Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النفط و"المنطقة المقسومة" بين الكويت والسعودية

أي اتفاق يعيد الإنتاج فيها سيعود بالخير على البلدين... وموانئ التصدير نقطة خلاف

اكتشاف النفط في حقل برقان الكويتي سابقا جعل المنطقة المحايدة محل أنظار شركات النفط العالمية (رويترز)

أشارت وسائل الإعلام إلى توصل السعودية والكويت إلى اتفاق بشأن إنتاج النفط في المنطقة المقسومة، كما تشير إلى أن الاتفاق سيُوقع اليوم، حيث سينوب عن السعودية الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، وعن الكويت خالد الفاضل، وزير النفط الكويتي، ويهدف هذا المقال إلى تقديم لمحة مختصرة عن المنطقة المقسومة .

والحديث في موضوع المنطقة المقسومة ذو شجون للطرفين، لما في ذلك من انعكاسات سياسية واقتصادية، إلا أنه يجب توخي الحذر في الحديث عن الموضوع لكثرة الإشاعات من جهة، وكون الأمر معقداً من جهة أخرى.

اتفاقية العقير

تقع "المنطقة المحايدة"، التي تُسمى أحياناً "المنطقة المقسومة" بين السعودية والكويت، شمالي شرق السعودية وجنوبي الكويت، وتبلغ مساحتها 5770 كيلو متر مربع، وعُقدت "اتفاقية العقير" في عام 1922 بين عدة أطراف لترسيم الحدود، حيث شارك فيها الملك عبد العزيز، رحمه الله، بصفته سلطان نجد وقتها، مع مندوبَين بريطانيين، أحدهما عن الكويت، وهو جون مور، والمندوب البريطاني في منطقة الخليج بيرسي كوكس، ومندوب الملك فيصل، ملك العراق آنذاك، وهو صبيح بك وزير المواصلات والأشغال.

وجرى التوصل إلى الاتفاقية بعد ستة أيام من اللقاءات بين الأطراف المعنية عقب خلاف شديد، حيث طالبت الحكومة العراقية وقتها بأن تكون حدودها على بعد 12 ميلاً من الرياض، في الوقت الذي طالب فيه الملك عبد العزيز بأراضي القبائل حتى حلب في سوريا، وجرى الاتفاق على تجاهل الخرائط والتركيز على أماكن القبائل وولائها، وعلى إثر ذلك قام بيرسي كوكس برسم خط أحمر على خريطة أمامه موضحاً الحدود، والتي أوضح فيها وجود منطقتين مشتركتين، واحدة بين الكويت والسعودية وأخرى بين العراق والسعودية، على أن يجرى ترسيم الحدود في هاتين المنطقتين فيما بعد، وهذه الاتفاقية هي السند القانوني لكل ما سيأتي بعد ذلك.

وقد يكون سبب وجود هاتين المنطقتين المحايدتين هو إصرار الملك عبد العزيز على أن تتنقل القبائل باستمرار في بعض المناطق، وبذلك فإنه يجب أن تضاف إلى السعودية، بينما أصرت الأطراف الأخرى على أن هذه المناطق تابعة لها، ربما لنفس السبب.

ولم تكن المنطقة المقسومة بعد ذلك محل اهتمام حتى تم اكتشاف النفط في حقل برقان الكويتي، الأمر الذي جعل المنطقة محل أنظار شركات النفط العالمية، فجرى اكتشاف حقل الوفرة في عام 1954، الذي يعد امتداداً لحقل برقان، من قبل شركتي "جيتي أويل" و"الشركة الأميركية المستقلة النفطية"، ثم أعطت السعودية امتيازاً لشركة يابانية اسمها "الزيت العربية" في المنطقة المحايدة عام 1957، ووافقت الكويت على ذلك في العام الذي يليه، واكتشفت هذه الشركة حقل "الخفجي" في عام 1960، ثم حقل "الحوت" في عام 1963.

ويبدو أن هذه الاكتشافات جعلت البلدين يطالبان بتقسيم المنطقة المشتركة بينهما، وبخاصة أن حقل "الوفرة" يعد امتداداً لحقل "برقان" الكويتي، وحقل "الخفجي" البحري يعد امتداداً لحقل "السفانية" السعودي، والأول في شمال المنطقة المحايدة والثاني في جنوبها الشرقي، فبدأ الحديث بين البلدين على ترسيم الحدود في المنطقة المحايدة في عام 1960، وجرى الاتفاق في عام 1965 على تقسيم المنطقة، لكنه لم يحدث رسمياً إلا في عام 1970، ونصّ على تقسيم المنطقة مناصفة، بحيث تمارس كل دولة سيادتها على النصف الخاص بها، بينما تتم المشاركة في الموارد النفطية مناصفة في كل المنطقة، ويبدو أن اتفاقية العقير هي التي منعت التقسيم الكامل بين البلدين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويبدو أن هذه الاتفاقية التي تقضي بممارسة سيادة كل دول على نصفها الخاص في وقت تتم فيه المشاركة في الموارد، هي سبب الخلاف الذي أدى إلى إغلاق حقول المنطقة في عام 2014-2015، وأسباب الخلاف غير معروفة لعامة الناس، وأغلب ما يُذكر في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لا يمكن التأكد من صحته، وهناك إشاعات كثيرة، والمثبت أن هناك خلافاً تقاطعت فيه السياسة مع الاقتصاد، ولعل تفاصيل الاتفاق الجديد اليوم تثبت بعض ما قيل وتنفي بعضه، والمثبت أيضاً أن مصلحة الكويت من عودة إنتاج المنطقة المحايدة أكبر من مصلحة السعودية، لأن نسبة حصة الكويت من المنطقة إلى ما تنتجه الكويت كبيرة، مقارنة بحصة السعودية وإنتاجها الكلي، وإدراك السعودية هذه النقطة يعطيها قوة إضافية في المفاوضات مع الكويت.

نقاط الخلاف

وأسرار الخلاف أكبر مما جرى الحديث عنه في العلن، ولعل تفاصيل الاتفاق اليوم ستلقي ضوءا على بعض هذه الأسرار، ولكن بناء على ما هو معلن، فإن السعودية مدّدت امتياز شركة "شيفرون"، التي تنوب عن السعودية في المنطقة المحايدة وتدير عمليات إنتاج حقل الوفرة مع شركة نفط الخليج الكويتية، من دون استشارة الحكومة الكويتية، الأمر الذي أزعج الكويتيين.

ومن ناحية ثانية، تشغل مكاتب شركة شيفرون منطقة ساحلية ترغب الكويت في إنشاء مصفاة فيها، وأرض هذه المكاتب مستأجرة من الكويت، فهل تمديد السعودية امتياز شركة شيفرون يقتضي تمديد عقد إيجارها في الكويت الذي انتهى؟ هنا يأتي دور الاتفاقية التي فعّلت في عام 1970 "كل دولة تمارس سيادتها على نصفها الخاص بها"، وبناء على ذلك طالبت الحكومة الكويتية شيفرون بمغادرة المكان واختيار مكان آخر، فلما رفضت الشركة، رفضت الحكومة الكويتية تجديد تصاريح العمل وعرقلت أموراً أخرى للشركة، فقررت الأخيرة وقف عمليات الإنتاج في عام 2015.

ومن ناحية أخرى، قررت السعودية وقف العمليات في حقل الخفجي لأسباب قالت إنها "بيئية وفنية"، والإعلام الكويتي يقول إن نفط حقل الخفجي يهاجر إلى حقل السفانية، وبالتالي فإن من مصلحة السعودية الانتظار وعدم الوصول إلى اتفاق، بينما ذكرت السعودية أن أحد أسباب وقف إنتاج حقل الخفجي هو هجرة نفط السفانية إلى حقل الخفجي، الأمر الذي يتطلب وقف العمليات في الخفجي إلى حين السيطرة على الأمور في حقل السفانية! ويبدو أن هناك بعض الأمور تتعلق بحرق الغاز أيضاً.

ومن نقاط الخلاف أيضاً موانئ التصدير، فالكويت تريد تصدير نفط المنطقة من موانئها، بينما السعودية تريد هي الأخرى التصدير من موانئها أيضاً.

ونُشرت العديد من المقالات بعدة لغات تتكلم عن الدوافع السياسية لوقف الإنتاج في المنطقة المقسومة، إلا أن ذلك لا يتعدى كونه تحليلات لعدم وجود أي إثباتات حتى الوقت الحالي، ولكن لا يمكن نفي العوامل السياسية المتعلقة بالموضوع.

كيف انتهت شركة "شيفرون" في المنطقة؟

واكتُشف حقل الوفرة من قبل شركتي "جيتي أويل" و"الشركة الأميركية المستقلة النفطية"، وقامت شركة "نفط الكويت" بشراء شركة "الشركة الأميركية المستقلة النفطية" في عام 1977، كما اشترت "تكساكو" شركة "جيتي أويل" في عام 1984، ثم اندمجت "شيفرون" مع "تكساكو" في 2001، الأمر الذي يفسر وجود شركة شيفرون الآن في المنطقة، وسُميت شركة "شيفرون السعودية" في 2007، وتدير الشركة حقل الوفرة نيابة عن السعودية مع شركة "نفط الخليج" الكويتية، نيابة عن الحكومة الكويتية، ويمكن لحقل الوفرة أن ينتج بين 200 و250 ألف برميل يومياً من النفط الثقيل الحامض (وزنه النوعي بين 18 و21)، ونظراً إلى ثقل النفط وقِدم الآبار، فإن تكاليف الإنتاج في الحقل عالية نسبياً، حيث يتطلب الأمر حقن الآبار ببخار الماء لتسهيل انسياب النفط، وهذه عملية مكلفة.

حقول الخفجي والحوت وتوابعهما

على خلاف حقل الوفرة، حقول الخفجي والحوت وغيرها حقول بحرية، وقد اكتشفت شركة الزيت العربية (اليابانية) حقل الخفجي في عام 1960، ثم حقل الحوت في عام 1963، إلا أن السعودية رفضت تجديد الامتياز لليابانيين في عام 2000 عند انتهاء الامتياز، لعدم رغبة اليابانيين في ضخ استثمارت جديدة في المنطقة، وكان اليابانيون مقتنعين تماماً أنه ليس أمام السعودية أي خيار سوى تجديد الامتياز، لذلك تجاهلوا مطالب السعودية، ونظراً إلى هذه القناعة، هبط خبر إلغاء الامتياز على الحكومة اليابانية واليابان ككل كهبوط الصاعقة، وليس هناك أدل من ذلك سوى الإعلام الياباني نفسه.

وقبل قرار السعودية إغلاق الحقل في أكتوبر (تشرين الأول) 2014، كانت شركتا أرامكو  لأعمال الخليج (إحدى شركات أرامكو) والشركة الكويتية لنفط الخليج تديران المشروع تحت مسمى "شركة عمليات الخفجي المشتركة"، وكان الحقل ينتج نحو 250 ألف برميل يومياً من النفط المتوسط الحامض (وزنه النوعي 28.5 درجة).

أثر عودة الإنتاج في الأسواق العالمية

وتستغرق عملية عودة الإنتاج بالطاقة الكاملة إلى المنطقة المقسومة والمقدرة بـ500 ألف برميل يومياً، شهوراً عِدة، لهذا لا يُتوقع أن يكون لها أي أثر في اتفاق "أوبك+" الحالي، الذي سيعاد تقييمه في شهر مارس (آذار) المقبل، ومن الواضح من تصريحات المسؤولين في السعودية أن عودة إنتاج المنطقة لن يضيف إلى الإنتاج الكلي، ولكن سيكون تعويضاً عن إنتاج حقول أخرى.

أما بشأن الجانب الكويتي، فإن الأمر غير معروف، وقد تشير تصريحات اليوم إلى ما إذا كان نصف الإنتاج الكويتي في المنطقة المحايدة سيمثل أي زيادة في الإنتاج، ومنطقياً قد تشترط السعودية التزام الكويت حصتها الإنتاجية، إلا أن المؤكد هو أن عودة الإنتاج إلى المنطقة المقسومة ستزيد من الطاقة الإنتاجية لكلا البلدين.

وأهم أثر لعودة إنتاج النفط في المنطقة المقسومة ليس الكمية التي ستُنتج، بل نوعية النفط، فهناك تخمة في الأسواق من النفط الخفيف، بينما هناك نقص في النفط المتوسط والثقيل، الأمر الذي يفسر تضاؤل الفروق السعرية في الشهور الأخيرة، ولعل السبب الرئيس في هذه المشكلة هو العقوبات على فنزويلا وإيران، وعدم قدرة العراق على زيادة الإنتاج، في ضوء تعذر تصدير كميات إضافية من النفط الكندي بسبب عدم وجود أنابيب كافية.

خلاصة القول أن أي اتفاق يسهم في عودة إنتاج النفط في المنطقة المقسومة سيعود بالخير على البلدين، وسيسهم في تخفيض الضغط على حقولها الأخرى، وسيزيد من طاقتهما الإنتاجية، في الوقت الذي سيتوافر فيه للعالم نوع مرغوب من النفط، وبغض النظر عن حصص "أوبك"، فإن أي تغيير لنظام الحكم في فنزويلا سيتطلب زيادة الإنتاج من النفط الثقيل للتعويض عن النفط الفنزويلي.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء