Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مستقبل العلاقات التركية الأميركية في ضوء العقوبات

أصبح أردوغان عبئاً كبيراً يثقل كاهل البلاد التي لا تطيق حمله بعد الآن

الصداقة مع ترمب إلى جانب معاداة أميركا طريقة أردوغانية لا تسمن ولا تغني من جوع (رويترز)

 

بدأت العلاقات التركية الأميركية في القرن الـ 18 من خلال الأنشطة التجارية الأميركية في موانئ البحر الأبيض المتوسط التي كانت ​​تحت سيطرة تركيا.

ولم تقع بين هذين البلدين حرب على مر التاريخ، بل تموقعت تركيا في الكتلة الأمنية الغربية التي تشكلت بقيادة الولايات المتحدة، وعام 1952 أصبحت عضواً في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ما فتح لها الطريق لتصبح شريكاً سياسياً وعسكرياً مع الولايات المتحدة، وتطور معها علاقاتها الثنائية، وتحصل على فرص التعاون معها في المجالات الاقتصادية والعسكرية والصناعات الدفاعية ومكافحة الإرهاب وتأمين وسائل الطاقة والتعليم.

وعلى الرغم من بعض حالات الفتور الطفيفة، لم تزل العلاقة بين أنقرة وواشنطن في تطور متزايد إلى أن بلغت فترتها الذهبية في عهد الرئيس الثامن تورغوت أوزال (1983-1993).

فكانت هذه الفترة بشكل عام تتسم بأجواء إيجابية من حيث السياسة الداخلية والخارجية للدولة التركية، وكانت سياسة هذه الفترة تعتمد على التحسن الاقتصادي والتطور الديمقراطي ورؤية جديدة واسعة في السياسة الخارجية ووضوح في الأهداف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد أُعيد تخطيط السياسية الخارجية في إطار تأسيس العلاقات السياسية والاقتصادية مع الدول الغربية والإسلامية وبالأخص مع دول الجوار على مبادئ راسخة ومعالم واضحة.

وباستثناء بعض التعثرات العابرة، واصلت حكومات حزب العدالة والتنمية بين عامي 2003 و2010 هي أيضاً السيرَ في الطريق التي فتحها تورغوت أوزال، فانتهجت سياسة تصفير المشاكل مع الجيران، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى. كما أنها نجحت في مواصلة علاقاتها الخارجية مع سائر الدول، وبالأخص مع الولايات المتحدة، في إطار المبادئ.

ولكن التقلبات التي عاشتها العلاقات التركية الأميركية في السنوات الأخيرة، ألحقت بتلك العلاقة أضراراً فادحة تُعتبر الأولى من نوعها في العلاقة بين البلدين.

وقبل حوالى 10 أيام، وافقت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي على قرار فرض عقوبات على تركيا بسبب شرائها صواريخ "S-400" من روسيا، وقيامها بالعمليات العسكرية في شمال شرقي سوريا.

وعلى الرغم من أن اللقاء الذي جمع بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والأميركي دونالد ترمب في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي كان قد أدى إلى نوع من التفاؤل في تخفيف حدة الأزمة، إلاّ أنّ ذلك لم يؤثر في تغير رأي أعضاء مجلس الشيوخ الذين صوّت معظمهم على تنفيذ العقوبات ضد تركيا، وأخيراً صادق عليه ترمب أيضاً.

نعم، هذه هي النتيجة الحتمية للسياسات التي تعتمد على الحسابات والمخاوف الشخصية بدلاً من استنادها إلى المبادئ وقواعد الاشتباك الاستراتيجية، والصداقة مع ترمب إلى جانب معاداة أميركا هي طريقة أردوغانية فريدة في نوعها لا تسمن ولا تغني من جوع.

ومن المؤكد أن واشنطن لا تستطيع أن تتسرع في إنهاء شراكتها الاستراتيجية مع تركيا، ولن تُنهيها بالفعل، بل ستحاول الضغط على أردوغان، ولكن ستكون تركيا هي التي ستدفع الفاتورة، وواقعُ العلاقةِ بين أردوغان وترمب يتلخّص في أن الرئيس التركي حاول من خلال نظيره الأميركي أن يجد طريقاً إلى التستر على القرار الذي اتخذه القضاء الأميركي بشأن التحقيق في أصول أردوغان الشخصية وأصول عائلته في الولايات المتحدة.

ولكنه، بطبيعة الحال، فشل في ذلك، وربما كان يظن أن النظام القضائي في أميركا سيتصرف مثل النظام القضائي في تركيا، وبعدما خاب ظنه في ترمب، لا نستغرب أن يجد الملاذ الأخير في الرجوع إلى هتافات دينية أو قومية فاشية.

ولربما سنسمع منه في الأيام المقبلة تصريحات نارية من أمثال "سنخرج من حلف الناتو"، "لن نشتري طائرات F 15"، "سنغلق القواعد الأميركية"، "التحالف الصليبي ضدنا". كما أنه من المتوقع أن تدوي في كل مكان هتافات حول، الأمة والقرآن والمظلومين وفلسطين وغزة.

ومن المعروف لدى المتابعين للشأن التركي أن رجب طيب أردوغان، لسوء الحظ، يجيد التلاعب بعقول الجماهير من خلال هذه المصطلحات، واستخدم التكتيك ذاته، عندما افتضحت سرقاته الهائلة في 17-25 ديسمبر (كانون الأول) 2013، من خلال القضاء.

ولنعُد إلى موضوعنا الرئيس لنقول إنه إذا أردنا أن نعرف إلى ما ستؤول إليه العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، فسيكفينا أن نلقي نظرة على القرارات المتخذة بشأن فرض العقوبات في مجلس النواب الأميركي. وبالفعل، لم يستطع ترمب أيضاً أن يقاوم مجلس الشيوخ، بل صادق على هذا القرار الذي ينص على الأمور الآتية: أن يتم تطبيق قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات (CAATSA) خلال شهر واحد، وأن يعارض ممثلو الولايات المتحدة وصول تركيا إلى المؤسسات المالية الدولية، وأن يتم حظر بيع الأسلحة والذخيرة الي استخدمتها تركيا أو من المحتمل أن تستخدمها في شمال سوريا، وأن يشمل الحظرُ الأطراف التي تبيع هذه الأسلحة لتركيا.

وينص القرار أيضاً على إعداد تقرير حول ممتلكات أردوغان وأصوله المالية، وفرض عقوبات على بنك خلق الحكومي، والمؤسسات المالية الداعمة للعمليات التركية ضد شمال سوريا. كما أنه يفرض عقوبات على أشخاص مثل وزير الدفاع خلوصي آكار ووزير المالية بَراتْ ألبيرق، وكذلك رئيس الأركان ومسؤولين كبار في الجيش والسلك الحكومي.

ومن الواضح أنه يتم استبعاد تركيا من الإطار الاستراتيجي الجديد والمهم في منطقة الشرق الأوسط، ومن تجليات القدر أن ترمب هو أيضاً في موقف صعب بسبب تعرضه لطلبات العزل، وبالتالي يحتاج إلى تحرك خطير يخلصه من هذه الحالة الحرجة، ولا يستبعد عقلي أن يكون أردوغان أداة صالحة يلعب عليها نظيره الأميركي في هذا المجال، إذ يستغل موقف الرئيس التركي الصعب بالتواطؤ مع بوتين، ليركلاه في ما بينهما مثل كرة تتراوح بين قدمي لاعبين. ولكن في مثل هذه الحالة سيكون الشعب التركي هو الخاسر.

وأخيراً أقول: صحيح أن العلاقات التركية الأميركية تمر بأسوأ فتراتها، وربما تعيش فتوراً أيضاً، ولكن العلاقات لن تنقطع كلياً، فإن ذلك سيؤدي إلى مشاكل خطيرة بالنسبة إلى أميركا وإلى توازن الأوضاع في المنطقة، وواضح أنه أصبح من الصعب في ظل حكم أردوغان أن تحافظ تركيا على منظومة علاقات واقعية ووظيفية تتواءم مع الحقائق الإقليمية والعالمية الحالية، إضافةً إلى حفاظها على مصالحها القومية.

فقد أصبحت السياسية الخارجية في تركيا مستندة إلى ردات فعل عاطفية تجاه سياسات الآخرين، ودائرة في محور السياسة الداخلية، خالية من رؤية استراتيجية بعيدة المدى.

ولكن هذه السياسة فضلاً عن كونها "تركية"، هي "أردوغانية" بحتة، أدت إلى تأزم العلاقات ليس مع واشنطن فقط، بل صارت البلاد تعاني من الأزمات مع دول الشرق الأوسط ودول الجوار والاتحاد الأوروبي أيضاً.

بالتالي، فقد أصبح أردوغان عبئاً كبيراً يثقل كاهل تركيا، ولا تطيق البلاد حمله بعد الآن.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء