرة النظام السوري والجمعيات الإغاثية فيها، لاحتواء ومساعدة النازحين لكن الأعداد الضخمة تحتاج إلى استنفار منظمات دولية لاسيما الحالة الصعبة التي يعيشها السوريون في ظل برودة الطقس.

تنسيق روسي - تركي

وفي السياق ذاته، أعلن مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن، أن "هناك تنسيقاً بين روسيا وتركيا لاستمرار إغلاق الحدود ودفع المدنيين صوب عفرين لإحداث تغيير ديمغرافي يسعى إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان"، على حد قوله.

وتلوّح المنظمات الإنسانية والحقوقية بخطر يداهم المجتمع السوري عبر التهجير القسري الحاصل، خصوصاً ما شهدته سوريا في الأشهر الأخيرة من توغل تركي بعملية أسمتها أنقرة بـ "نبع السلام" بدأت في 9 أكتوبر (تشرين الأول)، بهدف محاربة الأحزاب والتنظيمات الكردية وخلق منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً في شمال سوريا، وإزاحة الأكراد من تلك البلاد وتوطين 3.7 مليون لاجئ سوري مقيم في تركيا.

وعلى إثر العملية التركية أكثر من 75 ألف شخص من مناطق شمال شرقي سوريا، بحسب ما سجله مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانيةفروا من العملية العسكرية، في حين أعانت المفوضية العامة لشؤون اللاجئين (OACH)  

عبور 17 ألف شخص إلى كردستان العراق طلباً للأمان.

هذا التغيير الديمغرافي يعده مراقبون خطراً على نسيج المجتمع السوري المميز بتعدد تركيبته السكانية المتعددة عبر فرزه بحسب تصنيف المناطق والمدن عرقياً وقومياً وإثنياً وطائفياً، ومما لا شك فيه أن عمليات التغيير الديمغرافي في تلك المناطق تحدث بطريقة متسارعة وقسرية ستترك تأثيرات وتهدد استقرار البلاد.

المزيد من العالم العربي