"طرابلس خندقٌ غميقٌ بوجه السلطة"، عبارة تختصر أهداف التحرُّك الشعبي في طرابلس ضد الطائفية، ففي عاصمة الشمال عاد المواطنون مساء الأربعاء 18 ديسمبر (كانون الأول)، بكثافة إلى الشارع ليؤكدوا وقوفهم جنباً إلى جنب في مواجهة دعوات التفرقة، ووضع شارع بوجه شارع لإنقاذ السلطة التي تسلَّحت بسياسة "فرق تسد".
شجرة "النيني" صامدة
لم ينتظر أبناء طرابلس كثيراً لإعادة بناء شجرة الميلاد عند دوار مستشفى "النيني"، في أعقاب إحراقها من قبل مجهولين تتعقبهم القوى الأمنية، ومنذ ساعات الصباح تجمّع شبان من كل المناطق الشمالية للتأكيد على العيش المشترك، وأسهمت مواقع التواصل الاجتماعي في تحفيز عدد كبير من الناشطين للتحرك، وإظهار صورة وحدوية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتؤكد الناشطة آية شمرا، أن ليس لديهم معلومات حول من أحرق الشجرة أو كيفية إحراقها، لافتة إلى أن ما يجب تسليط الضوء عليه هو اندفاع شبان لا يعرفون بعضهم بعضا للعمل جنباً إلى جنب للمشاركة في نشر فرح الميلاد بالمدينة.
ولم تأتِ مبادرة إقامة شجرة "النيني" من فراغ، فمنذ 10 سنوات يقوم متطوعون في طرابلس ببناء الشجرة في مواقع عدة، ويبلغ عددها أربعاً، وتسهم هذه المبادرات في تحسين صورة عاصمة الشمال، حسب ما تقول شمرا، التي تركز على أن المجتمع الطرابلسي "تعددي، وعلى مرّ التاريخ قدمت المدينة نموذجاً متنوعاً".
لا للطائفية
وخرجت طرابلس بموقف موحد بوجه دعوات الفتنة، وجابت شوارع المدينة تظاهرات حاشدة لتأكيد تحميل السلطة الطائفية مسؤولية دفع البلاد نحو الخراب. وجمعت التظاهرة كل الشرائح الطرابلسية التي أعلنت خلع عباءة الزعيم، ودعت إلى وحدة المنتفضين في وجه "الطابور الخامس" و"المندسين"، كما أعلنت عدم المسؤولية عن الفيديوهات المشبوهة التي لا تمثل إلا أصحابها.
ويشير الأستاذ الجامعي الناشط الدكتور سامر أنوس إلى أن الطائفية هي "السلاح غير الشرعي الذي تملكه السلطة، ولن تتأخر في استخدامه إلى جانب تفقير الناس واعتقال الناشطين وممارسة الإرهاب الفكري بمواجهة قادة الرأي".
ويعتقد أنوس، أن هذه التحركات "تبرز حجم الوعي لدى المنتفضين واستمرار الوقوف في وجه محاولات شق الصف"، ويتهم أركان السلطة بإعادة استخدام الأسلوب القديم نفسه المبنيّ على "شيطنة طرابلس"، ويضع التحرك ضد الطائفية ضمن "نقاط القوة" التي يملكها الشارع، فهو يقول للسياسيين "نحن نعلم ألاعيبكم، ولن نُستدرج إليها".
تحية إلى النبطية
ووجه المتظاهرون تحية إلى منتفضي النبطية وكفر رمان لأنهم لم يتأخروا في رفع الصوت بوجه زعماء الطوائف، وأعلنوا عدم رضوخهم لعمليات الإحراق التي طاولت الخيم وأشجار عيد الميلاد. ويلفت وديع أيوب أحد منظمي التحرك، إلى أن طرابلس أكدت أنها حاضنة لكل القوى التي تواجه السلطة الطائفية، ويقلل أيوب من شأن المراهنين على ملل قد يصيب المنتفضين، لأن المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من التحركات السلمية، وستواجه كل محاولات المسّ بالشعب اللبناني وانتفاضته.
كما عبّر المتظاهرون عن موقف واضح حيال فيديوهات الفتنة، فهم ليسوا في موقع تبرير أي موقف موتور، ويشير أيوب إلى أن الناس تحركوا كردة فعل رافضة مقولات "شتم الأديان"، لأنها لا تمثل أي بيئة اجتماعية أو ثقافية لبنانية.
موقف رافض تشويه الانتفاضة
وأوجدت عمليات التوتير الطائفي التي شهدها لبنان في الأيام الأخيرة شعوراً بأن هناك محاولة لـ"خنق الانتفاضة"، ومحاصرتها بالخطاب المذهبي والمناطقي.
ويبرر وليد الأيوبي مؤسس "ثورة بلا حدود"، أن "هناك هاجساً من الانجرار إلى فتنة طائفية"، مذكراً بسلسلة الفتن التي قطّعت أوصال لبنان ودمرته، بدءاً من ثورة الفلاحين التي قادها طانيوس شاهين وصولاً إلى الحرب الأهلية اللبنانية، إذ بدأت حركات مطلبية ووصلت إلى ابتلاع الخطاب المدني لصالح الدعوة الطائفية.
ويشدد الأيوبي على أن "هذه الثورة لا صديق لها إلّا أهلها، لأنها تطرح شعارات مبدئية وأخلاقية سامية، لا يمكن أن تقبلها التركيبة الطائفية"، داعياً إلى عدم ترك الثغرات التي يمكن الولوج منها للتخريب. ويعتقد أن السجال الذي ظهر في أعقاب انتشار فيديوهات الفتنة الطائفية، جاء ليحذر من أن عود كبريت "الفتنة"، يمكن أن يحرق كومة قش، معلناً تصدي الانتفاضة لعدوى الفتن التي أكلت الأخضر واليابس في بعض دول الجوار من سوريا إلى العراق.