Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

متاهة اللجنة الدستورية وحسابات التسوية السياسية

من المبكر معرفة ما يعنيه تفاهم لافروف مع نظيره بومبيو على "العمل للبحث عن حل سياسي في سوريا"

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في السفارة الروسية بواشنطن (أ.ف.ب)

محنة سوريا طويلة العمر. وليس خارج التوقعات أن تبدو الجولة الرابعة عشرة من الاجتماعات في "مسار أستانا" استمراراً للدوران في المأزق. ولا كان من المفاجآت أن تتعثر اللجنة الدستورية في بداية انطلاقتها رسمياً في جنيف. فالأزمة التي دفعت الناس إلى الشارع عام 2011 كانت أكبر من قصة الدستور. والحرب التي جرى جر الانتفاضة الشعبية السلمية إليها لن تلغي الأزمة، مهما تكن نتائجها على الأرض. سوريا اليوم ليست سوريا قبل الحرب، وإن كان الرئيس هو نفسه، ونوعية الوزراء والنواب هي نفسها، والأجهزة الأمنية هي نفسها. فالشعب صار أكثر طائفية وراديكالية في بلد مدمر، ثمانون في المئة من أهله تحت خط الفقر. إيران وتركيا تساهمان في التغيير الديموغرافي: إيران لمصلحة "التشيع" وتركيا لوضع عرب مكان الكرد. إذ أحدث مشروع للرئيس رجب طيب أردوغان هو نقل مليون سوري مهجر في تركيا للسكن في المنطقة الحدودية بين المالكية ورأس العين وتل أبيض.

والصورة، كما رسمها غير بيدرسون الموفد الدولي الخاص أمام مجلس الأمن، هي صورة "بلد محطم لا يزال في خطر أزمة بسبب استمرار العنف والإرهاب وانتشار خمسة جيوش خارجية على أراضيه، فضلاً عن المعاناة والانتهاكات المروعة والمجتمع المنقسم بعمق والشعور باليأس بين الناس داخل البلاد وخارجها"، وسط "شبح الحريق الإقليمي الأوسع الذي يلوح في الأفق". أما "الإنجاز" الذي عمل له الموفد الدولي بالتعاون مع الروس، فإنه تشكيل لجنة دستورية، تصوّر أن الهدف منها هو "التوصل إلى عقد اجتماعي جديد وباب للتسوية السياسية". ولم يكن ذلك سوى حلم رومنطيقي. فاللجنة الدستورية التي أخذ الاتفاق على أعضائها أكثر من سنة ونصف اصطدمت من البداية بتصلب النظام وصعوبة تليين موقفه على يد الروس. فالدستور، كما قال الرئيس بشار الأسد، هو "مصير البلد وغير خاضع لأي مساومات أو مجاملات، وأي تهاون فيه قد يكون ثمنه أكبر من ثمن الحرب". والتسوية السياسية كانت ولا تزال مهمة صعبة، وسط الخطاب الجماعي القائل إن الحل في سوريا سياسي لا عسكري. كانت صعبة في السنوات الأولى التي بدا خلالها النظام ضعيفاً والمعارضة قوية. وهي صعبة اليوم بعدما صار النظام قوياً والمعارضة ضعيفة.

والروس الذين يضعون اليوم التسوية السياسية في طليعة الأهداف ساهموا في إضعاف حظوظها. قبل الدخول العسكري الروسي في الحرب بذل وزير الخارجية سيرغي لافروف كل جهد ممكن لتمييع أساس التسوية وهو "بيان جنيف" في عام 2012، بالإصرار على تفسير للبيان ينسف جوهره: "إقامة حكم انتقالي يتولى السلطات التنفيذية الكاملة". بعد الدخول العسكري بدأت موسكو لعبة البدائل من "مسار جنيف"، بالتالي من الدور الوازن للأمم المتحدة وأميركا. وهكذا ظهر "مسار أستانا" خارج المظلة الدولية والشراكة مع أميركا، من خلال ثلاث "دول ضامنة" هي روسيا وإيران وتركيا المنخرطة في الحرب. ثم كان "مسار سوتشي" الذي صار اللعبة الوحيدة في المدينة عبر تقسيم الأعمال: مسار أستانا لأمور خفض التصعيد ومصير المعتقلين وإجراءات بناء الثقة. مسار سوتشي كمرجعية للتسوية السياسية، مع التكرار اللفظي لمرجعية القرار الدولي الرقم 2254. ومسار جنيف صار مجرد مكان لاجتماع اللجنة الدستورية، بحيث قال الرئيس الأسد "عدنا إلى جنيف جغرافياً، أما سياسياً فنحن في سوتشي". وحتى هذا، فإنه قد يتبدل. فالموفد غير بيدرسون الذي دعي إلى مسار أستانا كمراقب مثل العراق والأردن ولبنان، سمع من وفد النظام رغبة في نقل الاجتماعات إلى دمشق.

لكن موسكو باتت في حاجة ملحة إلى تسوية سياسية لكي تضمن ما ربحته بالتدخل العسكري. وهذا ما فتح باب الاختلاف في الحسابات مع دمشق وطهران، وجعل التفاهم مع تركيا أعمق. ففي الجولة الأخيرة في "مسار أستانا" رفض ألكسندر لافرينتييف الموفد الخاص للرئيس فلاديمير بوتين إلى سوريا، رغبة النظام في شن حملة واسعة على إدلب واكتفى بالاتكال على "الشركاء الأتراك" لترتيب الأمور هناك. وفي موسكو نفسها أصوات تنتقد "الخطاب الخشبي واللهجة الانتصارية" للنظام السوري، وتعيد التذكير بأنه "لولا روسيا وإيران لسقط النظام". وفي موقع "أر-كي" الحكومي الروسي ظهر مقال يدعو الأسد إلى "تقبل مرحلة انتقالية وحكومة انتقالية وتسهيل عمل اللجنة الدستورية والاستعداد لتقبل إرادة السوريين في الانتخابات المقبلة".

ومن المبكر معرفة ما يعنيه تفاهم الوزير الزائر لافروف مع نظيره بومبيو على "العمل للبحث عن حل سياسي في سوريا". لكن الواضح، بصرف النظر عن الخلافات المعلنة، أن روسيا تلعب مع أميركا، وتلعب بالجميع: النظام والمعارضة، إيران وتركيا، إسرائيل والأمم المتحدة. ومحنة سوريا، تكراراً، أبعد من متاهة اللجنة الدستورية والتسوية السياسية.

المزيد من آراء