Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نيودلهي تواجه التلوث بطوارئ صحية وحظر السيارات

اسئلة عن جدوى الاجراءات في ظل تلوث متصاعد فاقمته احتفالات "ديوالي"

طفلة تسير في أحد شوارع نيودلهي مرتدية قناعاً لتخفيف وطأة تلوث الهواء (رويترز)

اتسمت حركة المرور الأسبوع الماضي في العاصمة الهندية دلهي، بضآلة غير عادية في أعداد السيارات، في أعقاب الحظر الذي فرضته السلطات على سير نصف السيارات الخاصة في محاولة منها للحد من التلوث، واحتواء الضباب الدخاني السام الذي اجتاح المدينة لأكثر من أسبوع.

ويوضح رئيس وزراء ولاية دلهي (التي تضم العاصمة) أن الإجراء الأخير الذي اتخذته السلطات والمعروف بإسم "نظام الأرقام الفردية والزوجية" سيخفف من وطأة التلوث عِبْرَ تخفيض عدد المركبات الخاصة على الطرق إلى قرابة 1.5 مليون سيارة، لأنه لن يسمح بقيادتها داخل العاصمة إلا في أيام تبادلية، تبعاً لأرقام اللوحات المنتهية بأرقام فردية أو زوجية، وذلك لغاية الخامس عشر من نوفمبر (تشرين الثاني).

لكن في المقابل، تثير تلك الإجراءات بعض الجدل حيال نجاعة المنافع التي تنطوي عليها، خصوصاً أنها ليست المرة الأولى التي توضع فيها مثل هذا المخططات وكان أبرزها ما طُبق خلال العامين 2016 و2017، لكنها لم تُحدِثْ سوى تأثير ضئيل في خفض المعدلات الإجمالية لتلوث الهواء. في المقابل، لقيت الإجراءات قبولاً واسعاً من قبل الجمهور، بعدما أدّت الظروف المناخية الرهيبة الأسبوع الماضي إلى انخفاض في الرؤية، فيما سجلت مؤشرات جودة الهواء أسوأ الأرقام لفصل الشتاء حتى الآن.

وأبلغ ركاب توجّهوا إلى العمل صباح الاثنين الماضي عن حركة أكثر اكتظاظاً على شبكة السكك الحديد في مترو دلهي، على الرغم من وضع 61 قطاراً إضافياً في الخدمة للتكيّف مع الزيادة المتوقعة في عدد الركاب. ووجد موظفو المكاتب في المراكز التجارية المزدحمة مثل "كونوت بليس" صعوبة في الحصول على سيارة أجرة، بحيث التزمت المركبات التابعة لشركتي "أوبر" و"أولا" بعدم فرض زيادة في الأسعار خلال فترة تطبيق قاعدة "الأرقام الفردية والزوجية".

وفي المقابل، انطوت القاعدة الجديدة على بعض الاستثناءات، إذ لم تشمل سيارات الأجرة والعربات ذات العجلات الثلاث، وكذلك أعفت النساء اللواتي يقدْن سيارات خاصة بمفردهن، والأشخاص ذوي الإعاقات الجسدية، ومن يُعرفون بـ"الشخصيات المهمة". وفي المقابل، حدث التزام كبير فيها، بحسب ما أفاد به استطلاع أجرته صحيفة "اندبندنت" حول انتشار السيارات ذات الأرقام الزوجية على الطرق الرئيسية. وكذلك أدى التلوث إلى إغلاق المدارس ما ساهم في تخفيف الضغط عن شبكة النقل، على أن يُعاد فتحها ما لم يجري تمديد نظام الحدّ من تجوّل السيارات الخاصة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي خضمّ ذلك كله، أعلن رئيس الوزراء آرفيند كيجريوال نجاح الخطة، وأكد أن "نسبة الالتزام تقارب 100%" وقد عملت السلطات على إطلاق حملات هدفها رفع الوعي بالخطة امتدت على مدار أسابيع، كما ضاعفت غرامةعدم الامتثال بها إلى 4 آلاف روبية (43 جنيهاً إسترلينيا).

وغرّد كيجريوال عبر حسابه على موقع "تويتر" موضحاً أنه لجأ خلال تلك الأزمة إلى وسيلة انتقال مشتركة برفقة إثنين من زملائه في الحكومة، وحضَ الناس على مشاركة سيارتهم مع آخرين، لما تنطوي عليه من منافع، "إنها تعزّز بناء صداقات وتساهم في توفير الوقود وتقليل التلوث". وعمد أحد الوزراء أيضاً إلى ركوب دراجة هوائية للذهاب إلى العمل، وفقاً لقناة "آن دي تي في" NDTV.

وتشهد نيودلهي سنوياً موجات تلوث قوية في الهواء وتنجم عن مجموعة عوامل مختلفة مثل الغبار الآتي من مشاريع البناء والانبعاثات المتأتية من السيارات والمصانع، إضافة إلى ما يأتي من حرق مخلّفات زراعية بوتيرة كبيرة في المناطق المجاورة، ما حدا برئيس الوزراء كيجريوال إلى وصف العيش في هذا الإطار بأنه أشبه بـ "غرفة الغاز".

وساهمت الانبعاثات المتأتية عن ملايين من الألعاب النارية التي أُطلقت أخيراً خلال احتفالات مهرجان "ديوالي" الهندوسي في زيادة الطين بلّة، فيما لا يساعد الطقس البارد والظروف الجوية السائدة في اندثار الضباب الدخاني ما جعله يستقر أياماً متتالية.

ودعا علماء وناشطين في مجال البيئة السلطات المركزية وحكومات الولايات إلى بذل مزيد من الجهود لمنع الضباب الدخاني من الاستقرار طويلاً. وانتقدوا السلطات على مماطلتها في بلورة خطةٍ لن تُنفذ إلا بعد فترة من نشوء الأزمة. ويُشار إلى أن المسؤولين المعنيين في المدينة لم يوزّعوا أقنعة مقاومة للتلوث التي يُفترض تقديمها مجاناً إلى خمسة ملايين طالب، إلا في أواخر الأسبوع الماضي، بعد أيام عدة من اندلاع الأزمة بالتزامن مع مهرجان "ديوالي" وعندما كان معظم المسؤولين في إجازة.

وبحسب ريشا أبادهياي التي تمثل "صندوق الهواء النظيف"، وهي مبادرة خيرية دولية للتصدي لتلوث الهواء، فإن الكيل قد فاض بسكان نيودلهي في ما يتعلق بطريقة التعامل مع المشكلة. ووفق كلماتها، "التعبئة العامة والغضب العارم للناس دفعا بالسلطات إلى اتخاذ إجراءات."

وفي تصريح إلى صحيفة "اندبندنت"، أوضحت أنه "في ظل التوقعات التي باتت معروفة حول إمكان ارتفاع معدلات التلوث في هذه الفترة، توجّب حدوث تحرّك أوسع وحشد أكبر للجهود والمحاولات الرامية إلى تنسيق العمل ودرء الخطر، حتى قبل بضعة أسابيع، بدلاً من محاولة فعل بذلك عندما نكون قد أصبحنا في صلب المشكلة."

وتلقي حكومة دلهي باللوم الكبير على المخلّفات الناتجة من حرق محاصيل زراعية في الولايات المجاورة. ويبدو أن رسالتها بدأت تلقى أصداء في أوساط سكان العاصمة الذين يعتبرون الهواء السام "هديتهم من المزارعين".

وفي ذلك الصدد، ذكر أجاي جاسرا، أحد سكان العاصمة، "لا أعتقد أن نظام الحد من عدد السيارات على الطرق الذي أطلقته الحكومة قد يجدي نفعاً... إذ أن السبب الرئيسي في تصاعد وتيرة التلوث يكمن في انبعاثات الحرق المتواصل للمخلّفات الزراعية في ولايتي البنجاب وهاريانا، إضافة إلى الملوثات الصناعية التي تسهم إلى حد كبير في انتشار السحب الدخانية الخانقة."

خلال عطلة نهاية الأسبوع، وجه رئيس وزراء البنجاب رسالة إلى رئيس الوزراء ناريندرا مودي يحضّه فيها على التدخل لحل الأزمة، منتقداً "لعبة رمي اللوم" التي تؤديها مختلف الحكومات المفوّضة في المنطقة من أجل أن تتجنب تحمل مسؤولياتها.

وكتب أماريندر سينغ، "الحقيقة القاسية تتمثّل في أنه بينما نحن جميعاً منشغلون في تقاذف الكلام وإلقاء الملامة على بعضنا بعضاً، يرزح سكان دلهي تحت وطأة البؤس الشديد ويواجهون إحدى أسوأ الكوارث الصحيّة في تاريخ الدولة وربما في العالم." 

ويبقى من المؤكد أن أزمة تلوث الهواء في العاصمة الهندية تعتبر سيئة بالنسبة إلى صورة الهند على المستوى الدولي، خصوصاً بعدما حجب الضباب الدخاني المباراة الافتتاحية في دورة "تي 20" ألعاب الكريكيت بين الهند وبنغلاديش في دلهي.

وتشير أرقام تكرر صدورها عن "منظمة الصحة العالمية" إلى أن الهند تضم 15 من بين 20 مدينة تعتبر الأشد تلوثاً عالمياً، على الرغم من الجوائز التي فاز بها رئيس الوزراء نارندرا مودي تقديراً لإنجازاته الملحوظة في المسائل البيئية.

ومع تحول الأنظار كلها إلى رئيس الوزراء، بات متوجباً عليه أن يتخذ موقفاً قوياً من قضية التلوث، حتى بعدما أعلنت اللجنة المكلفة من المحكمة العليا، حالة طوارئ صحية عامة في العاصمة الأسبوع الماضي.

ويبقى أن ما جرى التوصل إليه حتى الآن أثر دعوة مكتب رئيس الوزراء إلى عقد اجتماع عاجل للبحث في مسألة الضباب الدخاني يوم الأحد الماضي، اقتصر على إعلان أن سكرتير الحكومة راجيف غوبا سيعمل على "مراقبة" الوضع.

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات