Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من دبلن إلى داعش... مشتبه داعشي إيرلندي يقول إنه وقع في شراك الخلافة، بينما يرى آخرون أنه إرهابي

من شمال سوريا أجرى ريتشارد هول حديثاً مع مواطن إيرلندي يزعم أن الأمر انتهى به على سبيل الخطأ في أراضي داعش

يسرد ألكسندر بكميرزاييف قصة السنوات الخمس ونصف السنة من حياته، وهي مدة قضاها في وسط أكثر التنظيمات الإرهابية عنفاً في الزمن الحديث. ويروي ابن الخامسة والأربعين، وهو مواطن إيرلندي تعود أصوله إلى روسيا البيضاء، قصة أخطاء وسوء طالع أفضت به من منزله في دبلن إلى ناحية معزولة في شرق سوريا حيث اعتُقل أثناء مغادرته آخر منطقة صغيرة المساحة يسيطر عليها داعش. ويصرّ على أنه لم يرغب يوماً في الارتباط بالتنظيم هذا. ولكن كثيرين رووا قصصاً مماثلة إثر القبض عليهم، في وقت التستر على الحقيقة يصب في مصلحتهم. ولكن هل يتوقع أن يصدقه الناس؟

"هذه قصتي، والأمور على هذا المنوال. وهذه حياتي"، يقول بنبرة نفاد الصبر. "ولو أيقظتني في الثالثة صباحاً، سأخبرك القصة نفسها". بكميرزاييف هو واحد من آلاف الأجانب الذين اعتقلوا وهم يغادروا الخلافة الشهر الماضي، وهم مشتبه بانتمائهم إلى داعش. وحالته هي مثال على التحدي الذي تواجهه السلطات هنا في سوريا وهناك في مسقط رأسهم. ويكاد يتعذر إثبات أن أياً من عاش في ظل داعش كان عنصراً فاعلاً في التنظيمأو نفذ جرائم نيابة عنه.

وتحوم شكوك كثيرة حول الداعشيين الأجانب، وعليه لا يرغب عدد كبير من الحكومات في عودتهم مخافة أن يشكلوا مصدر خطر. لذا، يبقون عالقين هنا في عهدة قوات سوريا الديموقراطية. ومصير آلاف من الأجانب المشتبه بانتمائهم إلى داعش وعائلاتهم، مبهم شأن ماضيهم.  ومأزق بكميرزاييف اليوم مختلف عن حياته في دابلن، إيرلندا. فهو هاجر من روسيا البيضاء في 1999، ونال الجنسية الإيرلندية في 2010. وقبل مغادرته سوريا عمل حارساً في نادٍ ليلي اسمه ليليز بورديلو.  "الحياة في إيرلندا كانت بسيطة. كانت تعجبني"، يقول في مقابلة مع "الاندبندنت" في منشأة عسكرية في شمال سوريا. "جربت العمل في مجالات مختلفة، ولكن الأمر انتهى بي في الحراسة. والراتب كان جيداً شأن ساعات العمل" يقول. ويصف نفسه في تلك المرحلة بـ "المسلم السيء أو الضال، كنت شخصاً مؤمناً ولكنني لم أكن أؤدي الفروض على أمثل وجه".

وليست محطات هذا الجزء من حياته موضع سؤال، بينما ما حصل في المرحلة اللاحقة تدقّق فيه السلطات الكردية الذي هو في عهدتها اليوم، والشرطة الإيرلندية في بلده. لا يذكر بكميرزاييف لحظة قراره التوجه إلى سوريا. ولكنه يتذكر أنه كان يتابع كثيراً أخبار هذا البلد، أخبار ضربات جوية وقتل المدنيين.

"وعلى التلفزيون"، كان ما يجري يُقدم على أنه مجزرة. [بشار الأسد] قُتل من غير رحمة كثيراً من الأشخاص"، يقول. فهو شخص يرتكب الشر". "وبدأت أفكر بالمساعدة. ولكنني لا أملك خبرة عسكرية. ولم أنوِ القتال، وفكرتُ في العمل  بالمجال الطبي".

في سبتمبر (أيلول) 2013، اشترى بكميرزاييف بطاقة سفر إلى إسطنبول، وقصد البلدة التركية الجنوبية، الريحانية، ومن هناك اجتاز الحدود. ويقول إنه لم يكن يعرف أحداً في سوريا، ولكنه بحث عن مستشفى حيث يسعه العمل. وانتهى به الأمر إلى بلدة حريتان في محافظة حلب. "بعض الناس جلبوني إلى هنا، وأخذوني في جولة إلى المستشفى حيث كان بعض الأطباء الروس"، يقول. "لم أدرس الطب. ولكنني كنت معاوناً وأفعل مهما طلبوا مني. فأنا تعلمتُ بعض الأمور مثل تغيير الضمادات. وفي البداية، عملتُ في البناء لأن الحاجة اقتضت بناء المستشفى". وفي أول أشهر أمضاها بكميرزاييف في سوريا، لم يكن تنظيم داعش قوةً غالبة بَعد. وفي مناطق الثوار في الشمال، كان التنظيم يخوض نزاعاً على السلطة مع "جبهة النصرة" المتحدرة من "القاعدة". والتنظيمان، "داعش" و"النصرة" يلتزمان أيديولوجيا جهادية متطرفة، وفي صفوف كل منهما مئات المقاتلين الأجانب. ويقول بكميرزاييف أنه لم يسعَ إلى الانضمام إلى داعش، ولم يكن على صلة بهم حين غادر إيرلندا.

وعلى قوله، أراد مساعدة المسلمين في سوريا. وعوض البحث عن عمل مع جمعية خيرية تعمل في البلد، اختار التوجه إلى منطقة يسيطر عليها تنظيم متطرف معروف صار في مرحلة لاحقة "داعش". وبعد وقت قصير على وصوله إلى سوريا، طلب من زوجته وطفله ابن التسعة أشهر الالتحاق به، وهذا ما فعلاه في يناير (كانون الثاني) 2014. "لا أريد فعلاً التحدث عن الأمر. ارتكبت أخطاء غبية. طلبتُ منهما اللحاق بي وقلتُ إن في وسعنا تقضية بعض الشهور هنا ثم العودة على أعقابنا. ولكن ما إن وصلا، بدأت المشاكل، فالحرب احتدمت"، يقول.

وبعد أسبوع على وصول عائلته، حاصر الجيش السوري الحر، أبرز قوة معارضة للأسد، بلدة حريتان. وحينها، أُجبر بكميرزاييف على الذهاب حيثما يذهب تنظيم داعش، على قوله. وفرّت عائلته إلى الرقة مع أعداد كبيرة من مقاتلي داعش. ولم يطل الأمر قبل لحاقه بعائلته. "ولاحقاً، اكتشفتُ أن الدولة تسيطر على تلك المنطقة"، يقول وهو يشير إلى داعش باحترام مشيراً إلى التنظيم بـ "الدولة".

وإثر العثور على عائلته، انتقل إلى بلدة مجاورة. ويقول إنه تعرف على أمير داعش، واستأذنه المغادرة. "أجاب بالإيجاب. ولكن في اليوم التالي، قدموا وصادروا جواز سفري. وبعدها أدركتُ أنني لن أذهب إلى أي مكان"، يقول بكميرزاييف. "وطوال ستة أشهر، لم أفعل شيئاً. ثم زارني وقال لي عليك العمل. فقلتُ إنني لن أقاتل. فطلبوا مني العمل كسائق للأجانب المقيمين في المنطقة". وفي أغسطس (آب) 2014، بدأ العمل في نقل الداعشيين الأجانب، وهم روس في معظمهم، من وإلى البلدة الصغيرة في جوار الرقة. وأضاف "لم أحمل السلاح. كنتُ سائقاً فحسب. وإذا قصدتُ مكاناً قصياً، كان أحدهم يرافقني، كانوا يرسلون معي بعض المقاتلين".

هذا كان عمله طوال عام إلى حين تفاقم مشاكل صحته العقلية، وهي مشاكل بدأ يعاني منها قبل الذهاب إلى سوريا. "أصبتُ بالكآبة، وتغيّر مزاجي، وعانيتُ من الإرهاق والقلق"، يقول. وفي مقابلة أخرى، قال بكميرزاييف إنه مصاب بالفصام. "سرحوني من عملي، وحُظر عليّ العمل بسبب مشاكلي. وكنت أذهب مرة في الأسبوع إلى المستشفى حيث يتلون عليّ رقى من القرآن. وكل أسبوع كنت آخذ أوراقاً منهم تثبت أنني أعمل، وإلا ينتهي المرء في السجن". ويقول بكميرزاييف إنه عاش على هذا المنوال بعضَ الوقت، إلى حين وقوع الرقة والمنطقة المحيطة بها في أيدي قوات سوريا الديموقراطية واضطرار داعش إلى الفرار إلى الجنوب. "ومع تقلّص الدولة، كنا نواصل الانتقال من مكان إلى آخر، كنا في حركة متواصلة"، يقول.

في مطلع العام 2018، تقلّصت الخلافة التي كانت ذات يوم قوية إلى رقعة بلدات وقرى على ضفة الفرات في دير الزور. ويصف الأشهر الأخيرة هناك على أنها معركة متواصلة للبقاء. "الإنسان كائن مذهل. لذا، يسعني التكيف مع كل شيء، مثلاً إذا ذهب المرء إلى متجر لم يُدمّر بعد، قد يقع صاروخ على بعد 200 متر، ويعتاد المرء الأمر". "نعم يشعر المرء بالخوف، ولكن هذا جزء من حياته. يستيقظ ويجد أن المبنى المجاور اختفى، شأن الأطفال الذي كان ابنه يلعب معهم. ويجد أنهم صاروا أشلاء"، يقول. وفي ديسمبر العام الماضي، كانت الفوضى تعمّ الخلافة. وبدأ الناس يجتازون الجبهات القتالية للوصول إلى خارج أراضي داعش. وآلاف النساء والأطفال فروا، ويُشتبه بأن كثيرين منهم هم من عائلات أعضاء في داعش.

"يستيقظ المرء كل صباح، ويرى أن خمسة إلى ستة منازل زالت"، يقول. "وفي هذه المرحلة عرفتُ أن أوان الرحيل آن". وبمساعدة أطراف محلية، غادر مع عائلته و40 إلى 50 عائلة. وتوجهوا إلى مناطق سيطرة قسد، قوات سوريا الديموقراطية، حيث أُلقي القبض عليه. وكان ثمة أميركيان وباكستانيان في المجموعة التي غادرت معه. وكلهم مشتبه بالانتماء الى داعش."وحين أدركوا أنني أجنبي، بدأوا بالصراخ، ولقموا أسلحتهم. أجلسونا على الأرض، أنا وعائلتي وكان صراخهم يعلو قائلين داعش، داعش داعش"، يروي بكميرزاييف. وفي بيان لها تقول قوات سوريا الديموقراطية إن المجموعة المعتقلة هي مجموعة "إرهابيين كانوا يعدّون لمهاجمة المدنيين الذين كانوا يحاولون مغادرة منطقة الحرب".

القصة التي يرويها بكميرزاييف عن الوقت الذي قضاه في الخلافة، ترمي إلى إبعاد الشبهات عنه في مسألة جرائم التنظيم. ولكن أسئلة كثيرة لم تجد جواباً عنها تتناول ما عرفه عن التنظيم قبل قدومه إلى سوريا، ودواعيه إلى السفر إلى هناك، وما فعله في سوريا. ويقول إنه لم يعرف داعش إلا حين وصوله إلى سوريا، على خلاف ما تقوله الشرطة الإيرلندية. وبناء على أنشطته قبل مغادرته دبلن، وصفته الشرطة بـ "اللاعب الجدي أو الوازن" في الدوائر الجهادية. وتشير "اندبندنت الإيرلندية"، إلى أن الشرطة تعتبر أنه "شخص مهم"، وليس مجرد متعاطف" مع داعش. وسبق أن أبلغ شرطي هذه الصحيفة أن بكميرزاييف كان "يتسكع مع عدد من الأشخاص ممن كانوا يُعتبرون شخصيات داعشية رئيسة في البلد، فهم كانوا في صدارة لائحة المراقبة، وكانوا يقدمون دعماً لوجستياً للتنظيم".

 يشير تقرير في صحيفة "ذي آيريش تايمز" أن الشرطة تعتقد أن بكميرزاييف صار متطرفاً على يد شخص يشتبه بتجنيده أشخاصاً في صفوف داعش في إيرلندا، ولذا، رُحِّل هذا الشخص إلى الأردن. "نعم، كنا أصدقاء، وغالباً ما كنت أقيم في منزله"، يقول بكميرزاييف عمن جرى ترحيله. "وصحيح ما يقولونه عن أنني كنت أدعمه مالياً، ودعمته بسبب ما فعلته به القوات الخاصة في الشرطة الإيرلندية. فهم ألغوا مخصصاته من المساعدات الاجتماعية. كان شخصاً مريضاً، وكان يعاني مشاكل في القلب والركبة، ولم يجروا له عملية".

ويقوِّض رأي الشرطة الإيرلندية في بكميرزاييف زعمه أنه قصد سوريا بصفته عاملَ إغاثة، أو أنه لم يعرف في ماذا كان يتورط. ولكن بعد خمس سنوات في الخلافة، ما رأيه اليوم بداعش؟

"إذا نظر المرء إلى عموم المهاجرين، الأجانب الذين جاءوا للعيش في الخلافة، وجد أمامه أشخاصاً صادقين. لا يفكرون في السياسة، أرادوا تشييد دولة إسلامية. وبذلوا ما في وسعهم، وضحوا بحيواتهم في سبيلها. هم أشخاص طيبون"، يقول.

ولكن هل ارتكبوا الفظاعات في حق المدنيين في العراق وسوريا؟ ألم يسمع بإبادة اليزيديين واستعبادهم؟ صمت طويل أعقب هذين السؤالين. "بالطبع، سمعتُ. وعلى الرغم من أني حاولتُ ألا أتورط بشيء، سمعتُ بهذه الأمور. قبل 6 أشهر، سمعتُ قصة امرأة يزيدية، وقلتُ لنفسي يا لها من حمقاء".

ولكن، ليس من الممكن اعتبار ما جرى أنه صنيعة بعض السيئين. وكان استعباد وقتل كل من عارض التنظيم سياسة داعش. والمسؤولية جماعية، أليس كل داعشي مذنباً ويتحمل وزر هذه الجرائم، ولو بطريقةغير مباشرة؟ أجابني بالقول "لا أتحدث عمن كان في الميدان. أعتقد أن معظم المقاتلين كانوا صادقين، وخيّرين. ولا أعتقد أنهم ارتكبوا هذه الأمور. ومعظم هذه الأعمال ارتكبها محليون".

وحين سألته عن أسباب عدم مغادرته حين أدرك عنف داعش، يقول بكميرزاييف إن "الفرصة لم تتسنَ له". ويسألني "هل تعرف كم عدد الأجانب الذين انتهى بهم الأمر في سجون شرطة داعش السرية؟ إذا قتل التحالف الدولي حوالي 60 في المئة من المقاتلين، فإن تنظيم داعش قتل نحو 30 في المئة منهم. يومياً كان واحدنا يسمع خبر القبض على أحدهم في الشارع وقتله".

والقصة التي يريد بكميرزاييف أن يصدقها العالم هي التالية: جاء إلى سوريا لمساعدة المسلمين، والتحقت به عائلته للعيش لمرحلة قصيرة، لكنه انجرف مع الخلافة وصولاً إلى آخر معاقلها في أقصى شرق سوريا. فهو أُجبر على العمل مع التنظيم، ولم يُصدّق أنه ارتكب أعمال عنف ضد الآخرين، فالعنف هو صنيعة المحليين والقادة الفاسدين. ويقول "لم آتِ إلى الخلافة بل إلى سوريا". 

ويقول مسؤولو الاستخبارات الكردية التي تعتقل بكميرزاييفإنهم سمعوا القصة نفسها من كل أجنبي يغادر منطقة داعش. وهم يرون أن معظمهم انتسب إلى داعش. ولكن إثبات ذلك يكاد يكون مستحيلاً. ويقول بكميرزاييف إنه يريد العودة إلى إيرلندا والتعامل مع سلطاتها. ولم تجبّ قوات سوريا الديموقراطية أسئلةً عن حالة بكميرزاييف.

 "إذا أرادوا محاكمتي فهذا حقهم. ولكن إيرلندا هي موطني، وأريد العودة. هذا حقي. وإذا كنت ابناً ضالاً، فهذا بلدي. وإذا كنتَ ترى أنني شخص سيء، لا يحق لك أن ترميني في البحر. هذا وطني الوحيد، وهذه قصتي. جئتُ إلى هنا لمساعدة المسلمين، ولكنني ارتكبتُ أخطاء انتهت بي إلى هذه الحال. وسبق أن دفعت الثمن".

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات