Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خيبة أمل شعبية من خطاب الرئيس... والمتظاهرون يقولون "ليته لم يتكلم"

"كيف يطلب أن نطلق صرخة فرح ونحن موجوعون وفقراء"؟

كان اللبنانيون جميعاً، المتظاهرون في الشوراع والساحات، ام الجالسون امام الشاشات في بيوتهم، ينتظرون على أحر من الجمر، خطاب رئيس الجمهورية ميشال عون الذي أعلن ليل أمس عن موعد القائه اليوم 24-10-2019 ظهراً. لكنهم سرعان ما اكتشفوا أن خطاب رئيسهم لم يكن في حجم انتظارهم الحماسي والامل الذي عقدوه عليه. وبدت ردود فعل بعض المتظاهرين للفور أمام كاميرات التلفزيونات فور انتهاء الخطاب، سلبية وخائبة، حتى ان بعضهم لم يتلكأ عن رفض الخطاب علناً ووصفه بـ"الضعيف" و"الهزيل" وقال احدهم "ليته لم يتكلم" وآخر قال "هذا ليس كلام رئيس يحكم البلاد".

 

صرخة فرح؟

ثم راحت تتوالى ردود الفعل والتعليقات العفوية مستنكرة ما سماه شاب متظاهر بـ "هروب الجنرال وعدم تحمله مسؤولية الاوضاع المتدهورة ورميها على سواه". وقالت سيدة ناشطة "خيّبنا الرئيس، وأصلاً لم نكن ننتظر منه اي حل، او اقتراح حل، لقد هرب الى الامام". أستاذ ثانوي قال "ليس من حق الرئيس ان يطالبنا نحن المنتظرين منذ ثمانية ايام في الشوراع بأن نطلق صرخة فرح لا صرخة وجع، نحن موجوعون فهل نفرح بوجعنا؟".

 وفعلا اثارت دعوة الرئيس المتظاهرين بإطلاق صرخة فرح والتخلي عن صرخة الوجع، حفيظة الناس فتركزت عليها تعليقات كثيرة، عنيفة حيناً وساخرة. امراة ستينية قالت "إذا كان هو فرحاناً مع عائلته التي وظفها في القصر، فنحن موجوعون وجائعون وفقراء ومنهوبون". وعلق رجل سبعيني " من أين لنا أن نفرح يا فخامة الرئيس، الضرائب نهبتنا، اولادنا بلا مدارس، رواتبنا لا تكفينا أكثر من عشرة أيام".

إجماع الساحات

اللافت ان ردود الفعل تشابهت في كل مناطق التظاهر، في ساحة رياض الصلح في وسط بيروت، وساحة النور في طرابلس، وجبيل، وجل الديب، والزوق، والنبطية، وسواها، ولم تسمع كلمة شكر أو ثناء واحدة توجه الى الرئيس، بل ان المتظاهرين وجدوها فرصة ليزيدوا من هجومهم على الرئيس والحكومة والوزراء و"الطقم" السياسي بجرأة وحماسة. وراحوا يطالبون بإصرار وعناد بسقوط الحكومة ومحاسبة الفاسدين واستعادة الاموال المنهوبة. وقال أحدهم " يتحدث (الرئيس) عون عن محاربة الفساد منذ ان تسلم كرسي السلطة، لكنه لم يحاول مرة تسمية الفاسدين وادانتهم، وهو يعرفهم جيداً وبعضهم من أقرب المقربين اليه، بل الأنكى من هذا انه أنشأ وزارة لمكافحة الفساد فاصبحت وزارة للتغطية على الفساد". وسمى احدهم صهره (الوزير) جبران باسيل ودعا الى اخراجه من الحكومة. وقال طالب جامعي "تريد يا فخامة الرئيس محاربة الذهنية الطائفية والتخلص منها بينما صهرك (الوزير) جبران يطالعنا كل مرة بأنه يدافع عن حقوق المسيحيين وأنه صوتهم وهدفه واحد هو الحصول على الاصوات الانتخابية، وإثارة النعرات". وانتقد كثيرون تبني الرئيس عون ورقة الاصلاحات التي قدمها الرئيس سعد الحريري كما هي، وفي ظنه انها ورقة الخلاص، بينما هي في نظر احد المتظاهرين "حبر على ورق". وقال احدهم: "فاجأنا الرئيس بأن جديده الوحيد في خطابه هو قديم الرئيس الحريري، لقد تسلح بورقة الاصلاحات وأعتقد انه لم يقرأها. "خليهم يغلوا" هذه الورقة ويشربوا ماءها".

 

 

بدت ردود فعل اللبنانيين المتظاهرين في الشوراع على خطاب الرئيس عون حقيقية وعفوية على رغم ما حملت من نقد وسخرية، وهي عبرت عن عمق الخيبة التي ساورتهم بعدما علقوا أملا ولو غير كبير، على الرئيس وخطابه. مواطنون لا يعرفون معنى المواطنة كما نصّت به شرعة حقوق الإنسان، تتراكم عليهم المشكلات، من فقر وحرمان وعوز، يكافحون من اجل الطبابة والاستشفاء وتأمين شيخوختهم وتعليم اولادهم، تنهال الفواتير والضرائب عليهم ويبقون بلا حقوق، بلا كهرباء، بلا ماء، الزبالة تملأ شوارعهم والتلوث يضرب بحرهم والأوبئة تنتشر في هوائهم.

لعلها من المرات النادرة التي يتوجه فيها الجنرال الى الشعب اللبناني من دون ان يخاطبه بجملته الشهيرة التي أضحت شعاراً "يا شعب لبنان العظيم". لعله لم يعد قادرا على اطلاق هذا الشعار بعدما وجد ان الشعب اللبناني لم تعد تغريه الشعارات الرنانة بعد ما وصل الى درك الحياة، وبعدما  اكتشف ان الوعود التي طالما صدقها لم تكن سوى اكاذيب براقة. بدت اطلالة الرئيس من القصر الجمهوري ضعيفة، وجهه يسكنه شيء من الحيرة والكمد، عيناه خفتت فيهما شعلة الحماسة والعنجهية. يتذكر الرئيس عون في هذه الايام السوداء، امام مشهد الجماهير التي تهتف ضد العهد والحكومة، المجد الذي قطفه عندما كان جنرالا في قصر بعبدا، حين كان اللبنانيون يتدافعون الى ساحات القصر هاتفين له ومؤيدين، وكان كل يوم يطل عليهم ليلقي خطابه الشهير مفتتحا اياه بجملة "يا شعب لبنان العظيم".

في خطابه الاخير لم يناد الرئيس الجنرال الشعب المتظاهر في كل المناطق بجملته تلك، ربما خشية من سخط هذا الشعب الذي اوصلته "العظمة" الى الحضيض وربما صونا للذكريات وحفظا لـ"ماء العين".

المزيد من تحلیل