Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف أصبحت أوكرانيا موئل قادة داعش الهاربين من الخلافة

أعلنت السلطات الأوكرانية الأسبوع الماضي عن اعتقالها قائداً كبيراً في داعش وسط كييف في عملية مشتركة مع وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية. ويبدو أنّه ليس سوى فرد واحد من بين مجموعة استقرّت في أوكرانيا، وفق أوليفر كارول في كييف

تبين أن البراء الشيشاني حي يرزق ومعتقل في أوكرانيا بعد فراره من سوريا (رويترز)

ذاع صيت البراء الشيشاني في أعتى الأعمال الإرهابية.

ويُعتقد أنّ القائد الجورجي الأصل شغل منصب نائب وزير الحرب في داعش وترأّس فرقة مسؤولة عن "العمليات الخاصة" والمراقبة، ويزعم أنه شارك في كل أنواع العمليات: بدءاً بإعدام "الكفّار" وقطع الرؤوس العلني ووصولاً إلى العمليات الإرهابية في الخارج.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما ذاع أيضاً نبأ وفاته- أقلّه حتى يوم الجمعة الفائت.

وسبّب ظهوره المفاجئ داخل قفص الإتهام في قاعة محكمة وسط كييف صدمة كبيرة، ليس فقط لأنه حي يرزق.

فمع تكشّف التفاصيل المحيطة بمعجزة انبعاثه -عن تفاديه القصف الجوي الذي زُعم أنه قُتل جرّاءه في سوريا، ثمّ استخدامه جواز سفر مزوّر لدخول تركيا فأوكرانيا حيث عاش سنتين دون أن يزعجه أحد- ظهرت تساؤلات كثيرة حول قدرة كييف أولاً واستعدادها ثانياً للتعامل مع الإرهابيين الذين لاذوا إليها.

وفقاً لجهاز الإستخبارات الأوكراني الجلّي أنه غير موثوق، واصل البراء الشيشاني تنسيق عمليات الإرهاب التي نفّذتها داعش من موقعه في كييف.

ويُعتبر البراء الشيشاني، واسمه الحقيقي سيزار توخوساشفيلي، واحداً ضمن مجموعة من قادة داعش أصلهم من وادي بانكيسي شمال جورجيا. 

وترتبط المنطقة الجبلية تاريخياً بالشيشان التي تقع وراء الحدود مع روسيا على بعد 40 ميل شمالاً. وينتمي معظم سكان بانكيسي البالغ عددهم 10 آلاف شخص إلى بضعة قبائل شيشانية، إذ نزح مئات اللاجئين إلى هذه المنطقة بعد اندلاع الأحداث هناك.

ومنذ فترة غير بعيدة، ارتبط اسم الوادي بالاقتتال في العراق وفي سوريا. وتشير بعض التقديرات إلى رحيل نحو 50 إلى 200 شاب عن المنطقة سعياً للإنضمام إلى المعارك بين 2012 و2015. والتحق معظمهم بفرق الجيش السوري الحرّ التي حاربت بشار الأسد. فيما التحق البعض الآخر بداعش.

وبسبب تعدد الصلات مع سوريا علم جميع سكّان الوادي بتفاصيل مسيرة البراء الشيشاني الإرهابية كما يقول الصحافي المحلي في بانكيسي سلخان بوردزيكاشفيلي.

وتابع سكان المنطقة أنباء هجرته إلى اللاذقية غرب سوريا في العام 2012 ثم التحاقه بداعش في العام 2015. وأيّد البعض هذه الخطوة فيما عارضها آخرون.

وكان الجميع يعلم كذلك أنّ فتى محلياً آخر اسمه أحمد شاتاييف ولديه ذراعاً واحدة ورجلاً واحدة- ويكنّى بـ"أحمد أبو الذراع"- لعب دوراً أساسياً في تجنيد البراء الشيشاني لصالح داعش.  

واتُهم شاتاييف لاحقاً بتنسيق تحرّكات الانتحاريين المسؤولين عن هجمات يونيو (حزيران) 2016 في مطار اسطنبول. لكن ضلوعه بهذه العملية لم يتأكد بشكل قاطع وفي العام 2017 فجّر نفسه أثناء غارة للشرطة في العاصمة الجورجية تبيليسي.

ووفقاً لبوردزيكاشفيلي، صُعق الوادي بدوره عندما ظهر أنّ البراء الشيشاني، على عكس شاتاييف، حي يرزق.

وقال الصحافي للاندبندنت "ربما عرف أصدقاؤه بوجوده في أوكرانيا لكن حسب علمي، لم تعرف عائلته بمصيره. فهؤلاء الأشخاص يختبؤون من الجميع وأصبح من الصعب جداً بالنسبة لهم أن يعودوا إلى موطنهم دون أن ينتهي بهم المطاف وراء القضبان".

لا شكّ أنّ عودة المقاتلين إلى مواطنهم كانت أكثر سهولة بكثير قبلاً.

فعلى سبيل المثال، استطاع شاتاييف العودة إلى بانكيسي في العام 2013 على الرغم من ملاحقة الإنتربول إياه.

ومرة أخرى، يبدو أنّ أوكرانيا هي مفتاح فهم الطريقة التي سمحت له بذلك.

فقد ظهر قائد داعش المستقبلي هناك قبل ذلك بثلاث سنوات حين اعتقل ومثُل أمام القاضي في بلدة أوزغورود الريفية غربي أوكرانيا. وتقول الصحافية كاترينا سيرغاتسكوفا المقيمة في كييف التي حققت في قضيته إن سبب وجوده في جبال الكاربات غير واضح- فمعظم زملاءه الذين رافقوه في ذلك الوقت توفوا لذا من الصعب الحصول على إجابات عن هذه الأسئلة.   

أما الشخص الذي أوكلت إليه هذه القضية حينها فكان يوري لوتسينكو، وزير الداخلية في كييف آنذاك. وهو من سيشتهر لاحقاً بأنه المدعي العام "الفاسد" في قلب فضيحة مساءلة دونالد ترمب التي تدور داخل مجلس النواب الأميركي على خلفية تعامل الرئيس مع الرئيس الأوكراني الحالي فولوديمير زيلينسكي.

وقال لوتسنكو إن الإنتربول احتجز شاتاييف نزولاً عند طلب موسكو. كما أضاف أن الشرطة وجدت أيضاً على هاتفه المحمول تعليمات تتعلق بالمتفجرات وصوراً لجثث. لكن على الرغم من هذا، لم يُرحّل شاتاييف إلى روسيا. ويقال إن الرشوة أحد أسباب السماح له بالسفر إلى جورجيا عوضاً عن تسليمه.

لم يردّ لوتسينكو على طلب التعليق.

لطالما تساهلت السلطات الأوكرانية مع الثغرات الموجودة في نظامها القضائي وفي سلك الشرطة. والمستفيد عادة من هذه الثغرات هي عصابات الجريمة المنظمة التي تموّل نفسها بفضل تزوير بطاقات الهوية الشخصية وأعمال التهريب، برأي ضابط المخابرات البريطاني السابق فيليب إنغرام. لكن النظام المتراخي خلق أيضاً نقطة ضعف يمكن للإرهاب الدولي استغلالها.

وقال إنغرام "وهي نقطة ضعف لا تُظهر كييف رغبة في التصدي لها".

وأثار عجز كييف عن إيقاف تجارة جوازات السفر المزوّرة استياء الولايات المتحدة بشكل خاص. وأثناء إدلائه بملاحظاته في سياق التحقيق الخاص بعزل ترمب، كشف المسؤول في وزارة الخارجية جورج كنت حيثيات الخلاف الكبير الذي اندلع بين السفارة الأميركية والسلطات الأوكرانية في العام 2017. وشغل السيد كنت آنذاك منصب نائب السفير. 

ومن جديد، ظهر لوتسينكو الذي أصبح كبير المدعين العامين آنذاك، في قلب العاصفة. واتهم كنت لوتسينكو بكشف غطاء عميل سرّي من وحدة مكافحة الفساد في مكتب المخابرات الفدرالي بعد نجاحه باختراق تجارة جوازات السفر المزوّرة. وزعم كنت أنه أقدم على ذلك انتقاماً من السفارة الأميركية لدعمها أجهزة مكافحة الفساد التي عملت ضدّ مصالحه الفاسدة.

وكان الحصول على جوازات سفر مزوّرة في وقت من الأوقات أمراً سهلاً للغاية وزهيد الثمن.  لكن كل هذا تغيّر مع إدخال جوازات البيومترية في العام 2015 التي قلّصت أعداد الأعمال غير القانونية. لكن ما زالت بعض الشركات تعمل داخل شبكات الإنترنت المظلمة- حيث يصل ثمن جواز السفر المزور بشكل متقن إلى 5 آلاف دولار أميركي.

وعلمت الاندبندنت أنّ مقاتلاً سابقا على الأقل حصل على جواز سفره البيومتري بهذه الطريقة.

ومن الواضح أنّ هذا الأمر مهم وخطر بالنسبة للأمن الأوروبي بما أنّه يمكن التنقل بين أوكرانيا ومعظم الدول الأوروبية دون تأشيرة دخول. وفيما يمكن اكتشاف جوازات السفر المزورة بسهولة، لا ينطبق الأمر نفسه على جوازات السفر الحقيقية للهويات المزورة. وبحسب إنغرام "ما يستدعي القلق هو أن تصدر هذه الوثائق عن سلطة حقيقية مخوّلة بإصدار جوازات السفر."

وبرأي فيرا ميرونوفا، خبيرة شؤون الجهاد والباحثة الزائرة في جامعة هارفارد، لم تخفَ هذه التفاصيل عن آلاف المقاتلين الإسلاميين من دول الاتحاد السوفييتي سابقاً الذين يبحثون عن أماكن للإختباء.  

وتتمتع أوكرانيا بمزايا تخوّلها التفوق على باقي المناطق: ومنها اللغة الروسية المشتركة وفوضى الحرب وغياب المهنية والاحترافية لدى أجهزة الأمن المحلية وقلة احتمال تسليمهم إلى بلدان مثل روسيا.

وتقدّر ميرونوفا عدد مقاتلي داعش السابقين الذين قصدوا أوكرانيا بـ"المئات". لكن أعدادهم ليست السبب الرئيسي الذي يدعو للقلق كما قالت. فمجموعة الإرهابيين في أوكرانيا بطبيعتها نخبة "مصطفاة ذاتياً": "ليس اختياراً عشوائياً. فالعناصر البطيئة تتوقف فور وصولها إلى تركيا. لأنّ الوصول إلى أوكرانيا يفرض المرور بالعديد من المحطات. ومن ينجح ببلوغ هذا المكان هم العناصر الأخطر".

وأضافت ميرونوفا أنّه من النادر أن يواجه المقاتلون مشاكل مع السلطات بعد وصولهم إلى أوكرانيا.

ويبدو أن هذا الوضع ينطبق على جزء على الأقل من فترة السنتين التي قضاها البراء الشيشاني في كييف وحولها. ولم تفصح السلطات الأوكرانية عن تاريخ اكتشافها وجوده فيها. وجاء في البيان الصحفي الصادر عن جهاز المخابرات الأوكراني أنّ وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ووزارة الداخلية الجورجية انضمّتا إلى العملية قبل شهرين من اعتقاله بتاريخ 15 نوفمبر (تشرين الثاني). وسبب عدم اعتقاله قبلاً غير معروف.

وتشير سيرغاتسكوفا التي غطّت وحدها تقريباً هذا الموضوع في الصحافة الأوكرانية خلال السنة الماضية إلى هدوء السلطات الغريب إزاء الموضوع.  

وأضافت "كلّما كتبت عن الموضوع، اتهمني المسؤولون في الحكومة باختراع مشكلة. لكن اعتقال أحد أهم قادة الدولة الإسلامية هنا في كييف وأمام أعيننا يبيّن من دون أدنى شك أنّ العديد من أخطر رجال العالم يعتبرون أوكرانيا ملاذاً آمناً لهم. والفساد في كافة أجهزة الدولة، من الشرطة إلى المحاكم والمدّعين العامين، يفتح الباب أمام الإنتهاكات".

بعد تواصل الاندبندنت مع جهاز المخابرات الأوكراني، رفض الأخير كل المزاعم القائلة بأنّ أوكرانيا ترحّب بالإرهاب الدولي جملةً وتفصيلاً.

وقالت المتحدثة باسم الجهاز إيلينا جيتليانسكا "هذا الحكم خاطئ من أساسه. نتحدث اليوم عن بعض الحالات الفردية، وعن أشخاص يسعون للإختباء من السلطات. لكننا نجدهم جميعاً ونرحّلهم."

وافقت كلٌ من سيرجاتسكوفا وميرونوفا أنّ المقاتلين اللتان استجوبناهم لا يمثلون أي خطر حقيقي بالنسبة لأوكرانيا، أقلّه على المدى القصير. كما قالوا لهما إنه ليس من مصلحتهم إثارة المشاكل في موطنهم.

لكن هذا الأمر عرضة للتغيير في حال قررت كييف مواصلة الاعتقالات.

وشرحت ميرونوفا "أعرف الكثيرين ممن يعيشون حياة عادية ويقودون سيارات أوبر للأجرة مثلاً".

 "لن يثيروا المشاكل في المكان الذي يعيشون فيه. لكن إذا شعروا بأنهم محاصرون وارتعبوا من احتمال اعتقالهم، سنواجه عندها مشكلة كبيرة".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات