Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ناخبو ترمب لم يستفيدوا من ازدهار الاقتصاد خلال ولايته

اتضح المدى الحقيقي لما فعله ترمب للأميركيين الذين يتقاضون رواتب... والجمهوريون الذين يتقصون الآراء في الانتخابات المقبلة يعيشون حالة ذعر

الرئيس الأميركي دونالد ترمب، انتهج سياسة اقتصادية ناجحة ولكنها أهملت شرائح ناخبيه (أ.ب.)

يبحث دونالد ترمب بقلق منذ ستة أشهر عن مخرج من حربه التجارية المدمرة مع الصين. وقد صدرت أخيراً مؤشرات اقتصادية مزعجة مبينة أن الاقتصاد الأميركي قد يكون أشد ضعفاً في ظله، مما كان متوقعاً. وهذه أخبار سيئة قد تؤثر سلباً في احتمالات فوزه المهزوزة سلفاً بولاية رئاسية جديدة. 

وتأتي موجة القلق الاقتصادي الجديدة في الولايات المتحدة الأميركية حاليا في أعقاب تراجع "مؤشر التصنيع" الصادر عن معهد إدارة الامدادات ISM. وهذا مؤشر يتصل بأداء المصانع والانتاج الصناعي في البلاد، شهد مزيداً من الهبوط حتى وصل إلى حالة من الركود في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ويتتبع مؤشر التصنيع عدد الشركات المصنعة التي تُخطط لتوسيع نطاق عملياتها في الأشهر المقبلة، علماً أنه في حالة تسجيله نقاطاً أقل من 50 نقطة فهذا يعني أن كبار المصنعين الأميركيين يتوقعون حدوث انكماش اقتصادي.

ويعد التذبذب سمة معروفة لمؤشر التصنيع، لكن الاتجاهات الأخيرة يجب أن تقلق عمال المناطق التي تسمى "حزام الصدأ" والممتدة من نيويورك إلى ولايات وسط أميركا، الذين يعتمدون على المصانع للحصول على لقمة العيش. ويصادف شهر نوفمبر الماضي الشهر الرابع على التوالي للانكماش في المؤشر، ما يدل بشكل تقريبي على حصول هبوط حاد في طلبيات التصنيع الجديدة. وتضاؤل عدد الطلبيات يؤدي إلى انخفاض فرص العمالة واقتصاد يعاني من التقلص بالنسبة لأبناء الطبقة المتوسطة. 

ويمثل هذا النوع من الركود الذي يستهدف الطبقة المتوسطة سيناريو مُفزع حاول ترمب من دون جدوى أن يؤخر حصوله إلى ما بعد انتخابات نوفمبر 2020. وسعى الرئيس الأميركي إلى تجنب حدوث ركود آخر في القطاع الزراعي، وذلك من خلال ضخّ 28 مليار دولار نقداً، مطلع العام الحالي، على المزارعين المتضررين في الولايات الحمراء التي تصّوت للحزب الجمهوري. وعلى الرغم من ذلك، تقول وزارة الزراعة حالياً ربما يكون من الضروري إنفاق مبلغاً قد يصل إلى 15 مليار دولار اضافية على شكل مساعدات عاجلة. 

وحتى إذا تم توفير المساعدات العاجلة التي توردها وزارة الزراعة، فلن تنجح هذه المعونات المباشرة للمزارعين في تغطية كل خسائرهم الناجمة عن الحرب التجارية مع الصين. وفي محاولة من ترمب لتخفيف تلك الآثار السلبية على المزارعين، فرض رسوماً على البرازيل والارجنتين أوائل الشهر الحالي. لكن من المرجح أن تؤدي هذه الرسوم إلى نتائج عكسية. وقد تزداد الأمور سوءاً في ظل التهديدات المتكررة ضد فرنسا، بالإضافة إلى رفض ترمب كما يبدو حتى لمحاولة الوصول إلى اتفاق مع الصين قبل الانتهاء من انتخابات 2020.

وتضاف إلى التحديات التي تواجه الرئيس الأميركي، المعارضة المتزايدة من جانب النواب الجمهوريين لفاتورة الإنفاق الحكومي لترمب. وليس من الواضح ما إذا كان يتمتع بالدعم السياسي الكافي لإطلاق خطة هائلة ثانية لإنقاذ عمال القطاع الصناعي في ولايات لابد له من الفوز بأصواتها للبقاء في البيت الأبيض أربع سنوات أخرى، مثل بنسلفانيا وأوهايو وميتشغان.

حاول ترمب معالجة كل مشاكله السياسية حتى الآن عن طريق ضخ المبالغ النقدية للجهة المعنية مباشرة. بيد أن المعارضة المتنامية في أوساط الجمهوريين لبرامج الانفاق التي يتبّعها، ستعقد الأمور وتجعل خياراته لوضع سياسات تتركز على تعزيز فرص فوزه بولاية ثانية، محدودة أكثر مما مضى. 

يروق للرئيس الأميركي أن يجادل بأن الاقتصاد الوطني لايزال ينمو ويخلق الوظائف، وهو مصيب في ذلك فعلاً. فالاقتصاد الأميركي يشهد في ظل إدارة ترمب أطول فترة من التوسع في تاريخ الولايات المتحدة، بدأت خلال ولاية سلفه باراك أوباما في الأشهر التي تلت الركود العالمي. بيد أن بحثاً جديداً أعده فريق من الأكاديميين وأصحاب الخبرات في "وول ستريت"، يُظهر أن نوعية الوظائف الجديدة التي توفرت خلال ولاية ترمب لا تُقارن بنوعية الوظائف التي خُلقت أثناء ولاية أوباما.

واستند الباحثون في دراستهم إلى "مؤشر جودة الوظيفة"، وهو عبارة عن أداة مسح شاملة تسبر أعداد فرص العمل الجديدة بشكل معمّق أكثر مما تقوم به الأدوات المشابهة المعتمدة لدى الحكومة الفيدرالية. والواقع أن أدوات القياس التي تستعملها الحكومة الفيدرالية تتعامل مع التوظيف كما لو كان مجرد لعبة أرقام، فكلما ارتفع العدد كلما كان أفضل. أما "مؤشر جودة الوظيفة"، فهو يعاين القيمة الإجمالية للوظائف التي أُوجدت، من خلال طرح أسئلة من قبيل: هل توفر الوظائف الجديدة تأميناً صحياً؟ هل يتقاضى من يقوم بها أجر معيشياً؟

 ومن المنطقي أن يكون الاقتصاد أقوى عندما يقدم وظائف ذات قيمة عالية وقابلة للتطور مهنياً، بدلاً من توفير سيل لا ينتهي من الوظائف ذات الأجور المتدنية كأعمال سائقي أوبر أو عربات الوجبات السريعة. ويُظهر "مؤشر جودة الوظيفة"، أن غالبية الوظائف التي خُلقت في ظل ترامب كانت من الأنواع ذات القيمة المنخفضة. ويفيد المؤشر نفسه بأن ما يزيد على 63 في المئة من كل الوظائف التي تم توفيرها أخيراً هي أعمال منخفضة الأجر، ووظائف ساعية قصيرة لا يتمتع من يؤديها بالمزايا التي توفرها الوظائف عالية الجودة.

يقدم "مؤشر جودة الوظيفة" بعداً جديداً لظاهرة بذل ترامب قصارى جهده لتجاهلها، وتتمثل في أنه بينما يبدو أن الاقتصاد الأميركي يصبّ في مصلحة فاحشي الثراء، فإن الأميركيين من أبناء الطبقات العاملة والوسطى يعيشون في حالة ركود شبه دائم. هكذا يقسم الاقتصاد الأميركي حالياً أبناء البلاد إلى مجموعتين، تضمّ الأولى المليارديرات الذين يدفعون الآن ضرائب أقل ويتمتعون بنمو في الدخل أسرع من أي وقت في تاريخ البلاد الحديث. وفي المقابل، تشتمل المجموعة الأخرى على عمال الطبقة الوسطى ممن يسعون بشكل متزايد للحصول على قروض بفوائد مرتفعة من أجل الحفاظ على حياتهم.

إذا كنت تعمل براتب، فالأرجح أن أجورك لم تشهد ارتفاعاً ذا قيمة منذ حوالي 12عاماً.أما إذا كان دخلك يأتي من الاستثمارات الآمنة، فإن الحياة لم تبتسم لك من قبل كما تفعل اليوم. 

 يطالب الرئيس ترمب الأميركيين العاديين بأن يعبروا عن امتنانهم على المكاسب المالية القذرة التي يتمتع بها أبناء بلادهم من الأغنياء فاحشي الثراء، وأن يقبلوا في الوقت ذاته التراجع في البيئة الاقتصادية المتاحة لهم. وبينما يدفع الرئيس ترامب وأعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون المتواطئون معه إلى فرض ضرائب أقل على قاعدة تأييدهم المؤلفة من أصحاب المليارات، سيُترك فتات النمو الاقتصادي الأميركي غير المسبوق لأبناء الطبقة الوسطى.

قضى الكثير من المواطنين الأميركيين السنوات الثلاث الماضية في الكفاح من أجل الحصول على عمل، يستطيعون الاحتفاظ به، في وضع اقتصادي تتراجع فيه معدلات نمو قطاع الصناعات التحويلية بشكل ثابت، اضافة الى عدم وجود أي مؤشرات على حصول نمو في الأجور. وإذ تتسع الهوة بوضوح بين من يملكون ومن لا يملكون، فإن من يعملون في الحملة الانتخابية على تقصي الآراء يشعرون بالذعر. فالناخبون كانوا مستعدين في 2016 لإعطاء ترمب فرصة، لكن يبدو أن صبرهم قد نفد، أخيراً.

© The Independent

المزيد من اقتصاد