بات واضحاً أن الاندفاع السريع نحو الانهيار التام للاقتصاد اللبناني، يحتّم تحولاً كبيراً في قواعد الاشتباك السياسي بين القوى المحلية، وإسقاط "التسوية الرئاسية" التي أوصلت ميشال عون إلى سدة الرئاسة وشرعت القرارات السيادية والاستراتيجية لصالح حزب الله، وتسببت بالانهيار الاقتصادي الحاد الذي يشهده لبنان، وآخرها تخفيض تصنيف لبنان الائتماني إلى أدنى مستوى في تاريخه، مما ستكون له انعكاسات شديدة على تراجع إضافي في قيمة الليرة اللبنانية.
توازنات جديدة
ترى مصادر سياسية، أن تحالف التيار الوطني الحر وحزب الله، أدرك متأخراً المتغيرات بعد فشل كل مناوراته ورهاناته وآخرها "ورقة" حكومة سمير الخطيب المتفق عليها مسبقاً، وبات بين مطرقة الانتفاضة الشعبية المطالبة برحيلهما وسندان المجتمع العربي والدولي الحاسم تجاه عدم تقديم يد العون سوى لحكومة تحقق تطلعات الشعب اللبناني، فلم يعد أمامهما سوى خيار التراجع إلى الوراء وخروج التيار الوطني الحر من الحكومة المرتقبة للمرة الأولى منذ عام 2008.
وتشير المصادر إلى ضرورة تقديم حزب الله تنازلات إسوة بحليفه لامتصاص النقمة الداخلية والتي تحمله مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية نتيجة تسببه بعزلة لبنان عن محيطه العربي والدولي من جهة، والضغوط السياسية والاقتصادية التي تعاني منها إيران نتيجة العقوبات الأميركية من جهة ثانية.
ولفتت المصادر إلى أن حزب الله يتجه للعودة إلى قواعد الاشتباك السابقة مع إسرائيل، وأنه أبلغ المعنيين عزمَه نقل مصانع الصواريخ الدقيقة إلى إيران، بعد أن رفض الجانب الروسي إعادة تركيبها في سوريا، مع إمكانية تضامنه مع حليفه جبران باسيل والخروج من الحكومة لتكون المرة الأولى منذ عام 2005.
عودة الحريري ... نهاية باسيل
وفي ما يتعلق بالاستشارات النيابية، توقعت المصادر أن تكون منسجمة مع التغيرات الحاصلة داخلياً وخارجياً، حيث من المرجح أن يكلف الرئيس المستقيل سعد الحريري بتشكيل الحكومة بأكثرية 87 نائباً، بعد تعطيل للاستشارات استمر أكثر من شهر ونصف الشهر، على أن يباشر الحريري استشاراته النيابية فور تكليفه ليسابق الوقت منعاً لمزيد من التدهور والانهيار.
ورأت المصادر أن خروج التيار الوطني الحر وحزب الله يعطي أملاً كبيراً بتشكيل حكومة حيادية تضم اختصاصيين لكون حزبي القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي كانا قد أعلنا مسبقاً دعم حكومة إنقاذية خارج الإطار الحزبي، متخوفة من الموقف النهائي للرئيس ميشال عون والذي يعتقد أن إخراج باسيل من الحكومة يعني "إعدامه" سياسياً ونهاية طموحه تولي الرئاسة اللبنانية خلفاً لعون.
صراع "الترويكا"
ونقلت مصادر زارت الرئيس عون أخيراً، إصراره على عدم عودة الرئيس سعد الحريري، وقوله "لن أكون رئيساً صورياً لجمهورية، يحكمها مجلس إدارة برئاسة سعد الدين الحريري"، ما يشير إلى أن مرحلة الانسجام السابقة بين الرجلين انتهت، والمرحلة المقبلة قد تشهد صراعاً رئاسياً.
وتعزز فرضية صراع الرئاسات، ما يدور في كواليس التيار الوطني الحر من هواجس صفقة رعاها رئيس مجلس النواب نبيه بري بين حزب الله وتيار المستقبل، من خلف الرئيس عون وصهره جبران باسيل، وتقضي بأن يتولى بري إقناع حزب الله الخروج من الحكومة وضمان تمثيله عبر شخصية مرنة، وبيان وزاري لا يشير صراحة إلى سلاحه.
ووفق المعطيات فإن الرئيس بري، حاول التواصل مع جميع الفرقاء للتوصل إلى صيغة مشاركة القوى السياسية التقليدية في الحكومة أو خروجهم جميعاً منعاً لتسجيل نقاط حول من يتحمل مسؤولية الانهيار الاقتصادي.
إيران بعد "الإخوان"
وفي السياق ذاته، تشير مصادر غربية إلى أن الشرق الأوسط مقبل على مرحلة سياسية جديدة وعلى لبنان الاستعداد لها، معتبرة أن المرحلة الماضية شهدت تقليم أظافر تمدد الإخوان المسلمين في العالم العربي، لا سيما التنظيمات المتطرفة المرتبطة به في سوريا والعراق، حيث استفادت إيران مرحلياً لترسيخ أذرعها في المنطقة، مؤكدةً أن المرحلة المقبلة ستشهد ضغطاً كبيراً على طهران وأذرعها، وعلى رأسها حزب الله.
وتؤكد المصادر أن الولايات المتحدة والغرب مصممان على تقويض النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، وأن أمام طهران تطبيق شروط وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الـ 12 والتي أعلنت عنها الإدارة الأميركية كشرط وحيد لرفع العقوبات الاقتصادية عن طهران.
في المقابل، كشفت المصادر عن مفاوضات غير مباشرة ترعاها سلطنة عمان بين الولايات المتحدة وإيران، حول المنطقة بشكل عام وبخاصة ما يجري في العراق ولبنان، معتبرة أن الجانب الأميركي لا يزال متمسكاً بشروطه الـ 12، وعلى رأسها توقف طهران عن دعم ميليشياتها في الدول العربية.