Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الكراهية والتحريض" مظاهر متنامية تقلق الجزائر في فترة ما بعد الحراك

"منصات التواصل الاجتماعي تُستعمل على نطاق واسع لكن استخدامها يسير عادةً في منحى سلبي"

تظاهرة القضاة في العاصمة الجزائرية (أ. ب.)

تراقب السلطات الجزائرية بقلق شديد "تغول" مظاهر "الكراهية والتحريض على التفرقة" عبر المنصات الرقمية والتواصل الاجتماعي، لا سيما "فيسبوك"، في مرحلة تشهد فيها البلاد انتقالاً سياسياً صعباً ومعقداً فشلت أغلب وسائل الإعلام التقليدية في التعاطي معه ومسايرة تعقيداته.

 

الثالثة عربياً والأولى في جرائم الإنترنت

 

 
تحتل الجزائر المرتبة الثالثة عربياً من حيث استعمال "فيسبوك" بنحو 19 مليون مشترك أي ما يقارب 45 في المئة من مجموع السكان، خلف كل من مصر والسعودية، بيد أن هذه الطفرة التي ترافقت مع الانفتاح "المتأخر" في الجزائر على متعاملين في مجال الهاتف النقال، خلقت "طفرة" موازية من حيث عدد "جرائم الكراهية والعنف اللفظي ومظاهر التفرقة".
ولا يقتصر حضور وسائل التواصل الاجتماعي بالجزائر على الحياة العامة، فمع تحول المشهد سياسياً منذ سقوط مرحلة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة التي لطالما شهدت "قمعاً" للرأي على المنصات الرقمية، طغت مظاهر جديدة إلى درجة "التغول" تستهدف أفراداً أو كيانات وحتى معالم الهوية الجزائرية في صميمها.
ومن أبرز حالات الغرابة في المشهد الجزائري وما حملته منصات التواصل الاجتماعي من تحولات في تقبل أفكار مهما كان مصدرها، إعلان وزير التعليم عبد الحكيم بلعابد، الثلاثاء، أن" أطرافاً مجهولة تؤجج الوضع على منصات التواصل الاجتماعي بأسماء مجهولة أيضاً، وهي التي تمكنت من إقرار إضراب في القطاع لم تتبناه أي جهة"، ومعلوم أن قطاع التعليم يشهد إضرابات أسبوعية (كل يوم اثنين) منذ نحو شهر، من دون أن تتبناه أي من النقابات الكثيرة في القطاع على الرغم من قوتها، في سابقة لم يشهدها الطور الأول التعليمي من قبل.


"دعاة فيسبوك"
 

ويشير عبد الجبار غول وهو مختص في المعلوماتية وتطوير البرامج إلى أن "منصة التواصل الاجتماعي فيسبوك تُستعمل على نطاق واسع في الجزائر، لكن استخدامها يسير عادةً في المنحى السلبي"، ما أدى إلى "انتشار الكراهية والمعلومات المزورة، إضافة إلى مظاهر الابتزاز. سلبيات عدة طغت في الفترة الأخيرة بشكل مخيف على الأمن العام، فالطبيعة التكوينية لموقع فيسبوك لا تفرض تعقيدات كبيرة بغية ترويج فضيحة مفبركة مثلاً".
ولفت أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، محمد خوجة إلى أن "ظاهرة التعبير بواسطة تسجيلات مصورة في مواقع التواصل الاجتماعي وبروز موجّهين جدد للرأي العام، خلق موجةً رهيبة من منصات الأخبار الكاذبة والتشويش ونشر الأباطيل". وأضاف في معاينة منه لظواهر باتت تلفت الانتباه أن "دعاة جدداً بات دورهم يشبه نشاط الإسلاميين في فترة التسعينات بالجزائر عبر المساجد مثلاً".

 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

"نفسيات منهارة"

 

 
وصرح الخبير النفسي خالد موهوب لـ"اندبندت عربية"، أن "عنفاً كبيراً يتم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي في الفترة الحالية، يبرز في مظاهر عدة تتكرر عادةً، ما يعني السبق والترصد. هذا العنف يصدر إما عبر إشاعات أو قذف أو تشهير، وربما خلق موضوع للنقاش ضد شخص أو كيان أو مرشح رئاسي أو مؤسسة"، والملاحظ أن "عامل الصورة أو الفيديو تحول إلى وقود لتلك الحملات والقصد إما  تحطيم شخص أو إفقاده الصدقية سواء سياسياً أو اجتماعياً".
وتطرق موهوب إلى الحالة الجزائرية الراهنة "هناك تقبل فظيع لجميع المعطيات المطروحة من دون أدنى تحري عن الحقيقة، السبب واضح وهو غياب وعي اجتماعي في مقابل نفسيات منهارة، هي في الغالب نتاج الوضع العام في البلد. والملاحظ أن هناك تقبلاً كبيراً وانسياقاً خلف كل ما هو نقدي ولو كان غير صحيح، وذلك بسبب الفراغ داخل نفسيات الجزائريين". وأضاف أنه مع "الاستعمال المتواصل للانترنت وبالتالي مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الذي نسمعه ونراه في الغالب، هو تهديد وشتم بين بعض الأشخاص، لتأتي فكرة الانسياق من أناس ذوي نفسيات متعبة تشعر باستقلاليةٍ ما خلف الشاشة. وهذه الاستقلالية تقول إن لا طرف يراقبه".


الاحتلال والعشرية السوداء
 

أما عن الأسباب فيشرح "هي أسباب عدة لأنها امتداد للعنف في المجتمع ذاته، عنف في المدرسة أو في الأسرة، فالجريمة الإلكترونية موجودة حتى في الأطوار الأولى في المدرسة، عنف في الملاعب أيضاً"، "بالتالي خرجت المنصات الرقمية عن وظيفتها الرئيسية في التواصل الاجتماعي لتتحول إلى مصدر عنف انطلاقاً من محتويات خاطئة تُنسب عادةً في المرحلة الراهنة إلى فاعلين سياسيين".
وختم الخبير النفسي بالقول إن "مواقع التواصل الاجتماعي في الحالة الجزائرية جعلت من فكرة قبول كل محتويات الحقد، التي لا علاقة لها بالإنسانية ممكنة جداً، كلها تغذي الكراهية والعنف وتستهدف فكرة الانسياق خلف ألاعيب أطراف غير معروفة في الخفاء".
أما خديجة بن صديق وهي رئيسة مصلحة استشارية نفسية تختص بسلوك الأفراد، فتقول إن "عوامل العنف المستشرية تعود إلى الفقر والمشاكل العائلية والبطالة والطفولة الصعبة، فالعوامل تعود أساساً إلى عدم استقرار الدولة، بين فترة الاحتلال الفرنسي وصولاً إلى فترة العشرية السوداء (1990 إلى 2000) وصولاً إلى فترة عدم استقرار الدولة عموماً في المرحلة الحالية ما بعد الحراك الشعبي، الأمر برأيي يحتاج تدخلًا من السلطات العليا".

 

 
ضعف وسائل الإعلام

 

 
ويعتقد أستاذ الإعلام في جامعة الجزائر والمحلل سياسي العيد زغلامي، أن "تغول" منصات التواصل الاجتماعي في "المنحى السلبي" يعود بالأساس "إلى عامل بسيط وهو أن وسائل الإعلام التقليدية فقدت من صدقيتها والثقة الموضوعة فيها، بالتالي لم يجد المواطن البسيط ضالته فيها فهجرها إلى حيث يجد ما يبحث عنه". وأضاف زغلامي "الملاحظ أنه على الرغم من تعددية وسائل الإعلام غير أنها بقيت حبيسة أوضاع احتكارية وهيمنة رجال الأعمال واللوبيات المالية والتداخلات السياسية بغية التأثير في خطها ومضامينها. إذاً فهي تعددية اعلامية رقمية لكن المحتوى لم يتغير، ما دفع بالجزائريين إلى هجرة جماعية لوسائل الإعلام".
اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي