Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أسياد الزار" في قلب القاهرة

طقوس من مصر والسودان والحبشة في مركز المصطبة... وحضور أنثوي

فرقة نسائية مصرية  تؤدي عرض موسيقى الزار (اندبندنت عربية)

أسياد الزار، هو حدث أسبوعي يستضيفه مركز المصطبة للفنون الشعبية في القاهرة، تعرض فيه فرق موسيقية وغنائية أعمالها المستوحاة من فنون الزار. هذه الفرق التي تقدم هذا النوع من الموسيقى ليست فرقاً غنائية بالمعنى التقليدي، فأفرادها في الأصل ممن امتهنوا تنظيم جلسات الزار، هذا الطقس الشعبي الذي كان له حضور واسع في مناطق الشمال الأفريقي وحتى إيران. في مركز المصطبة يتم التعامل مع موسيقى الزار كنوع من الفولكلور أو التراث شبه البائد، فيجري تطويعه ليناسب أجواء العرض الجماهيري، مع الحفاظ قدر الإمكان على هذه الروح الطقسية التي يتميز بها. تستخدم هذه الفرق الآلات نفسها التي استخدمها من قبلهم، كما يحرصون على طبيعة الآداء التي تراوح  بين الغناء الهادىء والصخب.

أجواء تراثية

يتجاوز التعريف الذي يقدمه المركز على صفحته الرسمية لهذا النوع من الغناء فكرة الطقس الشعبي، فيصنفه كأحد أنواع العلاج بالموسيقى، مع استعراض مقتضب لتاريخه المطعم بتأثيرات أفريقية، وحضوره الفعلي في مصر منذ بداية القرن التاسع عشر. بين أبرز أنواع الزار التي يقدمها المركز يأتي الزار السوداني، وهو وثيق الصلة بالزار الحبشي، والذي كان منتشراً في القاهرة والإسكندرية، ويعتمد في الأساس على آلة الطنبورة، وهي آلة وترية تشبه القيثارة وتتشكل من هيكل خشبي وستة أوتار غليظة، أما عازفوها اليوم في مصر فيُعدون على أصابع اليد الواحدة، أشهرهم حسن برجمون والعربي جاكمو. النوع الثاني هو الزار المصري، وآخر أعضائه الشيخة زينب والريسة شادية والعازفتان ماجدة ووزة، وهن من أعضاء فرقة أسياد الزار، ويستخدمن آلة المزهر (الدف). أما النوع الثالث فهو زار أبو الغيط ذو الخلفية الصوفية، ويعتمد في الأساس على آلة الكولة التي تشبه الناي، وتؤديه فرقة دراويش أبو الغيط بقيادة الريس أحمد الشنكحاوي. هؤلاء هم أسياد الزار الذين يعرضون موسيقاهم بالتبادل على جمهور صغير في ساحة مركز المصطبة يوم السبت من كل أسبوع.

ما تقدمه هذه الفرق ليس هو النموذج الوحيد الذي يتبناه مركز المصطبة، فهناك أنواع أخرى من الموسيقى والغناء، يجمع بينها الانتماء إلى هذه الأجواء التراثية، وخاصة تلك الأنواع المهددة بالزوال أو النسيان كومسيقى السمسمية المعروفة في المدن المطلة على قناة السويس، والأهازيج النوبية التقليدية. هنا يتم إحياء هذه النماذج التراثية من الموسيقى، كما يمكنك أن تكتشف أنواعاً أخرى من الآلات غير المتعارف عليها، كآلة الرانجو مثلاً، وهي آلة تشبه آلة الإكسليفون، لكنها تعتمد في إخراج الصوت على صندوق مفرغ يحتوي على غرف ذات أطوال مختلفة موجودة أسفل كل قطعة خشبية، ويتم الدق عليها من طريق مضارب معدنية أو خشبية أيضاً. وهي تُستخدم في الزار السوداني. بين الآلات أيضاً هناك "حزام المونجور" المصنوع من حوافر الحيوانات، ويتم ربطه حول جذع الراقص ليصدر صوتاً متوافقاً مع الحركة. هناك آلات أخرى كثيرة مثل آلة الكيريا، وآلة البونجز، والتوزة، والشخاشيخ، والجيمبي، وكلها آلات ذات أصول أفريقية.

تاريخ ومسار

تأسس مركز المصطبة في بداية التسعينات من القرن الماضي على يد أحد أهم المهتمين بالفن والموسيقى الشعبية في مصر وهو الفنان زكريا إبراهيم، من أجل الحفاظ على الأنواع المهددة بالاندثار من الموسيقى الشعبية. القاعة التي تستضيف هذه العروض هي قاعة صغيرة لا تتسع لأكثر من خمسين أو ستين متفرجاً وتقع فى أحد الشوارع الجانبية القريبة من وسط القاهرة، وهي المساحة الرئيسية لمركز المصطبة، وهي تحظى بإقبال لافت من الشباب والأجانب المقيمين في مصر، ممن يبحثون عن أنماط موسيقية مغايرة. بدأ المركز نشاطه الفعلي بفرقة واحدة فقط وهي فرقة الطنبورة المكونة من فنانين ينتمون إلى مدن قناة السويس، بهدف جمع التراث الغنائي الخاص بهذه المدن. توسع المركز لاحقاً، وهو يضم اليوم أكثر من 11 فرقة شعبية تم تأسيس بعضها تحت رعاية المركز، ومن بينها فرقة الطنبورة وفرقة الرانجو وفرقة الجركن البدوية من شمال سيناء، إلى جانب عدد من الفرق الأخرى التى انضمت إلى المركز بعد تأسيسه، مثل فرقة الكف من مدينة أسوان، وفرقة البرامكة المُنتمين إلى عائلة واحدة ويقال أن نسب أفرادها يمتد إلى البرامكة فى عهد الدولة العباسية.

وهناك أيضا فرقة الرانجو، وهى مكونة من مجموعة من المصريين ذوى الأصول السودانية الذين استقروا فى مصر منذ أيام محمد على. معظم هذه الفرق قدمت عروضها في العديد من المسارح والمراكز الثقافية في المدن المصرية، إلى جانب مشاركتها في الكثير من الجولات الدولية والمهرجانات العالمية المتخصصة في الموسيقى التقليدية. ولا يقتصر نشاط المركز على تنظيم الحفلات والعروض الفنية فقط، إذ أن له دوراً تعليمياً وتثقيفياً أيضاً، فهناك ثلاث مدارس تابعة له لتعليم الموسيقى والغناء الشعبي في مدن بور سعيد والسويس والعريش. كما يضم مقره في القاهرة أرشيفاً ضخماً من المواد السمعية والبصرية المُتعلقة بالفنون الشعبية، وهي متاحة للباحثين والمتخصصين في هذه الأنواع من الفنون.

المزيد من ثقافة