Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لكل مقام مقال

تبدو الكتابة في حال متغيرة مع النشر الرقمي

هل الترجمة للصحف تختلف عن الترجمة لكتاب؟ (رويترز)

قد يكون كثيرون من قراء العربية، لا يعرفون أنّ كتباً كثيرة، في الثقافة العربية وحتى العالمية، هي جمع مقالات نُشرت في الصحف، وأنّ ثمة دراسات وبحوثاً أيضاً، نُشرت عبر الصحافة. لهذا، هناك من يقدس الكتاب، وينزل من مقام، ما يُنشر في الصحافة.

تحضرني هنا، واقعة طريفة، فقد كنتُ أحياناً، أجيب الصديق الذي جاءني، بخبر نشر كتاب جديد، صدر منذ يوم في بيروت مثلاً، بأنني اطلعتُ عليه، أمام دهشة الصديق، أطرح له بعض ما جاء في الكتاب، مشيراً إلى مقالاته وتفصيل منها، ثم أوضح للصديق، أن الكتاب جمع للمقالات التي احتواها، وهي نفسها التي نشرها الكاتب في الصحيفة التي يكتب لها عادة مقالاته.

كتاب "حديث الأربعاء"، يفوت على الكثيرين، أنه مقالات (طه حسين)، ما نُشرت كل أربعاء، وأثارت جدلاً وحواراً، خصوصاً مع صنوه محمود عباس العقاد!، هذا ما لا يحتويه الكتاب، ما يجعل الباحث المجد، عند دراسة قضية ما، أثارها طه حسين، يعود إلى الصحف، التي نشرت ما جاء في الكتاب. وقد كان من عادة الصادق النيهوم، ترجمة كتب حين نشرها، كسبق صحافي، لتنشر مسلسلة في جريدة الحقيقة الليبية، ما نشر فيها، فترة ستينيات القرن الـ 20، الكثير مما تُرجم وكُتب، ذلك بتناغم مع صديقه رشاد الهوني، رئيس الجريدة، ما يطرح سؤالاً: هل الترجمة للصحف، تختلف عن الترجمة لكتاب؟

من دون أن يفوتنا التنويه بالروايات والقصص، ما نشرت بالأساس منجمة بالصحف، التي عند إصدارها بكتاب، كثيراً ما يتم بعض التحوير، عما نُشر في الصحيفة!

الرواية المستقبلية، ما نشرت عام 1965، وتتناول أحداثاً تقع عام 2565 من مفكرة "رجل لم يولد"، للكاتب يوسف القويري، نشرت في صحيفة على شكل عمود صحافي، ما يجعل شكل النشر هذا، مدعاة للبحث والتنقيب، حول ما تثيره، حول ما طرأ، على الرواية لما يحتويها كتاب.

الآن، مع النشر الرقمي، تبدو الكتابة في حال متغير، لم نتبينه بعد، فللنص صيرورة مستجدة، والكاتب لم يعد، الصاحب الأحد للنص مثلاً، فالقارئ أصبح شريك الكاتب، وغير ذلك. وإذا كان القول إن لكل مقام مقالاً، يصح بالضرورة، عند الكتابة في الصحف الورقية، فإن هذا المقام غداً، خارج مكنة القبض عليه بقبضة واحدة، هي قبضة كاتبه، بدا وكأن المقام كما مرآة مقعرة، ما لا تعكس ما نرى، بل تحدث متغيرات، فهي كما المقام والمقال في الوقت ذاته.

إذا كانت للمقال أوجه، ملزمة عند النشر الورقي، وله أوجه محددة عند الكتابة، فإن هذه الأوجه لم تعد الأوجه الممكنة، فالكتابة الصحافية السيارة، باتت الكتابة الصحافية الطائرة، فالرقمي ليس مجرد وسيلة، كما في الورق ما نمسك به، بكل يد مضرجة!، لقد اختطف الرقمي الرسالة من المرسل، كما أن الإنترنت اختطف الخبر من المخبر، ليس ذلك من حيث الزمن فحسب، بل أيضاً المكان طبعاً، الزمن ما بات في الحين، جعل المكان يتعدد، لقد أمكن أن تكون للنظر، زوايا عدة وفي اللحظة، (اللحظة، في نظر أرسطو، مثلث أضلاعه، الماضي والحاضر والمستقبل)، وكأن لم يعد، أيضاً، للمقام مقام، وهنا التقنية مشاركة أساسية، في طرح السؤال، هل العالم هو العالم، الذي نعرف ونعرف ما لا نعرف عنه؟ أم أن هذه المسألة، مسألة تقنية محض؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عود على بدء

السنة الخامسة الابتدائية، طُلب مني إنشاء صحيفة ورقية، سميتها "الشروق"، لمَ التسمية لا أتذكر، لكن من طلب مني الإنشاء، أستاذي إبراهيم السحاتي، من صار في ما بعد الأمين العام، وأحد المؤسسيين، لأول نقابة للمعلمين في ليبيا، ثم رئيس اتحاد المعلمين العرب. لا أعرف لمَ أتذكر، أول مقالة كتبت ونشرت، ما كانت في أسلوب قصصي رمزي، حول جلاء المستعمر عن البلاد!، ما كان مطلباً شعبياً، لكن الآن بمنهج تأويلي، أعتقد أن أستاذي أوحى لي بالفكرة، من كان منخرطاً، في العمل النقابي، فالسياسي الوطني.

المقام بين وضوح الشروق، الأداة ممسكة في اليد، والمقال من لزوم ما يلزم، خصوصاً مع أستاذ كهذا، صاحب الفكرة وشريك النشأة، الرسالة تعليمية والمرسل إليه تلاميذ، هذه الواقعة مرتكز معرفي محدود، لقولة: "لكل مقام مقال"، المحددة لما يلزم المقال، في مسيرتي ما تجاوزت النصف قرن، منذ مقالي الأول المذكور، كانت القولة الأساس، ما من لزوم ما يلزم، لكن الآن، ليست تساورني الشكوك، بل ساورني اليقين، أن ليس لكل مقام مقال، بل للمقال أكثر من مقام، قد يكون أيضاً من دون مقام، أليس كذلك؟ 

ملاحظة: ما أثارت هواجسي تلك، إشارة صديق إلى أن الموضوع، ما نشرت هنا، الأسبوع الماضي، لم يكتمل، الملاحظة صحيحة، من حيث أن القارئ في الحدث، وما كتب عنه كتبه مراقب، في حالة نشوء الحدث، مع إضافة أن المقال، ليس بحثاً بطبيعة الحال، بذلك، هو مؤشر لما يتناوله، ومثير للمسألة يمسها من دون غوص، أيضاً من دون إخلال، هذا التعليل الكلاسيكي لإشارة الصديق، لكن للمسألة أوجهاً عدّة، أثرت في ما تقدم، نتفاً منها فحسب.

                  

اقرأ المزيد

المزيد من آراء