في كل الاتجاهات تتحرَّك الحكومة السعودية لتجاوز أزمة الاعتماد الكلي على عائدات بيع النفط، وبالفعل أدخلت الحكومة تعديلات ضخمة وعلى كل القطاعات الاستثمارية في إطار تحسين بيئة ومناخ الأعمال، التي كان من بينها تطوير منظومة الإقامة في البلاد لتتماشى مع "رؤية 2030".
ففي منتصف مايو (أيار) الماضي، أقرّ مجلس الوزراء السعودي نظام "الإقامة المُميّزة" المعروف بـ"البطاقة الخضراء" أو الـ"غرين كارد"، الذي يُعد بديلاً لنظام الكفيل، ويتيح منح الوافدين الأجانب إقامات دائمة أو مؤقتة بالسعودية بمزايا عديدة وغير مسبوقة لهم ولعائلاتهم.
كانت البداية في أبريل (نيسان) من العام 2016، حينما أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان اعتزامه تطبيق نظام جديد شبيه بالنظام الأميركي أو الـ"غرين كارد" أو "البطاقة الخضراء"، ليتيح للمقيمين جميع مميزات المواطن السعودي، دون السماح لحامليه بالحصول على الجنسية السعودية مُطلقّاً.
وأكد ولي العهد السعودي، أن مشروع البطاقة الخضراء سيمكّن العرب والمسلمين من العيش طويلاً بالسعودية، وأنه سيكون رافداً من روافد الاستثمار في البلاد، وأنه سيطبق خلال السنوات الخمس المقبلة.
ما شروط الاستفادة من النظام الجديد؟
المشروع الذي بدأ تطبيقه منتصف العام الحالي، يتضمن منح نوعين من الإقامة، الأولى هي الإقامة الدائمة غير المُحدّدة المدة، والثانية هي إقامة مؤقّتة لسنة واحدة قابلة للتجديد، مقابل دفع رسوم خاصة تُحدّدها اللائحة التنفيذية، تمنح صاحبها عدداً من المزايا، من ضمنها ممارسة الأعمال التجارية وفق ضوابط محددة.
ويتضمن النظام الجديد شروطاً لمنح الإقامة المميزة، أبرزها وجود جواز سفر ساري المفعول أو إقامة نظامية للمقيمين بالفعل بالسعودية، وتقرير صحي يثبت خلو المتقدم من الأمراض المعدية، وسجل جنائي خالٍ من السوابق، ولا يقل العمر عن 21 عاماً.
يمنح المشروع للمُقيم مزايا عديدة، منها الإقامة مع أسرته، واستصدار زيارة للأقارب، واستقدام العمالة، وامتلاك العقار ووسائل النقل، كما يسمح لحامِل الإقامة المُميّزة بحرية الخروج من السعودية والعودة إليها ذاتياً، ومزاولة التجارة في أي وقت.
ويحظُر نظام الإقامة المميزة على الوافدين الأجانب العمل في مهن السعوديين، وذلك حرصاً من الحكومة على عدم مزاحمة السعوديين في أعمالهم، كما يعمل النظام الجديد على تعزيز التنافسية وتمكين السعودية من استقطاب مستثمرين وكفاءات نوعية، هذا إضافة إلى أنه يحدّ من ظاهرة التستّر أو الاقتصاد الخفي.
كم تبلغ تكلفة الإقامة المميزة؟
وبموجب اللائحة التنفيذية لهذا النظام، تتحدّد شروط وإجراءات التقدّم لحصول غير السعودي، سواء كان مُقيماً داخل البلاد أو قادماً من الخارج، على إقامة مميزة تتضمن المزايا التي حددها النظام مدة سنة قابلة للتجديد أو مدة غير محددة.
وأنشأت السعودية مركزاً يُسمّى مركز الإقامة المميزة يختص بشؤون هذا النوع من الإقامة، ويقوم المركز الذي يتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري بإشراف لجنة وزارية، بالإعلان تِباعاً عن التفاصيل المتصلة باللائحة التنفيذية، وآلية استقبال طلبات الراغبين بالحصول على الإقامة المميزة، ووسائل التواصل معه ومراكز العمل التابعة إليه.
ويوفر مركز الإقامة المميزة بالسعودية نوعين من الإقامة، الأولى غير محددة المدة، ويحصل عليها المُتقدّم بعد استيفاء الشروط النظامية، ودفع مبلغ 800 ألف ريال سعودي (213.33 ألف دولار) لمرة واحدة.
أمَّا الثانية وهي إقامة سنة واحدة (قابلة للتجديد)، فيحصل عليها المتقدم بعد استيفاء الشروط النظامية، ودفع مبلغ 100 ألف ريال سعودي (26.66 ألف دولار) في السنة الواحدة، وفي حال رَغِبَ المتقدم في منحه مدة تزيد على سنة، فيحصل على تخفيض بنسبة 2% لكل سنة وبصورة تراكمية.
النظام يواجه التستر وتهريب الأموال
الخبير الاقتصادي فضل البوعينين قال، عبر صفحته الشخصية على (تويتر)، إن "الإقامة المميزة تحارب التستر التجاري في السعودية".
وأوضح أن مشروع "الإقامة المميزة"، لم يكن "وليد اللحظة"، بل بدأت ملامحه الأولية في العام 2016 ضمن تصريحات صحافية لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وذلك ضمن رؤية 2030 التي أطلقها آنذاك.
والإقامة المميزة من أدوات جذب الاستثمارات وتعزيز الإيرادات العامة ومعالجة مشكلات اقتصادية مؤثرة كالتستر وتهريب الأموال خارج البلاد، فعلى سبيل المثال بلغت تحويلات غير السعوديين للخارج العام 2018 ما يقرب من 136 مليار ريال (36.26 مليار دولار).
وتحتل السعودية المرتبة الثانية عالمياً في حجم الحوالات المالية بعد الولايات المتحدة الأميركية، والأكيد أن هذه الحوالات ليس لها علاقة بالأجور والرواتب، بل باستثمارات يتم التستر عليها، وليس لها علاقة بالاقتصاد الرسمي.
وأضاف، "أعتقد أن نظام الإقامة المميزة من الحلول العملية لمعالجة مشكلة التستر وكذلك مشكلة الحوالات المالية، إذ سيتمكَّن المستثمرون النظاميون من إبقاء أموالهم بطريقة شرعية وهم آمنون، وهذا سيدفعهم إلى مزيدٍ من الاستثمارات، وتوطين عوائدهم المالية".
وتابع، "الإقامة المميزة ستشجِّع الوافدين المخالفين الذين يستثمرون أموالهم في الاقتصاد الأسود إلى التحوَّل نحو الاقتصاد الرسمي بأسمائهم الصريحة، وهذا سيُسهم في توطين العوائد المالية بدل تحويلها، كما أنهم سيتحمّلون الرسوم والضرائب النظامية، التي لا يدفعونها بنظام التستر".
وأشار إلى أن هذا الإجراء سوف يعمل على دعم التحوّل الاقتصادي المنهجي في السعودية وطرح المشروعات التنموية الكبرى الكثير من الفرص الضخمة، وسيحتاج أيضا إلى الكفاءات والعقول والأموال التي يشعر أصحابها بالانتماء للوطن، فيساهمون في البناء وتعزيز الاقتصاد".
لافتاً إلى أن كثيراً من الدول، ومنها الغربية وبعض العربية، تعطي مزايا الإقامة والجنسية أيضاً للمستثمرين، وتعتبرها من "أدوات الجذب الاستثماري وجذب أصحاب العقول والابتكارات والمبدعين".
5 مكاسب... أهمها تشجيع وجذب الاستثمارات
في معرض تعليقها على المكاسب التي تحصدها السعودية من تطبيق نظام الإقامة المميزة، قالت وزارة التجارة والاستثمار السعودية، إن المكاسب الأساسية للاقتصاد السعودي من هذا النظام الجديد للإقامة، تتمثل في "5 محاور أساسية"، أولها في أن النظام سيكون له "دور جاذب للمستثمرين يُسهم في القضاء على التستر التجاري، وتعزيز التنافسية، وتطوير وتحسين البيئة الاستثمارية، وجذب استثمارات مباشرة ومشروعات نوعية".
وأوضحت وزارة التجارة، أن من بين المكاسب الأخرى لنظام الإقامة المميزة أيضاً، "دخول منشآت جديدة قادرة على التوسع والنمو، واستقطاب رواد الأعمال المبتكرين والمبدعين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن المتوقع أن تحصل السعودية من خلال تطبيق هذا النظام على "أكثر من 10 مليارات دولار سنوياً"، كما أنه يعمل على "تشجيع وجذب الاستثمارات الأجنبية والعربية والخليجية"، إضافة إلى "تحرير الأصول المُجمّدة وتقليص التحويلات للخارج مع إلغاء نظام الكفيل".
وقبل تطبيق هذا النظام، كان يعمل بالسعودية نحو 10 ملايين مغترب، ويعيشون في البلاد وفقاً لنظام الكفيل الذي كان يُلزِمهم بالعمل تحت كفالة صاحب عمل سعودي، ويشترط أن تصدر لهم تأشيرات خروج أو خروج وعودة إذا أرادوا مغادرة السعودية.
أمَّا الخبير البوعينين، فأشار إلى أن إيجابيات الإقامة المميزة لا تعني عدم وجود سلبيات، وهذا أمر طبيعي في كل مشروع.
وأضاف، "أعتقد أن شروط ومزايا الإقامة المميزة دُرِسَت بشكل عميق لخفض انعكاساتها السلبية وتعظيم منفعتها، وما أرجوه أن تكون المراجعة الدورية حاضرة لمعالجة أي خلل قد يظهر خلال التطبيق، وأن تكون هناك فترة حضانة تجريبية لكشف المخرجات وتدقيقها".