Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محمد عبد النبي: يكفيني أن أخبر القارئ حكاية

روايته "في غرفة العنكبوت" حازت جائزة الأدب العربي في باريس بعد القائمة القصيرة ل"بوكر" العربية القصيرة

الروائي المصري محمد عبد النبي (يوتيوب)

تم الإعلان في باريس أوائل الشهر الحالي (نوفمبر 2019) عن اسم الفائز بـ"جائزة الأدب العربي" التي يمنحها معهد العالم العربي في باريس بالاشتراك مع مؤسسة جان لوك لاغاردير. وبينما تسابق على نيل هذه الجائزة سبعة كتّاب عرب من بينهم ثلاثة لبنانيين، والسورية ديمة ونوس وكاتبان بالفرنسية أحدهما مغربي والآخر جزائري، فقد فاز بالجائزة الكاتب المصري الأربعيني محمد عبد النبي عن روايته "في غرفة العنكبوت" (دار العين ، القاهرة) التي ترجمها إلى الفرنسية الدبلوماسي والمترجم الفرنسي جيل غوتييه وصدرت عن دار "أكت سود" في باريس.

وتعتبر هذه الجائزة من أكثر الجوائز المرتقبة عربياً في أوروبا، فهي الوحيدة التي تُمنح في فرنسا لروائي عربي يكتب بالفرنسية أو ترجم اليها، وقد تأسست عام 2013.

ومن الجدير بالذكر أن هذه الرواية الصادرة بالعربية أولاً عام 2016 عن دار العين المصرية نالت شهرة واسعة في مصر وفي العالم العربي منذ نشرها وحتى قبل بلوغها القائمة القصيرة لـ "البوكر" العربية عام 2017، على الرغم من تطرقها لموضوع مثير للجدل في عالمنا العربي هو المثلية الجنسية. وقد عالج عبد النبي هذا الموضوع بلباقة وأناقة وبلغة رصينة مالت إلى التحليل النفسي والوجداني أكثر من انغماسها فعلياً في مشاهد مبتذلة أو تعابير قد تصدم القارئ. وقد نقل عبد النبي بلغة جميلة سلسة حادثة الـ "الكوين بوت" التي وقعت عام 2001، وهي حادثة أدت إلى اعتقال اثنين وخمسين رجلاً مثلياً تعامل معهم الأمن المصري بقسوة مفرطة وتم اتهامهم بشر الاتهامات. وعلى الرغم من حساسية الموضوع، تمكن عبد النبي من التعامل مع شخصياته بكل حرفية وواقعية فاتكأ على حالة بطله (هاني محفوظ) النفسية المتدهورة لينقل الوحدة الإنسانية والشعور الخانق بالظلم والألم والحزن.

التقيت محمد عبد النبي في أحد مقاهي باريس الباردة بعد حفلة تسليم الجائزة. كان جالساً بهدوء ورزانة وبشيء من الخجل الذي لا يخلو من توتر وسط كم كبير من الباريسيين النزقين. ويدرك من يلتقي محمد عبد النبي، الكاتب المصري الأربعيني خريج الأزهر في الترجمة، أن هذا الكاتب الخجول اختار أن يكتب عن المثلية في مصر ليس رغبة منه في صدم القارئ بل لنقل حالة إنسانية تعرضت وما زالت تتعرض في مجتمعاتنا العربية إلى الكثير من التنكيل والقهر والاضطهاد. وكان هذا الحديث مع عبد النبي.

أخبرنا أولاً عن قراءاتك وعن الكتاب الذين أثروا فيك كبير التأثير.

*أقرأ كثيراً ويصعب علي تقديم لائحة بأسماء أبرز الكتاب الذين تأثرت بهم. هناك كتاب عالميون وآخرون عرب أؤثرهم، يمكنني أن أذكر طبعاً نجيب محفوظ وإدوار خياط وبعض كتاب جيل الستينيات كمثل إبراهيم أصلان وإبراهيم عبد المجيد، وهناك طبعاً كتاب عرب من مختلف الدول العربية قرأتهم في فترات عمرية متفاوتة إنما لا يمكن الجزم بتأثري بكاتب معين. أحاول عموماً أن أقرأ بشكل متنوع، وعلى الرغم من أنني أحاول أن أقرأ مؤلفات من مختلف المجالات، تستحوذ القراءة الأدبية على ثمانين في المئة من قراءاتي، فأقرأ الأدب العربي الحديث والقديم كما أتابع الترجمات على قدر استطاعتي.

لماذا اخترت أن تكتب وما هو برأيك دور المثقف العربي في يومنا هذا؟

*لا أملك إجابة على هذا السؤال لأنني لو عرفت لماذا أكتب لتوقفت عن الكتابة. قرأت إجوبة كثيرة في هذا الشأن، منها ما يبدو طريفاً ومنها ما يبدو عميقاً، إنما لم أجد منها ما يقنعني. سمعتُ مرة أن الشخص السعيد لا يتساءل عن معنى حياته، وكذلك الشخص الذي يكتب ويحب كتابته فهو لا يتساءل عن معناها.وأجهل لماذا نبحث دوماً عن دور للكاتب وللمثقف. لماذا نبحث عن دور للوردة؟ لماذا نبحث عن دور للكاتب وكأنه لا يكفي أن يكون المرء كاتباً ويجب أن يؤدي دوراً سياسياً ودوراً اقتصادياً كي يؤخذ على محمل الجد. أنا لا أريد أن أؤدي دوراً، أريد أن أخبر القارئ حكاية، فإذا استمتع بها وأثرت فيه بشكل إنساني فهذا أمر رائع وبه أكون حققت مرادي. لا يمكن للكاتب أن يضع نفسه في موضع أعلى من القارئ وأن يعتبر أنه يعرف أكثر منه وأنه يمتلك الطريق الصحيح الذي يجب أن يقوده إليه. أنا تائه مثل قارئي وأحاول مثله أن أجد طريقي.

ما هي برأيك معايير جمالية الرواية؟

*يجب أن يكون هناك تفكير في الأسلوب دائماً. الأسلوب هو البطل في الأدب وليس الموضوع، فالموضوع يمكن أن تتم معالجته عشرات المرات، وحدها طريقة المعالجة هي المؤثرة. يجب أن تكون الحكاية بسيطة على قدر الإمكان واللغة سلسة على قدر الإمكان كي لا نضيف عبء الأسلوب إلى عبء صدمة القارئ بالموضوع. وأظن أن معظم القراء لم يجدوا صعوبة في قراءة روايتي لهذه الأسباب، وهو ما أتاح نجاحها.وبرأيي هناك معيار واحد حقيقي للرواية وهو معيار المتعة. إن لم تولد القراءة متعة، سيخلق ذلك حاجزاً بين القارئ والنص. المتعة هي الأساس ثم من بعدها نتوقف عند مسألة المعايير الأدبية الأخرى.

أخبرنا عن كواليس كتابة رواية "في غرفة العنكبوت"، لماذا هذا الموضوع وهذه الرواية وهل احتجت إلى القيام بأبحاث قبل أن تباشر بالكتابة؟

*عندما كتبت روايتي لم أكن متفرغاً للكتابة تماماً، فاستغرقت الكتابة حوالى ثلاث سنوات. كنت أكتب ثم أترك الكتابة وأعود إليها بعد فترة. كانت الفكرة موجودة في ذهني، إنما التنقيح وإعادة الكتابة والتدقيق والتحرير هي ما استغرقني وقتاً طويلاً. ولكتابة روايتي هذه، التقيت حقوقيين ومحامين وتواصلت عبرهم بأشخاص كانوا ضحايا "الكوين بوت"، كما أنني استندت أساساً إلى تقارير وفيديوات وشهادات حية.

ما من سبب واحد معين دفعني لكتابة "في غرفة العنكبوت". هناك أسباب واضحة أنا واعٍ لها وهناك أسباب أنا نفسي لا أعرفها. ربما كتبت الرواية لأهمية وجود رواية تتناول المثلية الجنسية في العالم العربي وفي مصر، وربما أردتُ كتابة قصة حب بين رجلين، ربما أردتُ كتابة كيف يمكن أن يعيش رجل مثلي في مجتمع كالمجتمع المصري وماذا يمكن أن يواجهه من تحديات. حاولت التركيز على علاقة الرجل المثلي بالمحيطين به وبالشخص الذي يحبه أكثر من تركيزي على هموم المثليين العرب بشكل عام وهي هموم معروفة على العموم ولا تخفى على أحد في يومنا هذا.

لماذا اخترت هذا العنوان؟ "في غرفة العنكبوت"؟

*العنوان الأصلي والأول الذي أردته للرواية هو "بيت العنكبوت"، إنما اكتشفت قبل نشر الرواية بأشهر قليلة وجود مؤلفين اثنين يحملان عنوان "بيت العنكبوت" في العالم العربي: كتاب لباحث سوداني عن الجماعات الإسلامية في السودان، ورواية صغيرة مؤلفة من حوالى ثمانين صفحة لكاتبة مصرية وهي من نوع الرعب. ففكرت بعنوان آخر واخترت "في غرفة العنكبوت"، وهي الغرفة التي كان يكتب فيها بطلي. والغرفة أقرب إلى الحميمية وأقرب إلى فكرة السجن من البيت. وجدت عنواني الجديد أفضل من عنواني الذي كنتُ أريد أن أعتمده أولاً، وأنا مدين بهذا العنوان للصدفة.

تقول في إحدى المقابلات إن روايتك "في غرفة العنكبوت" مرحلة من مراحل مسيرتك المهنية، فهل ستكون المراحل المقبلة أسهل أم أصعب الآن وقد حصدت هذه الجوائز العربية والأجنبية؟

*المراحل المقبلة ستكون أسهل وأصعب في الوقت نفسه. أسهل من ناحية أنني الآن أستطيع أن أتوقف عن الترجمة وأن أكرس وقتي للقراءة والكتابة. أما من ناحية أخرى فالمراحل الآتية ستكون أصعب لأنني يجب أن أحدد ماذا سأكتب وكيف سأكتب وهو أمر يتطلب وقتاً ومجهوداً، ومن أجل تحقيق ذلك يجب أيضاً أن أنسى ماذا حصل مع روايتي "في غرفة العنكبوت" والجوائز والضجة والاحتفاء وكل هذا الصخب، يجب أن تختفي تدريجاً هذه الأمور كي أجد صوتي وأعود إلى نفسي ككاتب من دون أية تشويشات أو ضغوطات من خارج فعل الكتابة نفسه.

كيف تتوقع أن يعاملك النقاد العرب لاحقاً بعد أن نالت روايتك هذا النجاح؟

*نشرتُ منذ سنة تقريباً مجموعة قصصية بعنوان "كان يا ما كان" وكانت تحتوي على نصوص قديمة ونصوص جديدة وفيها إعادة كتابة لقصص شعبي. لم تحقق هذه المجموعة خمس النجاح الذي نالته روايتي، وهذا أمر لا يسعدني لكنني أدرك أن هذه طبيعة الأمور، فالقصة القصيرة لا تملك سوقاً أدبية بحجم سوق الرواية. لقد حرصت على إصدار مجموعة قصصية بعد روايتي لأذكر الناس بأنني كاتب قصة قصيرة بالأساس وبأنني ككاتب يمكن أن أكتب في النوع الأدبي الذي أختاره وليس من الضروري أن أكتب رواية مباشرة بعد روايتي الفائزة.

كيف تصف تجربتك مع جائزة البوكر وهل تثق بالجوائز العربية الأدبية عموماً؟

*أي ترشيح لجائزة وأي فوز هو نوع من تربيتة تشجيع على كتف الكاتب، هو نوع من الاعتراف به وبقيمة عمله وبجودة نصه. لا توجد جائزة مصرية أو عربية أو عالمية حتى، لا ترد شكوك وإشاعات حول أمانتها ونزاهتها وشفافيتها. إنما في نهاية الأمر أجد أن الجوائز مفيدة، فهي تسلط الضوء على كتّاب كثر كانوا مغمورين ولم نكن لنعرف بكتاباتهم لولا الجوائز. إنما من ناحية أخرى أيضاً تحجب هذه الجوائز نعمتها عن الكتّاب الذين لا يصلون إلى اللوائح والتصفيات، يخسر هؤلاء فرصتهم في الظهور والتوهج كما يستحقون. فالكاتب الذي يفوز ينال حصة الأسد من الشهرة، حصة كان يمكن أن يتقاسمها مع كتّاب كثر آخرين يستحقون التكريم والاعتراف بموهبتهم وكتاباتهم.

فرحتُ كثيراً لدخول روايتي القائمة الطويلة للبوكر، إنما شعرتُ أنها أقصى درجات النجاح التي قد تبلغها ولم أتوقع أبداً أن تصل إلى القائمة القصيرة نظراً إلى الموضوع الذي تطرحه وطبيعة المجتمع المحافظ الذي يرعى تقديم الجائزة. فجاءت المفاجأة الحقيقية بوصولي إلى القائمة القصيرة، وهو أمر لم أتوقعه أبداً. وأجد أن هذا الفوز لروايتي كان أيضاً فوزاً للجنة التحكيم التي أثبتت ابتعادها عن الكلاسيكية والتقليدية وجرأتها على اختيار ما تجده جيداً بغض النظر عن المجتمع المانح للجائزة. فرحتُ بالتجربة شديد الفرح... كان هناك ضغط نفسي هائل طبعاً، ضغط الصحافة والنقاد والقراء والتوقعات إنما عموماً كانت التجربة طيبة وجميلة. لم يخلُ الأمر من وجود مداخلات عنيفة بعض العنف في عدد من الندوات واللقاءات بسبب موضوع الرواية، إنما عموماً كانت تجربة لطيفة وجميلة.

كيف تلقيت خبر نيلك جائزة الأدب العربي في فرنسا؟

*جائزة معهد العالم العربي هي أول جائزة أنالها خارج العالم العربي، وهي جائزة عريقة نالها كتاب بارزون قبلي وهذا شرف كبير لي. أنا سعيد جداً بهذه الجائزة وبخاصة أنها غير محاطة بأقاويل كثيرة كحال الجوائز العربية.

ما هو برأيك تأثير المجتمع الثقافي المحيط بالكاتب على عمله؟

يشكل المجتمع الثقافي أحياناً ضغطاً على الكاتب، فيمثل النقاد والصحافيون والأكاديميون ولجان التحكيم قوة ضاغطة وتياراً يتحرك باستمرار ويسير معه الكاتب، ورهان الكاتب أن يستطيع وضع كل ذلك جانباً وأن يبدع. يجب على الكاتب أن ينسى ما يحيط به وأن يعمل بغض النظر عن التيارات والاتجاهات التي حوله. أي كاتب يفكر في الوسط الثقافي مهما كان عمره أو مهما كان تاريخه في هذا المجال سيفشل، لا يمكن للكاتب أن يفكر بما يرغب به الكتاب والنقاد ولا يمكن أن يتوقع ما سينال إعجابهم وسيرضيهم. يجب أن يتحدى الكاتب نفسه وأن يكتب بشكل أفضل إنما بمعايير يحترمها وليس بمعايير تفرضها عليه سلطة المحيطين به. لا يجب أن يحتاج الكاتب إلى قوة ضغط خارجية ليحسن نفسه ونصوصه، هو يحتاج فقط إلى سلطة داخلية وقدرة على القفز من مغامرة إلى أخرى بحسب معاييره ومتعته الأدبية الشخصية.

ما هي أهمية أن يملك الكاتب شبكة علاقات قوية مع كتاب ونقاد وصحافيين بارزين؟

*شبكة العلاقات هذه، على قدر ما قد تكون مفيدة قد تكون أيضاً حجر عثرة ومعوقاً، فكلما زادت العلاقات ازدادت معها المسؤوليات الاجتماعية وضرورات المجاملة وحضور حفلات التوقيع والندوات إلى آخره. هناك ندوة وحفلة توقيع ومؤتمر كل يوم، وهذه الشبكة من العلاقات ستبعد الكاتب عن عزلته، عزلة ضرورية للكتابة والإبداع. هذه العلاقات تأخذ من وقت القراءة والكتابة، لذلك أنا شخصياً أحرص على أن تكون علاقاتي محدودة وضمن إطار الصداقة الإنسانية. أنا لدي أصدقاء وليس شبكة علاقات كما تسمينها، فأنا لا أرفض طلباً لإجراء مقابلة أو إجراء حديث صحافي وهو أمر طبيعي وتلقائي، إنما لا أقوم بذلك بشكل منتظم ومنهجي ودائم.

إذا كان الكاتب حريصاً على بناء علاقات مع الآخرين ظناً منه أنهم في يوم من الأيام سيمنحونه جائزة أو سيمهدون لترجمة أعماله إلى لغات أخرى فمن الأفضل له ألا يقيم هذه العلاقات وأن يكتفي بالبقاء في بيته ليقرأ ويكتب ويعزز نصوصه. أنا شخصياً لستُ على دراية بالأمور التي تحصل في الكواليس أو "تحت الطاولة" كما يقولون، فاحترامي لنفسي ككاتب يمنعني من الانغماس في هذه الأمور. أرى أن إقامة علاقات لأهداف مهنية يعني أن عمل الكاتب وحده لا يكفي وأنه إلى جانب عمله يجب أن يبيع نفسه ليحصد الشهرة والنجاح، وهذه ليست متطلبات العصر أو الكتابة، هذه فقط متطلبات النجاح بمعناه المبتذل. هذا ليس نجاحاً حقيقياً وليس إنجازاً برأيي.

المزيد من ثقافة