Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريكست وحروب التجارة الدولية أبطأت الاقتصاد البريطاني في 2019

توقعات غير متفائلة بمستقبل اقتصاد المملكة المتحدة رغم فوز المحافظين بأغلبية

فوز رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يحسم معركة بريكست  (أ.ف.ب)

رغم أن عام 2019 لم يكن جيداً للاقتصاد العالمي ككل، فإن الاقتصاد البريطاني عانى بشكل خاص من تبعات عاملين أساسيين، هما وضع الاقتصاد العالمي، بخاصة الحروب التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين، وعدم اليقين الناجم عن تأجيل موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، وما صاحبه من فوضى سياسية انتهت بانتخابات مبكرة.

ويعتمد هذا التقرير على تقييم أساسي لمصدرين رئيسيين، من خلال بياناتهما المختلفة على مدار العام وكذلك التوقعات للعام المقبل، وهما بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) وغرفة التجارة البريطانية، وكان تقييم بنك إنجلترا من البداية أن "البريكست"، حتى لو جرى حسب استفتاء 2016 في موعده ومن دون الاضطرابات التي حدثت هذا العام، سيكون له أثر سلبي على الاقتصاد البريطاني.

ولا يقتصر الأمر على ما سيكون على بريطانيا دفعه للاتحاد الأوروبي مقابل الخروج (أكثر من 60 مليار دولار)، وإنما لاعتماد بريطانيا على دول الاتحاد كشريك تجاري رئيس تزيد حصته على نصف تجارة بريطانيا، وكذلك فقدان حي المال والأعمال في لندن (سيتي أوف لندن) عدداً من المؤسسات المالية العالمية الكبرى مع ما يعنيه ذلك من هبوط حاد في تدفقات الأموال في الاقتصاد البريطاني.

وهناك عدد كبير من الاقتصاديين يوافق على رؤية البنك المركزي، رغم الدعاية السياسية التي صاحبت الاستفتاء على "البريكست" قبل أكثر من ثلاث سنوات، وكسب بها المحافظون الانتخابات الأخيرة هذا الشهر، بأن "البريكست" سيجعل اقتصاد بريطانيا أفضل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تفادي الركود

وتفادى الاقتصاد البريطاني الركود "تقنياً" مع إعلان مكتب الإحصاء الوطني أن الربع الثالث، من يوليو (تموز) إلى سبتمبر (أيلول)، شهد نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.4%، ويعد أي اقتصاد تقنياً في حالة ركود إذا انكمش الناتج المحلي الإجمالي ربعين متتاليين في العام، وكان الناتج المحلي الإجمالي البريطاني انكمش بالفعل في الربع الثاني من أبريل (نيسان) إلى يونيو (حزيران) بنسبة 0.2-%، بينما حقق نمواً في الربع الأول بنسبة تزيد على نصف نقطة مئوية.

أما سبب نمو الربع الأول فيعود إلى زيادة كبيرة في النشاط التجاري استعداداً للموعد الأصلي لـلبريكست في 31 مارس (آذار)، قبل أن يؤجل أكثر من مرة إلى 12 أبريل، ثم 31 أكتوبر (تشرين الأول)، ثم أخيراً إلى 31 يناير (كانون الثاني) 2020، ويرى أغلب المحللين أن تجارة الربعين الأول والثاني تكدست كلها في الربع الأول تحسباً للبريكست، ما أدى حتماً إلى انكماش الاقتصاد في الربع الثاني.

وربما لهذا السبب، مع توقع أن ينجز رئيس الوزراء بوريس جونسون البريكست في موعده نهاية يناير، لا تزيد توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الرابع والأخير من العام على نصف ما حققه الاقتصاد في الربع الثالث، أي 0.2%.

وتؤكد تقديرات الاقتصاديين ما صدر عن مكتب الإحصاء الوطني بشأن زيادة صادرات السلع في الربع الثالث، ما أدى بدوره إلى انخفاض عجز الحساب الجاري إلى 21 مليار دولار (15.86 مليار جنيه إسترليني)، بينما كان العجز في الربع الثاني 32 مليار دولار (24.15 مليار جنيه إسترليني).

في النهاية، تكاد تجمع المؤسسات شبه الرسمية على توقع أن يحقق الناتج المحلي الإجمالي البريطاني نمواً في 2019 في حدود 1.3%، بعدما حقق فعلياً نمواً بنسبة 1.1% في الأشهر التسعة الأولى من العام التي صدرت أرقامها النهائية حتى الآن (أرقام الربع الرابع والأخير تصدر في بداية 2020).

تباطؤ شديد

ومع ذلك يظل نمو الاقتصاد البريطاني أقل من نصف معدل نمو الاقتصاد العالمي المتوقع لعام 2019 (ما بين 3 و3.5%)، وبالكاد يتجاوز نصف معدل نمو اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي (في المتوسط) للعام.

ويعود هذا التباطؤ إلى عوامل محلية داخلية بريطانية، بالإضافة إلى العاملين الأساسيين، وهما الحروب التجارية في العالم ومشكلات البريكست، وإذا كانت الحروب التجارية تؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي ككل واقتصاد أغلب دول العالم، فيمكن إخراج هذا العامل من المعادلة عند مقارنة أداء الاقتصاد البريطاني بأي اقتصاد لدولة من دول مجموعة الدول المتقدمة.

يبقى السبب الرئيس في تباطؤ الاقتصاد البريطاني الشديد، وبمعدل أكبر مما هو الحال في بقية الدول الرأسمالية الرئيسة، وهو مشكلة البريكست، ليس فقط للأسباب التي أكد عليها بنك إنجلترا، وإنما نتيجة عدم اليقين خلال هذا العام الذي أدى إلى فقدان الثقة.

ولعل أبرز دليل على ذلك ما جاء في أحدث أرقام غرفة التجارة البريطانية عن انكماش الاستثمار في الأعمال في 2019 بنسبة 1-%، ويرجع ذلك بالطبع إلى تردد المستثمرين في شراء الأصول البريطانية نتيجة فقدان الثقة مع الاضطراب بشأن البريكست.

وبالإضافة إلى ذلك فإنه منذ اختار الناخبون البريطانيون الخروج من الاتحاد الأوروبي، بدأت كبرى المصارف الاستثمارية والمؤسسات المالية البحث عن مكان آخر غير لندن، لعدم وضوح ما ستكون عليه الإجراءات واللوائح التي يتعاملون على أساسها منذ أربعة عقود (أي الإجراءات الأوروبية التي سرت في بريطانيا كعضو في الاتحاد).

وبحلول الربع الأول من العام كانت بعض تلك المصارف وبيوت المال الكبرى إما نقلت القدر الأكبر من نشاطها إلى مراكز أوروبية كفرانكفورت مثلاً، أو على الأقل قلَّصت وجود مقارها الرئيسة في لندن، ولا تقتصر تبعات ذلك على القطاع المالي والمصرفي من تسريح عاملين وتضاؤل فرص العمل أمام البريطانيين، وإنما أيضاً ما كان يفيد الاقتصاد البريطاني من عمليات بالمليارات تُجرى يوميا عبر تلك المراكز في لندن.

هذا من دون أن نعدد القطاعات الأخرى التي تأثرت سلباً بالبريكست حتى قبل إنجازه من زراعة وتصنيع وبناء وتشييد، إلخ.

توقعات غير متفائلة

ورغم الفوز الكبير لحزب المحافظين في الانتخابات المبكرة بما يضمن لبوريس جونسون تنفيذ البريكست في موعده، فإن العوامل التي ضغطت على الاقتصاد البريطاني نحو التباطؤ والتراجع لا تزال موجودة، بل إنها مرشحة للتفاعل مع إصرار جونسون على عدم تمديد فترة التفاوض مع الاتحاد الأوروبي على ترتيبات الخروج إلى ما بعد نهاية العام المقبل، ما يفتح الباب أمام احتمال الخروج من دون اتفاق في يناير 2021.

والمؤشر الأهم هو ما صدر عن غرفة التجارة البريطانية من توقع استمرار انكماش الاستثمار في الأعمال ليكون بنسبة 0.7-% في 2020، ولا يُتوقع أن تزيد نسبة النمو في الإنفاق الحكومي كثيراً على تقديرات عام 2019 عند 3.3%، إنما الأهم أن اقتراض الحكومة والقطاع العام مرشح للزيادة الهائلة، إذ تتوقع الغرفة أن تقترض الحكومة ما يصل إلى 111 مليار دولار (83.4 مليار جنيه إسترليني) في السنوات الثلاث المقبلة، وبغض النظر عن عبء زيادة حجم الدين ونسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي فإن هذا سيزيد من الأعباء على الميزانية.

وإذا كانت التوقعات باستمرار زيادة الأجور بأكثر من معدل التضخم، فإن الأرجح ألا يزيد ذلك من الضغوط التضخمية، كما أن الإنفاق الاستهلاكي ربما لا يزيد كثيراً على نسبته في 2019 عند 1.1%، ومعروف أن الإنفاق الاستهلاكي يمثل العمود الفقري لنمو الناتج المحلي الإجمالي.

وكان للبريكست بكل مشكلاته الأثر الأكبر في التراجع الاقتصادي في 2019، وهو أيضاً مرشح لأن يكون السبب الرئيس وراء عدم تعافي الاقتصاد على الأقل في العامين المقبلين.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد