Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الكرملين يستعد لاختبار جدار "السيادة" على الإنترنت

من المنتظر أن يسري مشروع القانون المثير للجدل الأسبوع الحالي

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مهندس سياسة "جدار السيادة"على الانترنت الذي يتيح غربلة المعلومات للروس وفق رؤية الكرملين (أ.ب) 

يدير رجل روسيّ مفتاح تشغيل التلفزيون ويأخذ يقلِّب المحطات، فإذا بالزعيم السوفياتيّ ليونيد بريجنيف يظهر على القناة الأولى. ينتقل الرجل إلى القناة الثانيّة، فيطلّ بريجنيف مرة أخرى. كذلك الأمر بالنسبة إلى القناة الثالثة. عندما يجرِّب القناة الرابعة، يظهر ضابط شرطة على الشاشة ويقول، "فكِّر مرتين قبل أن تغِّير المحطة مجدداً".

في الواقع، إمكانية الوصول إلى المعلومات التي يتمتّع بها الروس المعاصرون بعيدة كل البعد عن التجربة الموصوفة في تلك الحكاية السوفياتيّة الشعبيّة. وفي الوقت الحاضر، يملك سبعة من كل 10 أشخاص في روسيا هواتف ذكيّة، ويستخدم نصف السكان وسائل التواصل الاجتماعيّ. ومن جهتها، تمنع محطات "يوتيوب" البروباغاندا التلفزيونيّة الروسيّة من أن تكون مصدر الأخبار للشباب.

لكنّ ذلك لا يعني أنّ غريزة السيطرة على المعلومات التي تصل إلى المواطنين الموجودة لدى الدولة تواكب كذلك هذا التغيير.

في وقت لاحق من الأسبوع الحاليّ، سيسري مشروع قانون الإنترنت ذات السيادة المثير للجدل الذي أصدره الكرملين. من الناحية النظريّة أقلّه، سيفرض القانون القيود الأشد أثراً على الإطلاق التي تشهدها شبكة الإنترنت الروسيّ أو "رونيت"RuNet ، كما تسمى.

ومن ضمن نصوص ذلك القانون، نظام "فلترة" أو تصفية حركة الإنترنت المعروفة باسم "فحص حزم البيانات"، وشرط الحصول على موافقة الأجهزة الحكوميّة من أجل استخدام التقنيات الروسيّة المعتمدة، وإمكان وقف جميع الاتصالات بالشبكة العنكبوتيّة العالميّة "في حالات الطوارئ".

أما لتجربة تقنيات فلترة البيانات الجديدة تلك فقد وقع الاختيار على منطقة فيدراليّة منطقة الأورال في وسط روسيا، بحسب صحيفة "آر. بي. سي" الروسيّة.

وفيما يزعم أنصار القانون المزمع أنّ تلك الإجراءات ضروريّة بغية حماية روسيا من الهجمات العدائيّة الخارجيّة، يشير المنتقدون إلى أنّها تمثِّل بوليصة تأمين للحكومة الروسيّة كي تضمن منع انتشار الأفكار الخطيرة"، بحسب وصفهم.

يتحّدث في هذا الشأن غريغوري أسمولوف، زميل باحث على شبكة الإنترنت الروسيّة في جامعة "كينغز كوليدج" في لندن، ويقول إنّه "ربما أقنع بعض الأشخاص أنفسهم بوجود خطر وهميّ يتهدّد البلاد من الخارج. لكن في الحقيقة، يبدو أنّ السياسة الداخليّة لروسيا وفرصة جني النقود هما الدافعان الأكثر وضوحاً في ما يتعلّق بشبكة الإنترنت الروسيّة ذات السيادة".

ونظراً إلى الدعاية المبالغ بها حول المشروع، ليس من الواضح تماماً ما الأمر الذي سيتغيّر، إذا وجد أصلاً أي أمر، عندما يصبح مشروع القانون قانوناً نافذاً في 1 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.

وعلى نحو غير عادي بالنسبة إلى مشروع قانون من هذا النوع، لا يزال يتعيَّن على الخبراء كتابة كثير من التشريعات الثانويّة الخاصة به، ذلك أنّ القوانين التشريعيّة المكتوبة غامضة وعامّة. ربما يشير ذلك إلى أنّ البيروقراطيين أنفسهم غير متأكدين من كيفيّة تطبيق القانون.

وفي سياق متصل، يقول ميخائيل كليماريف، المدير التنفيذيّ لـ"مجموعة الدفاع عن الإنترنت" وهي منظمة غير حكوميّة، إنّ" القانون ربما لا يدخل حيِّز التنفيذ أبداً". وأخبر صحيفة "الاندبندنت" أنّ "من الواضح أنّ البعض يضغط من أجل إطلاق نوع من زر إيقاف تشغيل يُستعمل في الحالات الطارئة. إلا أنّ وضع مثل هذا القانون أمر، وتنفيذه أمر آخر. أعتقد أنّ وضعه حيز التنفيذ غير ممكن في الأساس".

 وفي الواقع من المستطاع القول إنّ اهتمام الكرملين بالإنترنت ظاهرة حديثة نسبياً. خلال الفترتين الأوليين من حكم الرئيس فلاديمير بوتين، ركّزت إدارته على السيطرة على الروايات التي ينقلها التلفزيون وتنشرها وسائل الإعلام المطبوعة. ولكن بعدما أظهرت التقنيات الرقميّة إمكاناتها التنظيميّة خلال الاحتجاجات على نتائج الانتخابات التشريعيّة الروسيّة التي شهدتها البلاد في 2011-2012، بدأ الكرملين يفكِّر جدياً في كبح الحرِّيات المتوفّرة عبر الإنترنت.

وفي الوقت الحاضر، تضغط مجموعة من المتشددين الأمنيين جاهدة كي تشبه أنظمة الإنترنت في البلاد ما يُعرف بـ"جدار الحماية العظيم"، وهو مجموعة إجراءات قانونية وتقنية تفرضها الصين بهدف تنظيم الوصول إلى شبكة الإنترنت في البلاد. ولذا، تعمل موسكو في تعاون تكنولوجيّ وثيق مع العاصمة الصينية بكين منذ عام 2015 على الأقل.

ولكن ثمة عقبات واضحة أمام تنفيذ نظام جدار الحماية الصينيّ في روسيا. أولاً، النظام الصينيّ قديم جداً، إذ اكتسب الطابع المؤسسيّ في أوائل عام 2006، ما يسمح لتقنيات الإنترنت المحليّة بالتطوّر تنظيميّاً غالباً. وفضلاً عن ذلك، النظام الصينيّ معقّد، إذ توجد فلاتر لحركة الإنترنت على أربعة مستويات على الأقل: حظر المواقع، وحجب عناوين بروتوكول الإنترنت IP وحظر النسخ المتطابق.

وخلال الجزء الأكبر من تاريخها، كانت شبكة الإنترنت الروسيّة بيئة حرة وغير خاضعة للرقابة. مثلاً، الفلاتر المحدودة المطبّقة اليوم بدائيّة، وفي جوهرها عبارة عن قائمة حظر ينفذها مزوِّدو الإنترنت، ويمكن لمستخدم الويب العادي أن يتنقّل بينها بسهولة.

 ويبدو سجل روسيا في تنفيذ قوانين تفرض تقييدات على وسائل التواصل الرقميّة متبايناً أيضاً. وعلى سبيل المثل، تعجز السلطات حتى يومنا هذا عن تطبيق قانون يُلزم شركات التكنولوجيا الأميركيّة العملاقة نَقل بيانات المستخدمين الروس إلى خوادم داخل البلاد. وصحيح أنّها منعت الوصول إلى تطبيق "لينكد إن" محليّاً في 2016 بعد تجاهل الامتثال لطلب جعل عملياته متطابقة مع قوانين أمن شبكة الإنترنت الروسيّة، غير أنّ الشركات الرافضة الأخرى، ليس أقلها "فيسبوك" و"غوغل" تواصل عملياتها في روسيا من دون معوِّقات.

وفي عام 2018، مُني الكرملين بهزيمة محرجة جداً على أيدي تطبيق المراسلة "تليغرام".

كان تطبيق التراسل الفوريّ المشفّر حازماً في رفضه التعاون مع وكالة الأمن الروسيّ "إف. أس. بي"، تلبيةً لطلبها توفير مفاتيح لأبواب خلفية سريّة لبيانات المستخدمين. وعليه، أدرجت محكمة في موسكو تلك الشركة في القائمة السوداء في أبريل (نيسان) الماضي، مع آمال عريضة في أن تتمكّن السلطات من حظر البرنامج.

غير أنّ مهندسي "تليغرام" كانوا متقدِّمين بخطوة عن تلك الإجراءات، وبدأوا في إخفاء حركة مرور التطبيق خلف عناوين بروتوكول تفاعلية. ثمّ، عندما بحثت السلطات الروسيّة عن حركة مرور "تليغرام" المتملّصة، ازداد يأسها وانتهى بها المطاف بإغلاق أقسام كبيرة من شبكة الإنترنت في البلاد لمدة ساعات. في النتيجة، توقّفت من دون قصد المتاجر عبر الإنترنت والبنوك وحتى الموقع الرئاسيّ عن العمل.

ويمكن القول إنّ الدلائل التي تشير إلى أنّ المسؤولين في الدولة سيكونون أكثر كفاءة هذه المرة غائبة تماماً. لكن الخطر، بحسب أسمولوف، "يكمن في أنّ التشريع هذه المرة سيتخذ خطوة مختلفة، لأنه يجبر المسؤولين الحكومييِّن بفكرة تغيير "البنية التحتية" لشبكة الإنترنت الروسيّة. والحال أنّ أشخاصاً يفتقرون إلى الخبرة الفنية يتخذون قرارات بشأن أمور لا يفهمونها. لذا في أحسن الأحوال سيؤدي ذلك إلى إبطاء الإنترنت، وفي أسوأ الاحوال سيوقفها عن العمل تماماً".

كذلك يرى أسمولوف أن البيروقراطيين سيحاولون على الأرجح القيام بتدخّلات "رمزيّة" في محاولة لإظهار أن القانون يؤتي ثماره. ولكن الحدّ الذي يمكنهم بلوغه في ذلك سيعتمد على رد فعل الجمهور الروسيّ. ولا ننسى أنّ عشرات الآلاف خرجوا العام الماضي في احتجاجات من أجل شبكة إنترنت غير خاضعة للرقابة. وفي بلدان أخرى، خرج مئات الآلاف.

أمّا كليماريف فيرجّح ألا تتخلّى الكتلة الأمنيّة عن مشروع جدار الحماية الخاص بها بالكامل، لأنّ هؤلاء الرجال، بحسب رأيه، "مهووسون بفكرة مفتاح مهمته تصفية البلدان والبلدات ومجموعات الأشخاص، لكنّ الإنترنت لا تعمل بهذه الطريقة. يبقى التخوّف، طبعاً، من أنّهم سيذهبون إلى الخطوة المنطقيّة التالية، وإيقاف خدمة الإنترنت تماماً".

© The Independent

المزيد من علوم