ضمن إقرار ميزانية إنفاق دفاعي تبلغ 738 مليار دولار، وقّع الرئيس دونالد ترمب قانون "قيصر" لحماية المدنيّين في سوريا، الذي يفرض عقوبات وقيوداً على من يقدّمون الدعم للنظام السوري، سواء كانوا من الداخل أو الخارج. ويهدف القانون إلى حرمان النظام من الأموال التي يستخدمها لـ "تسعير حملة العنف والتدمير التي أودت بحياة مئات آلاف المدنيّين"، إذ يسمح بفرض عقوبات خلال ستة أشهر على مسؤولين وقادة عسكريين ومدنيين سوريين وغير سوريين، يثبت تورطهم في "الأعمال الوحشية المرتكبة خلال السنوات الثماني الماضية من الحرب".
يستهدف الإيرانيين والروس
وبحسب خبراء في القانون الدولي، فإن التشريع المعروف بـ"قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين لعام 2019"، يتيح للرئيس الأميركي فرض عقوبات جديدة على سوريا وإيران وروسيا و"حزب الله" عن جرائم الحرب التي ارتُكبت في سوريا، كما يضع تصنيف البنك المركزي السوري ضمن فئة البنوك "المعنية بتبييض الأموال بصفة أساسية"، ويوسّع رقعة العقوبات والقيود لتشمل الأجانب الذين أجروا المعاملات مع الحكومة السورية على صعيد: الغاز الطبيعي والنفط والمنتجات النفطية والطائرات وقطع غيار الطائرات وتنفيذ مشاريع البناء والمشاريع الهندسية لصالح الحكومة.
دعاوى "سوريين" على "حزب الله"
أما لناحية التطبيق العملي والسياسي، فيؤكد رئيس منظمة "لايف" الحقوقية المحامي نبيل الحلبي، أنه بات بإمكان أي من الأفراد السوريين المتضررين، رفع دعاوى قضائية أمام القضاء الأميركي ضد كيانات أو أفراد شاركوا في قتل الشعب السوري خلال الحرب، الأمر الذي قد يتيح فتح دعاوى قضائية بحق كيانات لبنانية شاركت في الحرب السورية وعلى رأسهم "حزب الله".
ويوضح أن الدعاوى قد تؤدي، نتيجة الأحكام القضائية إلى إدراج شخصيات في الحزب على قوائم العقوبات الأميركية، مؤكداً أنه في حال ضلوع شخصيات سياسية لبنانية في تقديم أي شكل من أشكال الدعم المنصوص عليه في قانون "قيصر"، تمكن ملاحقتهم قضائياً وإدراجهم على قوائم العقوبات، ومعتبراً أن هذا الأمر وارد جداً انطلاقاً من معلومات عن مساعدة بعض السياسيين في لبنان النظام السوري المتفلّت من عقوبات مجلس الأمن الدولي المدرجة تحت الفصل السابع، إضافةً إلى الشركات السورية التي تعمل في لبنان بشراكة وتغطية من رجال أعمال وسياسيين لبنانيين لصالح النظام، لا سيما تلك العاملة في مجال النفط والقطاع التكنولوجي.
إعادة الإعمار
ويرى الحلبي أنه من شأن قانون "قيصر" إحباط مشاريع إعادة الإعمار في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، التي كان يعوّل عليها بعض رجال الأعمال اللبنانيين ومن خلفهم جهات سياسية، مشيراً إلى أن القانون شجّع الاتحاد الاوروبي على فرض عقوبات اقتصادية جديدة على دمشق، وحذر الدول العربية والأوروبية من التطبيع السياسي معها أو المساهمة في مشاريع إعادة الإعمار تحت طائلة الإدراج على قائمة العقوبات الأميركية.
ويلفت إلى أن القانون المذكور من شأنه تعميق الأزمة الاقتصادية في لبنان، بحكم التداخل بين الاقتصادين اللبناني والسوري واعتماد الاقتصاد السوري بشكل كبير على النظام المصرفي اللبناني وتراجع رهان المساهمة اللبنانية بإعادة إعمار سوريا.
حديقة النظام الخلفية
في السياق ذاته، ترى مصادر دبلوماسية أميركية أنه يتوجب على السلطات اللبنانية والحكومة المقبلة اتخاذ إجراءات صارمة بما يتوافق مع "قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين لعام 2019"، بحيث عليها أولاً التشدد بتوقيف عمليات التهريب على الحدود اللبنانية السورية، التي تقدر قيمتها وفقاً لأرقام البنك الدولي بـ4.5 مليار دولار سنوياً، تسهم في إنعاش سوريا بالعملات الأجنبية، وثانياً مراقبة الشركات التجارية المتعاونة مع النظام السوري التي يجري فتح اعتمادات لها في المصارف اللبنانية، وتستورد البضائع المحظرة على سوريا نتيجة العقوبات انطلاقاً من لبنان، لا سيما في مجالَيْ النفط والتكنولوجيا والتي تقدر قيمتها بحوالى ثلاثة مليارات دولار سنوياً.
وترجّح المصادر عينها أن يواجه لبنان مشاكل كبيرة إذا استمر ممراً حيوياً لدول محور الممانعة، وسيتعرض لعقوبات إضافية تزيد على وضع اقتصاده المترنح سوءاً، مشددةً على أن تطبيع العلاقات مع حكومة النظام السوري ستتسبب بعزلة عربية ودولية إضافية. وتضيف أن "الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط بدأت منذ عام 2017 بالقضاء على الإرهاب وتقويض النفوذ الإيراني المزعزع لاستقرار دول المنطقة".
المصور المنشق
ويُطلق على التشريع اسم "قانون قيصر" نسبةً إلى المصور العسكري السوري السابق الملقب بـ"قيصر"، الذي انشق واستطاع تهريب آلاف الصور لجثث ضحايا تعرّضوا للتعذيب، والتحق بالكونغرس، وعرض الصور على لجنة استماع، بينما جرى تشكيل فريق تحقيق دولي لبحث جرائم الحرب المرتكبة في سوريا والتأكد من مصداقية الصور.
ويمنح القانون الولايات المتحدة وسيلة أخرى لمعاقبة بشار الأسد وحلفائه، علماً أن واشنطن كانت فرضت عقوبات على الرئيس السوري وعدد من كبار مسؤوليه، لكن الوسيلة الجديدة تسمح باستهداف الشركات الأجنبية والأفراد من مختلف الجنسيات، إذا ثبُت دعمهم أو علاقتهم بالقمع في سوريا.