عندما يتعلق الأمر بوجهتيْ النظر السائدتيْن حول بوريس جونسون، اقتنعت مدينة لندن بأن النظرة الأكثر تفاؤلاً تشكّل النظرة الصائبة، وترى أن جونسون في الحقيقة من نوع المحافظين المؤمنين بوحدة الأمة، كما عرفته المدينة عندما عمل عمدةً لبلدية لندن، وأنه سيعود إلى طبيعته إذا حصل على أغلبيته.
يمكن تفهُّم ذلك نوعا ما، إذ لم يكن المركز المالي وحده المكان الذي توقع الناس فيه أن يجنحَ إلى الوسط رئيسُ وزراءٍ اعتمد بدرجة أقل على المتطرفين في "مجموعة البحث الأوروبية".
لكن المشكلة مع هذا التقييم تكمن في أن كل ما قاله وفعله هذا الرجل، منذ دخوله إلى البرلمان، يكشف أن صفته الحقيقية التي تنطبق عليه تتمثّل في بوريس السيء... ذلك الشعبوي اليميني المتشدد، المرادف لترمب.
ثم هناك أشخاص من حوله، كدومينيك كامينغز ورواد حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي الذين يهيمنون على مطبخ الحكومة.
ولأن الأمر كذلك، ما كان ينبغي أن نتفاجأ عندما تحدث جونسون، بعد بضعة أيام من وعده ببدء إجراءات "التعافي"، عن ثورة في الخدمة المدنية، ومقاطعة برنامج "بي بي سي توداي" على الرغم من ميوله اليمينية، والآن نرى تشريعاً لإعادة البريكست من دون صفقة، مرة أخرى إلى الطاولة عن طريق الحد من مدة صفقة الانتقال التي بموجبها ستكون المملكة المتحدة خارج الاتحاد مع البقاء في السوق الموحدة ومُلزَمةً بقواعده، حتى نهاية العام.
جاءت استجابة الأسواق المالية متوقعة للغاية. فقد سقط الجنيه من وضعه المريح، وفقد مكاسبه التي حققها قبل الانتخابات. وسجلت الأسهم ذات التركيز الداخلي البريطاني أداءً مماثلاً. إذ انتهز المستثمرون الأذكياء الذين دخلوا سوق المال في فترة "قفزة بوريس" القصيرة بعد الانتخابات، الفرصة للخروج بربح جيد قبل بدء حمام الدم.
كان مؤشر "فاينانشيال تايمز 100"، الذي يتكوّن إلى حد كبير من الشركات العالمية، ثابتاً بشكل أساسي. في المقابل، انخفض بشدّة مؤشر "فاينانشال تايمز 250" الذي يضم شركات الدرجة الثانية التي تركز إلى حد كبير على المملكة المتحدة، وخسر قرابة 300 نقطة عند أدنى مستوياته.
وقد حدث ذلك على الرغم من التخفيض الكبير في تقييم أسهم الشركات البريطانية بالمقارنة مع بقية العالم. وفي هذا الصدد، أوضّح سايمون فرنش من شركة "بانميور غوردون" في سلسلة من التغريدات، أن السوق البريطاني دخل فترة ما قبل الانتخابات مع تخفيض بـ20 في المائة بالمقارنة مع بقية العالم.
في المقابل، عند النظر إلى الشركات المحلية، نجد أن التخفيض كان أكثر من 35 في المائة، بعد أن وصل إلى 50 في المائة في يوليو. كان يجب أن يكون هذا بمثابة نعمة للباحثين عن القيمة، لكن بعد عودة الخروج بلا صفقة إلى الطاولة، سقط السقف وهرع المستثمرون للخروج، وذلك الأمر يتحدث عن واقع الأزمة.
يمكننا أن نلخص كل ما يجري تحت عنوان "الواقع يلدغ". وبعيدًا عن "تنفيذ البريكست،" ستستمر الأزمة في طوابق التداول كرائحة كريهة معظم العام المقبل وربما حتى ما بعده، خصوصاً مع وجود حافة هاوية أخرى تلوح في الأفق في ديسمبر2020.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن ناحية اخرى، استفاد "ستاندرد بنك" ("بي ال سي") البريطاني من السياسة الضريبية الأكثر توسعية على مدار أكثر من عقد من حكم المحافظين. ولم يتضح بعد إن كان ذلك سيكفي لمساعدته على الخروج من مساره البطيء. لكن على أية حال، هناك شكوك حول قدرة وزير الخزانة ساجيد جاويد عل المناورة بالنظر إلى أن "مكتب مسؤولية الميزانية" ضاعف تقديره للاقتراض على مدى السنوات الخمس المقبلة قبل الأخذ في الاعتبار وعود الإنفاق لحزب المحافظين.
ويجدر التساؤل عن الثمن الذي سيدفعه ربما "مكتب مسؤولية الميزانية" عن تحذيراته تلك. ربما يغلقه، لأن هذه الحكومة ليست معجبة كثيراً بأولئك الذين يقولون الحقائق المزعجة.
لقد أشاد جاويد بأحدث إحصاءات التوظيف الرسمية التي أظهرت أن معدل البطالة لا يزال في أدنى مستوياته منذ 45 عاماً، لكن عند النظر خلف الشعارات الرخيصة نجد أن الصورة ليست جميلة بالقدر الذي تبدو فيه. إذ يتباطأ نمو الأجور، فيما حذر "معهد المديرين" من انخفاض الوظائف الجديدة لدى الشركات.
إنّ الحديث عن تحرير "إمكانات بريطانيا" أمر جيد ورائع، لكن كيف ستفعل ذلك يا سيد جاويد؟ هل لديك حتى أدنى فكرة؟ أظن أنه ليست لديك فكرة، لذلك أتوقع أن نحصل على كثير من الشعارات الرخيصة في الأشهر المقبلة التي يبدو أنها ستكون صعبة.
لقد قدم "اتحاد الصناعة البريطانية" دليلاً إضافياً على ذلك. إذ ذكر أن حجم الإنتاج الصناعي انخفض في الأشهر الثلاثة حتى ديسمبر، وبات في أسرع وتيرة له منذ الأزمة المالية.
هل نتذكر هذا؟ قد نكون على مشارف أزمة جديدة من منظور اقتصادي. إذ لا يلدغ واقع جونسون قطاع المال والأعمال فحسب، بل يلدغ الحكومة وسائر الناس معها. هذا صعب، لكن إلى أي حد سيتحمل الناس الشعارات بعد ذلك؟ حسنا، ذلك ما يشكّل السؤال الكبير، أليس كذلك؟
© The Independent