قال مسؤولان أميركيان إن إدارة الرئيس دونالد ترمب ستحجب مساعدات أمنية للبنان حجمها 105 ملايين دولار، وذلك بعد يومين من استقالة رئيس وزرائه سعد الحريري، فيما تستعيد البلاد، الجمعة، نشاط قطاعها المصرفي للمرة الأولى منذ اندلاع الاحتجاجات في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في ظل تخوف من تداعيات هذا الإقفال على الوضع الاقتصادي.
ومع اليوم الأول لعودة البنوك، تمكن عدد من المحتجين من الدخول إلى مقر جمعية المصارف، في الجميزة بالعاصمة بيروت، واعتصموا داخله قبل أن تتمكن قوات الأمن من اعتقالهم.
المساعدات الأمنية
وقال المسؤولان الأميركيان، لوكالة "رويترز"، إن وزارة الخارجية أبلغت الكونغرس اليوم بأن مكتب الميزانية في البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي اتخذا ذلك القرار.
ولم يذكر المسؤولان سبب الحجب. وقال مصدر إن وزارة الخارجية لم توضح للكونغرس سبب القرار. ورفضت وزارة الخارجية التعليق.
وكانت الإدارة الأميركية طلبت الموافقة على تلك المساعدات اعتباراً من مايو (أيار)، قائلة إنها ضرورية للبنان لتمكينه من حماية حدوده. وشملت المساعدات نظارات الرؤية الليلية وأسلحة تأمين الحدود.
لكن واشنطن أيضاً عبرت مراراً عن قلقها من تنامي دور حزب الله في الحكومة اللبنانية. وتصنف الولايات المتحدة الجماعة المدعومة من إيران منظمة إرهابية.
وفي أعقاب استقالة الحريري يوم الثلاثاء وسط احتجاجات حاشدة ضد السلطة، حث وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الزعماء السياسيين في لبنان على المساعدة في تشكيل حكومة جديدة تستجيب احتياجات شعبها ودعا إلى القضاء على الفساد المستشري.
وعبر مسؤول أميركي لـ"رويترز" عن اعتقاده بأن المساعدة الأمنية ضرورية للبنان بينما يكافح للتغلب على حالة عدم الاستقرار، ليس داخل حكومته فحسب وإنما في منطقة مضطربة، ويؤوي آلاف اللاجئين من الحرب السورية.
وقال المسؤول إن المساعدات تكتسي أهمية خاصة لإسهامها في دعم وتقوية الجيش اللبناني الذي اعتبره واحداً من أكثر مؤسسات ذلك البلد كفاءة في الوقت الحالي، فيما يرجع إلى حد بعيد للدعم الذي يلقاه من واشنطن.
وأفاد المسؤول بأن حجب الدعم عن لبنان قد يمهد الطريق لتدخل روسيا. ووسعت موسكو نفوذها في سوريا منذ أعلن ترمب سحب القوات الأميركية من الجزء الشمالي الشرقي من البلد الذي تمزقه الحرب.
عودة المصارف
استأنفت مصارف لبنان استقبال العملاء، الجمعة، ولوحظ اصطفاف أعداد محدودة من العملاء أمام مراكزها.
وقال شاهد من "رويترز" إنه في فرع بلوم بنك، أحد أكبر بنوك لبنان، في شارع الحمراء بالعاصمة بيروت، دخل نحو عشرة عملاء إلى البنك مع فتح أبوابه بعد الساعة الثامنة صباحاً. وزاد العدد بعد ذلك إلى 20.
وفي منطقة السوديكو، اصطف نحو 20 شخصاً خارج فرع فرنسبنك وانتظر نحو 15 خارج فرع بنك عودة.
كلمة عون
لم يتطرق رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون في خطابه في كلمة له لمناسبة الذكرى السنوية الثالثة لتوليه سدة الرئاسة، ومع دخول الحراك الشعبي أسبوعه الثالث، إلى مسألة الاستشارات النيابية الملزمة لتأليف حكومة جديدة على إثر استقالة الرئيس سعد الحريري بعد 13 يوماً على بدء انتفاضة الشعب اللبناني، إلا أنه تعهّد ببذل كل الجهود لإقامة الدولة المدنية العصرية والتخلص من براثن الطائفية.
وتوجه إلى شباب لبنان قائلاً "لبنان اليوم يمر بأزمة حادة، ولكننا شعب لا تضعفه الأزمات وعبور هذه الأزمة هو مسؤوليتنا جميعاً، فلا تسمحوا لأحلامكم أن تتهاوى أمام توظيف من هنا واستغلال من هناك". وأكد "أننا في خضم أزمة مفصلية، ولكن الخروج منها ليس بالمستحيل، ولأن حكومة حائزة على ثقة اللبنانيين هي ضرورة ملحّة اليوم، أتوجه إلى جميع الفرقاء لتسهيل ولادتها، وأتوجه إلى الشعب اللبناني لمساندتها لأن ما ينتظرها هو عمل كثير وقرارات صعبة". وأضاف "بقدر ما إن التحركات الشعبية المطلبية والعفوية محقة وتسهم في تصويب بعض المسارات، فإن استغلال الشارع في مقابل شارع آخر هو أخطر ما يمكن أن يهدد وحدة الوطن وسلمه الأهلي، ويقيني أن أحداً لا يمكنه أن يحمّل ضميره وزر خراب الهيكل".
وقال "يجب أن يتم اختيار الوزراء والوزيرات وفق كفاءاتهم وخبراتهم وليس وفق الولاءات السياسية أو استرضاء للزعامات، فلبنان على مفترق خطير، خصوصاً من الناحية الاقتصادية وهو بأمسّ الحاجة إلى حكومة منسجمة قادرة على الإنتاج، لا تعرقلها الصراعات السياسية والمناكفات، ومدعومة من شعبها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعهد عون بـ "الدفع باتجاه اقتصاد منتج والاستفادة من قدرات دولتنا وثرواتها وقطاعنا الخاص والمصرفي لاعتماد سياسات مالية صحيحة، ولتمويل مشاريع منتجة تخلق فرص عمل للبنانيين، وتحد من هجرة الأدمغة والكفاءات، وببذل كل الجهود لإقامة الدولة المدنية العصرية، والتخلص من براثن الطائفية التي تشكل الخاصرة الرخوة لوطننا ومجتمعنا، وأول خطوة بهذا الاتجاه هو قانون موحّد للأحوال الشخصية".
وتوجه إلى المتظاهرين بالقول "أيها اللبنانيون، أيها المواطنون المشاركون بالاعتصامات، خصوصاً الشباب منكم، على الرغم من الضجيج الذي حاول أن يخنق صوتكم ويذهب به إلى غير مكانه، تمكنتم من إيصال هذا الصوت الذي طالب بحكومة تثقون بها، وبمكافحة الفساد الذي نخر الدولة، وبدولة مدنية حديثة تنتفي فيها الطائفية والمحاصصة"، مضيفاً "إن تشكيل الحكومات في لبنان عادة ما يخضع للعديد من الاعتبارات السياسية والتوازنات، وقد تكون هذه التوازنات هي من أهم أسباب الفشل المتكرر وعدم الوصول إلى الخواتيم السعيدة في العديد من المشاريع".
وقال الرئيس عون "لقد قامت الحكومة المستقيلة بعدد من الخطوات الشاقة، وأقرّت خططاً ومشاريع مهمة، ولكن مشكلتها كما سابقاتها، أن المقاربات فيها سياسية أكثر مما هي تقنية وتنفيذية، وشرط الإجماع الذي اعتمده البعض حال دون التوصل إلى الكثير من القرارات الضرورية"، مشيراً إلى أنه "اليوم نحن على أبواب حكومة جديدة، والاعتبار الوحيد المطلوب هو تلبية طموحات اللبنانيين ونيل ثقتهم كما ثقة ممثليهم في البرلمان، لتتمكن من تحقيق ما عجزت عنه الحكومة السابقة وهو إعادة ثقة الشعب اللبناني بدولته".
تواصل الاحتجاجات
وتواصلت، بعد كلام رئيس الجمهورية، الاحتجاجات وقطع العديد من الطرقات الرئيسة في العاصمة بيروت وعدد من ساحات الشمال والجنوب والبقاع وجبل لبنان، في وقت يطالب المحتجون بتشكيل حكومة تكنوقراط وإنهاء النظام الطائفي، الذي توزعت فيه المناصب وفقاً للانتماءات الدينية والمذهبية.
وانطلقت تظاهرة شعبية من ساحة "إيليا" في صيدا، وجابت شوارع المدينة بعد انتهاء كلمة الرئيس وسط هتافات تدعو إلى "مواصلة التحرك".