Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل نجحت المبادرات الدولية والإقليمية في حلحلة الأزمة الليبية؟

محاولات الأمم المتحدة المتعددة فشلت... ودول الجوار اهتمت بمصالحها الشخصية... والرهان على خلق توافق سياسي داخلي

الأزمة الليبية إحدى القضايا الإقليمية بالمنطقة العربية وشمال أفريقيا التي تشهد تدخلاً دولياً مستمراً ورقابة دولية (أ.ف.ب)

يظلّ الملفُ الليبيُّ أحد ملفات المنطقة العربية الذي يشهد حالةً من النزاع الداخلي منذ سقوط حكم معمر القذافي في العام 2011، فضلاً عن أن ليبيا لم يسودها فقط النزاع الداخلي، بل يوجد كثيرٌ من التدخلات الدولية، سواء سياسياً أو عسكرياً.

ربما كانت البداية ترجع إلى التدخل العسكري من قِبل حلف الناتو في عملية "فجر أوديسا" في العام 2011، وهي العملية التي أجازها كلٌّ من جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة، وهنا لا بد من الإشارة إلى كون هذه العملية صنعت نمطاً دولياً من التدخل في الملف الليبي خلال تلك الآونة.

فرض النفوذ الدولي على الساحة الليبية
وبعد السقوط السياسي لنظام معمر القذافي، تراجع التدخل الدولي عسكرياً، لكنه زاد سياسياً، وباتت في تلك الآونة المبادرات الدولية للتسوية السياسية تظهر بكثافة من دولٍ أو منظمات عدة، وتحوَّلت ليبيا خلال أعوام قليلة إلى إحدى ساحات فرض النفوذ الدولي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وتنوَّعت الأنماط والحلول السياسية من خلال مبادرات المجتمع الدولي، خصوصاً بعد حالة الانقسام بين الشرق والغرب في 2014، ولهذا الرصيد من المبادرات الدولية سياقٌ مخصوصٌ نظراً إلى تأزّم الوضع الداخلي في ليبيا، وانعكاس هذا الوضع المتأزم على الأمن القومي للمنطقة ككل.

وتظل ليبيا حتى يومنا هذا قابعةً في المشكلات ذاتها، على الرغم من تغيير القيادات والإدارات في بعثة الأمم المتحدة، والتنوّع بين مبادرات الدول (خصوصاً الأوروبية) بشأن التسوية السياسية للملف الليبي، واختلاف دور آلية دول الجوار في التعامل مع الملف من آنٍ إلى آخر. وتبني نظرة تحليلية شاملة بخصوص هذه المبادرات من الممكن أن يصل بنا إلى كثيرٍ من الاستنتاجات حول تفاعل القوى الإقليمية والدولية مع ملف الأزمة الليبية، وهو ما ننتوي فعله في السطور القادمة.

البعثة الأممية في الداخل الليبي
تدخلت منظمة الأمم المتحدة من خلال بعثة رسمية، رئيسها يعد ممثلاً للأمين العام، وهو ما يدلُ على الاهتمام الدولي للأمم المتحدة فيما يتعلق بالملف الليبي منذ سقوط نظام معمر القذافي والدخول في مرحلة من الخضوع إلى السلطة الانتقالية التي أفرزها النزاع السياسي، وكانت في أول الأمر هي المجلس الوطني الانتقالي برئاسة المستشار مصطفى عبد الجليل، وهو من استطاع اجتذاب الرأي العام الدولي للاعتراف بشرعية المجلس الانتقالي في تمثيل ليبيا على مختلف الأصعدة في مرحلة ما بعد الثورة.

تبادل رئاسة البعثة الأممية في الداخل الليبي كلٌّ من: إيان مارتين، وطارق متري، لكن مع بداية حالة الانقسام في 2014، تغيَّرت قيادات البعثة الأممية، لكي تشهد أسماءً جديدة. الأسماء التي تولّت مسؤولية البعثة منذ حالة الانقسام كانوا الإسباني برنادينو ليون، ثم الألماني مارتين كوبلر، ثم اللبناني غسّان سلامة.

الجدير بالذكر أنه لم تكن هناك آلية واضحة للأمم المتحدة كمؤسسة فيما يتعلق بالشأن الليبي، وبالتالي كان كل رئيس بعثة يأتي بنمط مختلف من العمل في سياق الداخل الليبي، وأفرز ذلك كثيراً من الاتفاقات والاجتماعات والمبادرات التي ظهرت بخصوص الملف على المستوى الدولي، ومن ثمَّ باتت الحالة الليبية إحدى القضايا الإقليمية في المنطقة العربية وشمال أفريقيا التي تشهد تدخلاً دولياً مستمراً ورقابة دولية من كثب للتفاصيل المختلفة في ملف النزاع.

كلٌّ من إيان مارتن وطارق متري لم يحاولا الخوض في مسألة التسوية السياسية، نظراً إلى أن ولايتهما انتهت قبل الاهتمام الدولي بحالة الانقسام السياسي في الداخل الليبي، وكان الإسباني برناردينو ليون هو القائد الأممي لتخطيط وتصميم اتفاق التسوية السياسية الذي وُقّع في مدينة الصخيرات بالمغرب ديسمبر (كانون الأول) من العام 2015.

في هذا السياق، من الممكن المقارنة بين دور الأمم المتحدة في ظل الولايات المختلفة بين مبعوثي الأمين العام، خصوصاً منذ بدء مرحلة الانقسام السياسي في عام 2014، وهم الإسباني برناردينو ليون، والألماني مارتين كوبلر، وأخيراً اللبناني غسان سلامة. لكل اسم من هؤلاء كان هناك هدفٌ ونمطٌ للعمل، ووضع التوجهات الاستراتيجية للبعثة.

برناردينو ليون... اتفاق الصخيرات وزيادة التفتت
مما لا شك فيه أن السياق السياسي للمرحلة خلق نمطاً للدور الأممي للبعثة، هذا بخلاف طريقة الإدارة لمبعوثي الأمين العام للأمم المتحدة. برناردينو ليون كان حريصاً على التوصل إلى توقيع اتفاق سياسي، ولو بالحد الأدنى من التوافق بين الأطراف المتصارعة في الداخل الليبي، وبالتالي جاء توقيع اتفاق (الصخيرات) الذي وُقع بالمغرب ديسمبر (كانون الأول) 2015.

في تلك المرحلة كان المجتمع الدولي في انتظار مبادرة للتسوية السياسية تأخذ الوضع في ليبيا إلى حالة من اصطفاف الشرعية الدولية حول حل سياسي للصراع، لكن في واقع الأمر، الأثر الفعلي لاتفاق الصخيرات على الصراع الليبي كان سلبياً لأسباب متنوعة.

 

في البداية، توقيع الاتفاق وحصوله على شرعية وتأييد من المجتمع الدولي كونه نابعاً من منظمة دولية مثل الأمم المتحدة كان أحد أسباب زيادة التفتت بين النخب السياسية والعسكرية في الداخل الليبي، وفرض اتفاق سياسي دون إجماع كافٍ من النخب السياسية في ليبيا خلقَ طرفاً جديداً في الصراع، بالغرب الليبي على وجه التحديد، وهو المجلس الرئاسي تحت قيادة فايز السراج.

كان الصراع قبل اتفاق الصخيرات بين كيانين يحظيان بنوع من الشرعية، نظراً إلى أن الشرعية السياسية في أوقات الصراع دائماً ما تكون شرعية هشّة وغير راسخة، وهما مجلس النواب بطبرق، والمؤتمر الوطني العام بطرابلس، وهو ما تغيّر اسمه إلى مجلس الدولة بعد توقيع اتفاق الصخيرات.

لكن الجدير بالذكر أن المجلس الرئاسي دخل إلى المشهد بكثيرٍ من الدعم الدولي من ناحية، والقليل من القدرات الفعلية من ناحية أخرى، وهو ما انعكس سلباً على مدى مصداقيته بالداخل الليبي، ما جعل اتفاق الصخيرات أحد الأبعاد الجديدة في الصراع الليبي، وليس جزءاً من الحل.

ثم انتهت ولاية الإسباني برناردينو ليون، وخلفه الألماني مارتن كوبلر رئيساً لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا.

كوبلر... وسيطٌ بين الفرقاء الليبيين
جاء كوبلر إلى المشهد الليبي على أرضية من الشرعية الدولية في ليبيا، وفقاً لاتفاق الصخيرات ودور الأمم المتحدة في هذا الاتفاق غير المُفعّل، وكانت المهمة الرئيسية لكوبلر هي تفعيل اتفاق الصخيرات وتطبيقه على أرض الواقع، لكن كوبلر لم يتخذ المنحى نفسه الذي سعى إليه ليون، وهو صناعة الإجماع للتوصل إلى توافق سياسي. كوبلر كانت رؤيته أن مهمته الأولى هي تسهيل أي محاولة للتسوية السياسية بين الأطراف المتصارعة في ليبيا.

مارست بعثة الأمم المتحدة خلال فترة كوبلر دور الوساطة بين الفرقاء في الداخل الليبي، وكان كوبلر حريصاً على إيجاد آليات لتحقيق حالة من التوافق بين الأطراف المتصارعة وفقاً لما يرونه مناسباً.

وبالتالي كان هناك اختلافٌ بين ولاية ليون وولاية كوبلر، خلال ولاية ليون كانت الأمم المتحدة تسعى إلى حشد الدعم الدولي للحل السياسي الذي أتت به، دون النظر إلى الداخل الليبي، لكن ولاية كوبلر كانت معنية بكيفية صناعة إجماع حقيقي بين الأطراف المتصارعة في ليبيا، وبالدور الذي من الممكن أن تلعبه البعثة الأممية في هذا السياق.

غسان سلامة... خارطة طريق بجدول زمني
لكن كوبلر لم يتمكّن من تفعيل الاتفاق، وانتهت ولايته ولم تُجدد، وخلفه اللبناني غسان سلامة مبعوثاً للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، وكان لغسان سلامة نمطٌ مختلفٌ في التعامل مع الأزمة الليبية رغم قلة خبرته بالملف ككل.

مارس غسان سلامة نمطاً مختلفاً للأمم المتحدة في سياق الصراع الليبي، أتى سلامة في مرحلة كان يعاني خلالها الداخل الليبي حالة انشقاق جغرافي وسياسي، وحالة من التضارب بين الفاعلين الدوليين، وهو ما سنتطرق إليه لاحقاً.

حاول كوبلر كثيراً أن يصنع دوراً للبعثة وسيطاً بين أطراف الصراع، وأن يكون على استعداد لتلبية المتطلبات المختلفة من قِبل كل طرف لتفعيل الاتفاق، وهو ما لم يحدث، ولم يُترجم على أرض الواقع.

انتهت ولاية مارتين كوبلر، وانتقلت رئاسة بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا تحت قيادة غسان سلامة، ومما لا شك فيه غيَّر سلامة من نمط عمل الأمم المتحدة في ليبيا. جاء غسان سلامة منذ توليه المنصب بخارطة طريق للتسوية السياسية دون دراسة كافية للمجتمع الليبي وتطورات الصراع، على عكس المبادرات التي أتت من أسلافه.

غسان سلامة جاء بمبادرة سياسية تحمل في طياتها جدولاً زمنياً بتوقيتات محددة، وهو ما لم يحدث من قبل منذ بدء الصراع في الداخل الليبي، خصوصاً أن سلامة لم يكن يملك أي مصداقية بين الأطراف المتصارعة.

عمل غسان سلامة على ملفي الانتخابات والمصالحة الوطنية، ووضع جدولاً زمنياً لخطة من المفترض أن تأتي بالصراع إلى نهاية. نال اقتراح غسان سلامة كثيراً من الدعم الدولي، خصوصاً من دول غرب أوروبا، مثل فرنسا وإيطاليا، لكنه لم ينل أي إجماع في الداخل الليبي من كل الأطراف المتصارعة.

ولذا، بدأت تلك الدول التي تحرص على مصالحها في ليبيا، سواء دول الجوار أو دول أوروبية أن تعمل على حماية تلك المصالح خارج سياق المنظمات الدولية، وهو ما أضعف من احتمالات نجاح محاولات الحلحلة من قبل المجتمع الدولي والقوى الإقليمية.

دول الجوار... بين الموقف الرسمي والتدخل الفعلي
يوجد عددٌ من الدول يظل استمرار اهتمامها بحالة الصراع في ليبيا قائماً، وهذا نظراً إلى مصالح هذه الدول الممتدة في الداخل الليبي. على رأس هذه المجموعة من الدول هي آلية دول الجوار، وهي دولٌ طرحت مبادرات، واحتضنت فعاليات، وعملت على ملفات في سياق الصراع الليبي خلال الأعوام الأخيرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ربما كانت مصر هي الدولة الأكثر ثباتاً بشأن مصالحها في الداخل الليبي مقارنة بكل من الجزائر، وتونس، والسودان. ومما لا شك فيه أن الملف الليبي يعد قضية أمن قومي لدى الدولة المصرية، لكن التعامل الدولي مع حالات الصراع يحتاج إلى التفكير في استراتيجيات عمل.

قادت القوات المسلحة المصرية هذا الملف بعيداً عن العمل الدبلوماسي المتعلّق بوزارة الخارجية، أو بالعلاقات المصرية مع المنظمات الدولية مع الدولة المصرية، نظراً إلى كون الملف الليبي أحد ملفات الأمن القومي.

لم تتخلَ مصر عن دعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في الوقت ذاته كانت هناك مفارقة بين الموقف الرسمي والموقف الفعلي لمصر، وهو الوضع الذي تكرر مع أكثر من دولة من الدول الفاعلة بالداخل الليبي.

من غير الممكن إغفال حالة التناقض الموجودة بين موقف الدولة المصرية على المستوى الرسمي، وحالتها فيما يتعلق بالتدخل في الشرق الليبي، نظراً إلى فكرة حماية مصالحها، لكن على أي الأحوال، تظل مصر ثابتة في دعمها الفعلي للواء حفتر والشرق الليبي، دون أي اعتراض على مشروعات الأمم المتحدة لخطط ومبادرات التسوية السياسية، أو الصراع مع أيّ من الدول حول الملف.

الجدير بالذكر أن كلاً من تونس والجزائر تقدمتا بعددٍ من المبادرات فيما يتعلق بالشأن الليبي، لكن التوترات وغياب الاستقرار السياسي عن هذين البلدين جعلا دورها يتراجع فيما يخص الملف الليبي، لكن مواقف الدولتين تشابهات مع موقف الدولة المصرية فيما يتعلق بين الموقف الرسمي ونمط التدخل الفعلي.

مبادرات أوروبية واستمرار الصراع الليبي
الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا وإيطاليا كانت تحارب على جبهتين فيما يتعلق بمحاولات خلق دور ونفوذ بالداخل الليبي، وفي العالم العربي وشمال أفريقيا. التدخل الأوروبي كان مرتبطاً في الأصل بنقطتين أساسيتين، تغيّر السياسة في الدول الأوروبية وصعود التيار المحافظ الذي بدأ في مراجعة موقفه من أزمات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وملف الهجرة غير الشرعية الذي بات أحد الملفات التي تؤثر في الانتخابات السياسية بأوروبا، وهو ما يعني أن الربط بين الاتحاد الأوروبي بوصفه منظمة إقليمية معنية بحال المنطقة ككل، بات خالياً من التوافق والتنسيق بين الدول فرادة، ورعاية الدول فرادة لمصالحها بعيداً عن سياق المؤسسة.

كلٌّ من فرنسا، وإيطاليا، وألمانيا احتضنت مؤتمرات للتشاور حول الوضع في ليبيا، وحول مستقبل الصراع، لكن تلك المؤتمرات لم تصل إلى أي نتائج، نظراً إلى كونها معنيةً بامتداد النفوذ الإقليمي لكل دولة، أكثر من اهتمامها بخلق حالة من الحلحلة للصراع الليبي، ولذا تحوّلت مبادرات تلك الدول لإحدى الآليات التي من شأنها أن تصل أمد الصراع الداخلي في ليبيا، لكن نظراً إلى تضارب المصالح لا تعمل على إنهاء الصراع.

الحل... تواصل (ليبي - ليبي)
الأزمة الليبية تبدو في الوقت الحالي شديدة البعد عن اتفاق التسوية السياسية، محاولات الأمم المتحدة المتعددة لم تنجح في تقديم حل قابل للتطبيق على أرض الواقع وفقاً للسياق الليبي، كما أن دول الجوار أو الدول الأوروبية تبدو أكثر اهتماماً بمصالحها الشخصية أكثر من اهتمامها بتسوية الصراع الليبي عن طريق اتفاق سياسي.

وفي النهاية، يظل الحلُ يكمن في تواصل (ليبي - ليبي) يخلق من التوافق السياسي، وهي الحالة التي من الممكن إنْ وجدت أن تفعّل المبادرات الإقليمية والدولية على أرض الواقع. 

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي