بعد الاجتماع الذي عقد مساء السبت 9 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، في بيت الوسط بين رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري ووزير المالية علي حسن خليل ومعاون الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله حسين الخليل، أوضحت ثلاثة مصادر رفيعة أن "المحادثات السياسية الرامية للتوصل إلى اتفاق لتشكيل حكومة جديدة، وصلت إلى طريق مسدود، وأن الاجتماع انتهى من دون تحقيق أي انفراجة بشأن تشكيل الحكومة الجديدة". في المقابل، أوضحت جماعة "حزب الله" أنها لن تُرغم على تقديم تنازلات.
"الأزمة تتعمق"
وقال مصدر مطلع على مواقف الحريري خلال المحادثات، إن "الأزمة تتعمق"، واعتبر أن "حكومة مكونة من تكنوقراط وسياسيين لن تكون قادرة على تأمين المساعدة من الغرب، وأنها أيضاً ستغضب المحتجين الذين يريدون أن يروا تغييراً في القيادة".
ومن بين هؤلاء زعيم "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية في الحكومة المستقيلة جبران باسيل، وهو صهر الرئيس ميشال عون.
وفي الاجتماع طرح "حزب الله" و"حركة أمل" موقفهما الداعي لعودة الحريري على رأس حكومة "تكنوسياسية". لكن الحريري رد أنه يوافق فقط على رئاسة حكومة تكنوقراط.
وفي هذا الشان قال المصدر "إذا عادت هذه الوجوه إلى الحكومة سندفع الشارع للعودة للاحتجاج بطريقة أكبر".
"الطريق مسدود"
في المقابل، أكد مصدر آخر مطلع على موقف "حزب الله" "حركة أمل"، "ألا شيء تغير، حتى الآن الطريق مسدود تماماً"، وتابع "عملياً يريد حكومة خالية من حزب الله"، لا شيء تغير حتى الآن، الطريق مسدود بالكامل. بعد مرور عشرة أيام لا بد أن تنحسم الأمور".
وفي بيان يشير في ما يبدو إلى المأزق وإلى خسارة "حزب الله" مقاتلين في كثير من الصراعات، قال محمد رعد رئيس كتلة حزب الله البرلمانية "لا تُلوى ذراعنا ولا يُحيّدنا عن تحقيق أهداف الشهداء، لا شُغل ولا اهتمام جزئي ولا معارك مفتعلة يفرضها الآخرون بين الحين والآخر".
بدوره، حث البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، الرئيس على الإسراع بتسمية رئيس للوزراء وتشكيل حكومة تلبي مطالب المحتجين. وقال "حال البلاد لا يتحمل أي يوم تأخير".
رسالة سلام
وفي اليوم الـ 25 لانتفاضة لبنان، السياسيون يبحثون في جنس الملائكة، بينما الشعب المنتفض يبحث عما يمكن أن يطمئنه ليومه لا لغده الذي بات في مهب بلد شبه مفلس أو على شفا الانهيار والسقوط التام. إلا أنّ اللبنانيين مصرون على حراكهم حتى تحقيق مطالبهم، وألاّ عودة إلى ما قبل تاريخ 17 أكتوبر (تشرين الأول) تاريخ بدء حراكهم.
وفي الأحد الرابع على التوالي منذ بدء التظاهرات، اتسعت حركة الاحتجاجات الشعبية لتشمل مناطق جديدة، إذ نظم المتظاهرون تجمعات أمام مطار القليعات في عكار شمال البلاد، وأمام منازل القيادات السياسية في طرابلس، إلى جانب تجمعات في " الزيتونة باي" في وسط العاصمة بيروت من حيث أطلق حمام السلام رداً على سياسة التهويل المتبعة بحرب أهلية مفترضة. كذلك شهدت مدينة بعلبك في البقاع، ومدن صيدا وصور والنبطية جنوباً، تحركات واحتجاجات.
ورفع المتظاهرون أعلام لبنان واللافتات المطالبة بمكافحة الفساد ورفض المحاصصة والطائفية السياسية، محملين السلطة السياسية الحالية مسؤولية تدهور الأوضاع المالية والاقتصادية والمعيشية بشكل بالغ.
تظاهرة أمام مصرف لبنان
وفي الجنوب، نظم الحراك الشعبي مسيرة حاشدة انطلقت من ساحة العلم في صور باتجاه مصرف لبنان، بمواكبة قوى الأمن الداخلي والجيش، الذي انتشر في محيط الساحة وعلى طول الطريق حتى المصرف. وقد شهدت المسيرة إشكالاً بدأ حين تهجم عناصر تابعة لحركة "أمل" المحسوبة على السلطة، لكن الجيش تدخل فوراً وعمل على فضه، بحسب الوكالة الوطنية للإعلام.
كما شهد اليوم الأحد مسيرة حاشدة لتجمعات نسائية انطلقت من أمام مقر وزارة الداخلية في بيروت إلى ساحة رياض الصلح بوسط العاصمة، تحت عنوان "ثورة أمهات لبنان"، مطالبة بتعديل قانون الجنسية بما يتيح للمرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي منح أبنائها الجنسية اللبنانية.
وأكدت السيدات المشاركات في المسيرة أن إعطاء المرأة اللبنانية الجنسية لأبنائها، هو حق، واعتبرن أن "القانون الحالي الذي يمنع ذلك ينطوي على تمييز جائر يقتضي تغييره وتعديله لمنح المرأة حقوقها المشروعة".
القطاع الزراعي
كما حملت الاحتجاجات في محافظة البقاع ومدن الجنوب، مطالب أخرى تتعلق بضرورة تحسين أوضاع قطاع الزراعة الذي يشهد تدهوراً كبيراً، ودعم استقلال القضاء والنأي به عن التدخلات والضغوط السياسية.
أما مجموعة "لحقي" المشاركة في الاحتجاجات فطالبت الشارع اللبناني بالنزول إلى الساحات والتظاهر حتى تحقيق مطالبه.
ودعت المجموعة في بيان إلى تشكيل حكومة مصغرة مؤقتة بصلاحيات تشريعية استثنائية، من خارج السلطة السياسية تعمل على "إنقاذنا من الأزمة الاقتصادية، ومنع خروج رؤوس الأموال الكبيرة من البلاد، والعمل على إجراء انتخابات نيابية مبكرة تحت قانون عادل يضمن صحة تمثيلنا، مع خفض سن الاقتراع إلى 18 سنة".
المحظور الاقتصادي
ومع مرور أيام الانتفاضة، يزداد المشهد سواداً، فلبنان دخل في المحظور الاقتصادي، وقطاعات حيوية عدّة تدق ناقوس الخطر تزامناً مع استمرار التظاهرات، وحالة من الفوضى تسود الأسواق مع إغلاق محطات وقود أبوابها وارتفاع أسعار سلع أساسية وإشكالات شهدها بعض المصارف، والأزمات تنذر بالأسوأ على الصعد كافة، فإلى النقدية والمالية، المستشفيات رفعت الصوت، عشرات المؤسسات أقفلت أبوابها، ومعها زادت البطالة، فلم يعد أمام معظم اللبنانيين إلاّ ساحات الاحتجاجات والتظاهر.
في المقابل، سياسيو لبنان على لا مبالاتهم، فلا دعوة إلى استشارات تكليف رئيس للحكومة، وبالتالي لا حكومة في المدى المنظور، وما سُجِّل من حراك في الساعات الأخيرة، اجتماعات طمأنة اقتصادية، وبعض الحراك السياسي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الطلاب وزمام المبادرة
وتسود حالة من الخوف بين المواطنين غير القادرين على تحصيل ما يريدون من ودائعهم المصرفية مع تشديد المصارف إجراءات الحد من بيع الدولار والخشية من زيادة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وبات التجار الكبار غير القادرين على الحصول على الدولارات من المصارف يتلاعبون بدورهم بالأسعار ويبيعون بضائعهم للتجار الصغار بسعر الصرف الذي يناسبهم، وفق ما قال رئيس جمعية المستهلك غير الحكومية زهير برو لوكالة الصحافة الفرنسية. ويتوافد اللبنانيون إلى المؤسسات التجارية الضخمة للتموين خشية انقطاع البضائع وتحسباً لارتفاع جديد في أسعارها.
سوق دولار موازية
وللمرة الأولى منذ أكثر من عقدين، ظهرت خلال الصيف سوق موازية، وبات الدولار اليوم يصل إلى 1800 ليرة، بينما لا يزال السعر الرسمي لليرة ثابتاً على 1507 ليرات.
يأتي ذلك مع تشديد المصارف اللبنانية إجراءات الحدّ من بيع الدولار خلال أسبوع فتحت فيه أبوابها بعد توقف دام أسبوعين جراء الاحتجاجات الشعبية، ولم يعد بإمكان المواطنين الحصول على الدولار من الصراف الآلي، كما تفرض المصارف رسماً إضافياً على عمليات سحب الدولار المحدودة جداً مباشرة منها.
حراك... بلا بركة
وعلى إثر لقاء بين رئيس الجمهورية ميشال عون ووزيري الاقتصاد منصور بطيش والمالية علي حسن خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف، أعلن رئيس جمعية المصارف سليم صفير في بيان أنه جرى اتخاذ قرارات عدّة، بينها "تيسير الحاجات اللازمة للمودعين ولا سيما منهم صغار المودعين للمحافظة على أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية".
وأكد البيان أن "أموال المودعين محفوظة ولا داع للهلع"، مشيراً إلى "الطلب إلى حاكم مصرف لبنان الاستمرار في اتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على سلامة النقد والاستقرار الاقتصادي وسلامة أوضاع النظام المصرفي". وتغلق المصارف أبوابها يومَيْ السبت والاثنين لمناسبة المولد النبوي على الرغم من أن العطلة الرسمية يوم الاثنين فقط، في خطوة رأى مراقبون أن الهدف منها قد يكون تخفيف الضغط عنها.
وتداول مواطنون خلال الأسبوع الماضي أشرطة فيديو عدّة تظهرهم وهم يتشاجرون مع موظفين في المصارف لعدم السماح لهم بسحب ما يريدون من مبالغ بالدولار، أو لعدم قبول المصارف أن يدفعوا مستحقات قروضهم بالليرة اللبنانية. وأغلقت محطات وقود عدّة أبوابها مع انتهاء المخزون لديها وصعوبة القدرة على الشراء من المستوردين بالدولار الأميركي.
تهديد المستشفيات
وهدّدت المستشفيات اللبنانية بأنها ستتوقف عن استقبال المرضى ليوم واحد منتصف الشهر الحالي كإجراء تحذيري، في حال لم تستجب المصارف خلال مهلة أسبوع لطلبها تسهيل تحويل الأموال بالدولار لشراء مستلزمات طبية. وبدأت التحركات الشعبية، غير المسبوقة في لبنان ضد أداء الحكومات المتعاقبة، مع ازدياد الوضع الاقتصادي سوءاً ومعارضة المواطنين لزيادة الضرائب عليهم، وتخوفهم من تدهور قيمة الليرة.
جنبلاط: أتحمل كامل المسؤولية
في المواقف، غرّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وقال "بالأمس كانت الذكرى الـ 30 لسقوط جدار برلين. إن الحزب التقدمي الاشتراكي مدعو إلى ورشة فكرية وتنظيمية تعيده لتاريخه الثائر دائماً وأبداً تاريخ كمال جنبلاط. إنني أتحمل كامل المسؤولية لعدم الاشتراك الرسمي في الحراك وإنني واثق بأن حراك الشباب الحزبي سيحطم كل الجدران من أجل حزب جديد".
بالامس كانت الذكرى الثلاثين لسقوط جدار برلين .ان الحزب التقدمي الاشتراكي مدعو إلى ورشة فكرية وتنظيمية تعيده لتاريخه الثائر دائما وأبدا تاريخ كمال جنبلاط.انني أتحمل كامل المسؤولية لعدم الاشتراك الرسمي في الحراك وإنني واثق بان حراك الشباب الحزبي سيحطم كل الجدران من اجل حزب جديد pic.twitter.com/DE5B3QcQpJ
— Walid Joumblatt (@walidjoumblatt) November 10, 2019
مسيرات حاشدة
وتشهد أيام الأسبوع تحركات احتجاجية عدّة، تشمل اعتصامات أمام مؤسسات رسمية ومصارف وإجبارها على إغلاق أبوابها، ولكن عادة ما تحصل التظاهرات الأكبر والتي تملأ الساحات يومَيْ السبت والأحد.
والسبت، خرج مئات الطلاب في مسيرات حاشدة في بيروت وصيدا وصور جنوباً إلى طرابلس شمالاً والبقاع في الشرق، وسار المئات من أمام قصر العدل باتجاه ساحة التظاهر في وسط بيروت تحت شعار "لا للقضاء الفاسد". ومع حلول الظلام، أضاء المتظاهرون هواتفهم الخلوية أثناء سيرهم، مردّدين شعار "ثورة، ثورة".
لا بوادر حلحلة
ومنذ استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري في 29 أكتوبر تحت ضغط الشارع، ليست هناك أي بوادر لتشكيل حكومة جديدة يطالب المتظاهرون بأن تضم اختصاصيين من خارج الأحزاب التقليدية، ولم يدعُ عون حتى الآن إلى الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس جديد للحكومة. وحضّ البنك الدولي لبنان على تشكيل حكومة سريعاً، وقال إن "الآتي يمكن أن يكون أسوأ إن لم تتم المعالجة فوراً" في بلد تبلغ ديونه المتراكمة 86 مليار دولار، أي ما يعادل 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.