تتجه الأنظار إلى العاصمة الألمانية برلين منذ قرابة الشهرين، لمتابعة التحضيرات لعقد المؤتمر الدولي حول ليبيا، وسط تكتم وحذر شديدين. فالتسريبات تشير إلى عزم ألمانيا توفير أكبر قدر من شروط النجاح عبر مشاورات غير معلنة للتوصل إلى توافق دولي.
وعلى الرغم من تأكيد المستشارة الألمانية "أنغيلا ميركل"، منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، نية بلادها استضافة مؤتمر دولي حول ليبيا، إلا أنه حتى الساعة لم يجرِ الإعلان عن موعده وأجنداته والأطراف المشاركة فيه. لكن حديث ميركل عن وجود "وضع يتطور في ليبيا قد يأخذ أبعاداً مثل تلك التي شاهدناها في سوريا، وبذل الجهود لضمان عدم تصعيد الوضع إلى حرب بالوكالة، باعتبار أنه أذا لم تستقر الأوضاع في ليبيا فسيتزعزع استقرار المنطقة الأفريقية بأسرها"، يشير الى أن جملة المتغيرات الدولية الجديدة دفعتها وأطراف دولية أخرى، إلى المناداة إلى عقد المؤتمر، فأي آمال وأفاق للنجاح وأي عوائق يمكن أن تفشله؟
لا تقارب
وتهتم الجهات الليبية بمتابعة كواليس التحضيرات لانعقاد المؤتمر، بحسب مسؤول حكومي رفيع من طرابلس، كشف عن اتصال دبلوماسيين ليبيين بمسؤولين ألمان.
المسؤول وفي تصريح إلى "اندبندنت عربية" أكد أن "المعلومات التي رشحت حتى تنفي وجود أي تقارب بين ممثلي الدول الكبرى بشأن صياغة رؤية مشتركة للحل في ليبيا".
وعلى الرغم من تأكيده أن "حكومة الوفاق أبلغت ألمانيا بانزعاجها من التكتم الحاصل حول المؤتمر وتخوفها من إمكان أن يفتح باب الوصاية على ليبيا"، إلا أنه أوضح في الوقت ذاته أن "طرفي الأزمة في ليبيا يعلقون الكثير من الآمال على حلحلة الخلافات بين الدول المؤثرة في الملف الليبي".
كواليس المشاورات
وتبدي تصريحات كبار المسؤولين في موسكو وباريس وواشنطن، انزعاج المجتمع الدولي من استمرار الحرب في محيط طرابلس، وآخرها بيان صادر عن السفارة الأميركية في ليبيا السبت 26 أكتوبر، تطرق إلى "مشاورات أجراها دبلوماسي أميركي في بنغازي مع شخصيات عدة، بشأن إنهاء القتال في طرابلس". وأكد المسؤول الحكومي أن هذا الوفد التقى شخصيات مقربة من قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، لكنه هذه الجهود وبحسب المسؤول، لم تبلغ الهدف المنشود، إلا أنها تعكس شيئاً من أهداف المؤتمر وما يدور في كواليس المشاورات الدولية قبل انعقاده، وأولها وقف إطلاق النار تأكيداً على مواقف دولية رافضة الحل العسكري للأزمة.
"وإن كانت طول فترة الحرب في طرابلس بعد دخولها الشهر السابع، فرصة للتدخل من أجل إقناع طرفي القتال بوقفها، لا سيما بعد استنزاف الطرفين مئات المقاتلين وتشريد آلاف السكان بالإضافة إلى الأضرار الكبيرة في البنية المدنية والاقتصادية، لكن اقناعهما بالجلوس إلى طاولة للحوار أمر بعيد المنال"، بحسب المحلل السياسي حسين مفتاح.
ويستشهد مفتاح خلال حديث إلى "اندبندنت عربية"، باستمرار رفض قادة الطرفين، الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وقال إن "معطيات الواقع تذهب إلى استبعاد الحوار المباشر، خصوصاً مع حجم الفاتورة الكبيرة التي دفعها الطرفان من قتلى وجرحى وخسائر مادية كبيرة لا تزال ماثلة في الأذهان"، مرجحاً أن "يصل مؤتمر برلين إلى فكرة حوار غير مباشر كخطوة أولى عبر دعم وتقوية دور البعثة الأممية".
الرأي الدولي
لكن أهمية المؤتمر، بحسب مفتاح، مرتبطة أيضاً بنجاح ألمانيا في لم شمل الرأي الدولي وإقناع الخصوم بصياغة رؤية موحدة بشأن مصالحها المتضاربة في ليبيا، مضيفاً "ستكون خطوة فعالة تقلص من حجم المساحة بين الفرقاء الدوليين، خصوصاً إيطاليا وفرنسا وبريطانيا"، كما أنه يرى أن "استبعاد جهات إقليمية مثل قطر وتركيا، بسبب آثارهما السلبية في المؤتمرات والمبادرات الدولية السابقة، سيكون السبب الرئيس في نجاح المؤتمر".
وتعكس تصريحات رئيس البعثة الأممية في ليبيا، المتزامنة مع الاستعداد لعقد المؤتمر، أمله في أن "ينتهي المؤتمر بتوصية جماعية لمجلس الأمن الدولي، لإصدار قرار ملزم بوقف تصدير السلاح إلى ليبيا، ودفع الأطراف الداخلية لاستئناف العملية السياسية".
دور برلين المحايد
ويرى الباحث في الشأن السياسي الصديق التهامي، أن "الأمم المتحدة اختارت ترشيح برلين لاستضافة المؤتمر لدورها المحايد من الأزمة الليبية ومكانتها الأوروبية، ما يمكن التقليل من حدة الانقسامات الأوروبية"، لكنه مع ذلك يؤكد أنه "ما لم تمارس الدول الكبرى ضغوطاً كبيرة على الداخل الليبي، للقبول بالحل السياسي بعيداً من حل السلاح، فسينتهي المؤتمر إلى ما آلت إليه مؤتمرات باريس وباليرمو أو اتفاق الصخيرات".
وحتى الآن لا يرى التهامي أي مؤشر إلى نجاح المؤتمر في الأفق القريب، لأن "مواقف الأطراف المتدخلة في الملف الليبي لا تزال متباعدة، كما أن الجهات الليبية أكثر انقساماً من ذي قبل".
ويلفت التهامي النظر إلى اشتداد المعارك مجدداً في جنوب طرابلس كأحد المؤثرات السلبية الموازية لجهود عقد المؤتمر، وقال "في الآونة الأخيرة ظهرت في أرض المعركة أسلحة أكثر فتكاً ما يعني نشاطاً من قبل بعض الدول الداعمة لطرفي القتال، وما يعني أيضاً محاولة منهم لتقويض أي جهود دولية لوقف الحرب وعدم الاستقرار"، وتابع "كما لا ننسى حديث التقارير عن وجود روسي قريب من ميدان القتال يقابله انزعاج أميركي".
المسألة أصعب مع "الوفاق"
ومن بين أهم الصعوبات التي تواجه جهود الحل السلمي، بحسب التهامي، الدفع بنخب سياسية واجتماعية ليبية إلى الواجهة، للتقليل من تأثير الأطراف الأساسية الحالية، كمسار آخر لخلق حوار سياسي.
بل يرى التهامي أن المسألة تبدو أصعب في جانب حكومة "الوفاق"، التي برهنت على ضعف أدائها مرات عدة، وهي لا تملك شيئاً يمكن فرضه على مسلحيها الذين يظهرون وحدة وتماسكاً للوهلة الأولى، أمام الجيش الليبي، لكن الحقيقة أنهم أطياف متعددة كانوا في صراع مسلح وتنافر إلى وقت قريب حتى مع الحكومة نفسها.