Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هواجس تركية من تأخّر الانسحاب الأميركي من شمال سوريا وخفايا "خريطة الطريق"

يرفع كل تأخر في الانسحاب الأميركي منسوب القلق التركي. وتدفع أنقرة في اتجاه إجراء مفاوضات مع واشنطن لملء الفراغ بعد انسحاب القوات الأميركية.

أطفال سوريون يلعبون في باحة مدرسة مدمّرة جزئياً جراء المعارك في بلدة كفير في محافظة إدلب (أ. ف. ب.)

 

صبرُ أنقرة شارف النفاد وهي تحدق إلى حدودها الجنوبية، وبدقة أكبر إلى طريق منبج السوري، تمدُ يدها لترتيب أوراق اللعبة، فتدخل إلى مفاوضات عسيرة روسية من جهة وأميركية من جهة أخرى، وذلك حفاظاً على توازنات سياسية واقتصادية ولوجستية في منطقتها. وتضع في يدٍ أخرى الإصبع على الزناد، تغريها عملية عسكرية واسعة لـ "محاربة الإرهاب" بحسب تعبيرها، وتبدي استعداداً لخوضها ولو منفردة بعد انسحاب القوات الأميركية.
ومع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب نيّته سحب قواته من سوريا مع نهاية أبريل (نيسان) المقبل، نشرت قيادة القوات المسلحة الأميركية بياناً على موقعها الرسمي، أشار إلى أن المخطط له سحب الجزء الأكبر من الجنود الأميركيين من سوريا منتصف مارس (آذار) المقبل، مع النية بالسيطرة على آخر معاقل مسلحي تنظيم "داعش"، في حين كشفت صحيفة الـ"غارديان" البريطانية عن أن زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي، نجا من محاولة انقلاب داخلية جرت الشهر الماضي، على يد مقاتلين أجانب، غرب سوريا الأمر الذي شككت في صحته مصادر سورية معارضة.
 
رفض المنطقة الأمنة
من جانبها، تسعى دمشق إلى استعادة ما تبقى من أراضٍ لا تزال خارج سيطرتها في شمال البلاد ومنطقة التنف، لا سيما بعد معارضتها وحليفها الروسي فكرة إنشاء المنطقة الآمنة. وتبدو دمشق مقتنعة باتفاق أضنة الذي تم التوصل إليه برعاية روسية، في حين يجد مراقبون سوريون أن التركي يراوغ بشأن ذلك الاتفاق كي لا يخسر اللاعب الروسي.
وتهدف دمشق من خلال رفضها المنطقة الآمنة، إعادة السيطرة على شمال البلاد كله لضمان وحدة الأراضي السورية. ولم يتغير موقفها هذا، الذي تجسّد في بيان لوزارة الخارجية السورية في 26 يناير (كانون الثاني) الماضي، حين عبّرت عن التزامها اتفاق أضنة والاتفاقات المتعلقة بمكافحة الإرهاب بكل أشكاله، لكنها أشارت إلى أن تركيا تخرقه منذ العام 2011.
في موازاة ذلك، يرفع كل تأخر في الانسحاب الأميركي منسوب القلق التركي. وتدفع أنقرة في اتجاه إجراء مفاوضات مع واشنطن لملء الفراغ بعد انسحاب القوات الأميركية. وتصف تركيا المناطق التي وفّرت الأمن فيها، بأنها "أكثر المناطق هدوءاً في سوريا" في إشارة إلى المناطق التي أجرت القوات التركية عمليات عبر الحدود فيها، وأبرزها عمليّتَا "درع الفرات" و"غصن الزيتون". 
من جهتها، تأمل موسكو أن تفي أنقرة بالتزاماتها كاملةً، بخاصة ضمن إطار منطقة التصعيد في إدلب السورية، بما في ذلك إنشاء منطقة منزوعة السلاح، وذلك وفق تصريح الممثل الرسمي لوزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، نظراً إلى صعوبة الوضع في منطقة إزالة التصعيد. وتتوقع موسكو من الأتراك تكثيف الجهود من أجل عكس الوضع على الأرض وتحقيق التزاماتهم بموجب اتفاقات إدلب التي تم التوصل إليها في 17 سبتمبر (أيلول) 2018، بما في ذلك إنشاء منطقة منزوعة السلاح. ووصف وزير المالية والخزانة التركي بيرات البيرق، الجمعة 8 فبراير (شباط) الحالي، روسيا بأنها شريك مهم جداً لتركيا، وهي التي منعت موت المدنيين في سوريا بالوسائل السياسية، مع إشادته بعمق العلاقات في مجالات التجارة والطاقة.
الحليف الأميركي وشروط اللعبة
في المقابل، لا يبدو مطبخ السياسية الخارجية الأميركية مرتاحاً لقرار الانسحاب، وهذا بدا جلياً باستقالة وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس، وشخصيات أخرى تبعته. ولفتت إدارة ترمب إلى مسألة تجنب وضع خطة تضمن حماية الأحزاب الكردية في سوريا بعد الانسحاب. وستظل خطة الانسحاب المذكورة سارية المفعول إذا لم تعدّل واشنطن جدولها الزمني. وصرح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بأن "انسحاب القوات هو في الأساس، تغيير تكتيكي وليس تغييراً في المهمة، إنه مجرد مرحلة جديدة في الصراع." أما تركيا فيبدو أنها حسمت أمرها وستندفع نحو التطبيق إذا تأخرت واشنطن في منحها المنطقة الآمنة، محذرةً من مغبة استمرار الدعم الأميركي "وحدات حماية الشعب الكردية". وستتضح عواقب هذه الخطوة في المستقبل القريب، بعدما عرضت واشنطن على أنقرة زيادة حجم التجارة الثنائية إلى 75 مليار دولار في ديسمبر (كانون الأول) 2018، خصوصاً بعدما حيّر ترمب فريقه الخاص للأمن القومي عقب إصداره قراراً مفاجئاً قضى بسحب القوات الأميركية وقوامها 2000 جندي معلناً هزيمة "داعش". وتريد تركيا إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا بدعم لوجستي من الحلفاء، بهدف "تطهيرها" من "وحدات حماية الشعب الكردية"  (YPG)المدعومة من الولايات المتحدة، إلا أن واشنطن وأنقرة وافقتا في يونيو (حزيران) الماضي على خريطة طريق من شأنها إزالة القوات الكردية من منبج في شمال سوريا. وأعربت تركيا مراراً عن إحباطها من تأجيل تنفيذ الخطة، وحذرت من أنها ستنتظر بضعة أسابيع فقط لإبعاد المسلحين من منبج. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن بلاده تملك كل الإمكانات لإقامة المنطقة الآمنة شمال سوريا، جاء ذلك خلال كلمة في اجتماع لمجلس العلاقات التركي - الأميركي يوم الثلاثاء 5 فبراير (شباط)، مشيراً إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يرغب في تعزيز علاقات بلاده مع تركيا، وأن مخططات من أرادوا تقويض العلاقات مع الولايات المتحدة باءت بالفشل. وتختلف الصورة في الخفاء لأن العلاقات الأميركية – التركية مستمرة في التدهور. وكشف مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية دانيل راي كوتس في يناير (كانون الثاني)، عن أن طموحات تركيا الإقليمية وغياب ثقتها بواشنطن والتسلّط المتزايد للقادة الأتراك وشراء أنظمة الصواريخ الروسية المضادة للطائرات "أس 400"، هذه كلها أثّرت في تدهور العلاقات بين البلدين. وزاد ذلك دعم الأميركيين للأكراد في سوريا. وتعارض الولايات المتحدة وأعضاء حلف شمال الأطلسي شراء أنقرة أنظمة الدفاع الجوي الروسية. وعلى الرغم من المشاورات السرية التي تجري لإلغاء أمر "أس 400"، في مقابل توريد "باتريوت"، في حين لا يزال الاتفاق الذي وقعته أنقرة مع موسكو بشأن تزويد تركيا نظام "أس 400" في سبتمبر 2017 سارياً وينص العقد على بيع أربعة أقسام مجهزة بهذه الأنظمة وتبلغ تكلفة الاتفاقية 2.5 مليار دولار، وستتمّ تغطية أكثر من نصف المبلغ بقرض روسي. أما إذا كانت المنطقة الآمنة بعرض يراوح بين 30 و40 كيلومتراً، وتشمل كل الحدود التركية - السورية في منطقة شرق الفرات، فمن المتوقع أن تشمل معظم المدن الرئيسة التي تقع تحت سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، بدءاً بمدينة عين العرب (كوباني) ورأس العين وصولاً إلى مدينة القامشلي في أقصى شمال شرقي سوريا، فضلاً عن الدرباسية والقحطانية وعامودا والمالكية.

المزيد من العالم العربي