Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تبقي حزمة الإصلاحات على حكومة عبد المهدي؟

يقول ناقد عراقي عن هذه "المعالجات الترقيعية" إنها قُدّمت في الساعة الخامسة والعشرين

تفتش كتل التحالف الشيعي في العراق عن مخلّص جديد يتخطى تحديات مرحلة عادل عبد المهدي (أ.ف.ب)

قبل أن يحلّ الخامس والعشرون من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، يكون رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، مرشح التسوية للأحزاب الشيعية، قد أنجز مهمته في تقديم إجابات عن سيل الأسئلة والاتهامات لحكومته، حول المتسببين في القتل العمد لعشرات المتظاهرين الشباب في بغداد والمدن الجنوبية والوسطى.

حينها ستخرج، كما هو متوقع، تظاهرات مليونية تطالب بتسليم الجناة الذين قتلوا وأصابوا آلاف المتظاهرين السلميين، إلى العدالة، محمّلين الرأس الأول في الحكومة، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، المسؤولية وعدم القدرة على مناصرتهم وإحالة الجناة إلى العدالة، في وقت تتعالى مطالبات إسقاط الحكومة التي لن تقدم حلولا جذرية للأزمات العراقية المتصاعدة، إلا بوعود التعيينات التي لم تفلت من المحاصصة السياسية، لوزرات غير سيادية، أثارت غضب الشارع وتعالي أصوات المعارضين للحكومة ونهجها.

لكن عبد المهدي أعلن حزمة إصلاحات لرفع الحيف عن الطبقات المسحوقة ومحاولة خفض البطالة التي زادت على الخمسة ملايين، مع إعلان وعود لتعيينات عشوائية جديدة، فسرها المراقبون كاستمرار لسياسة كسب الأصوات الانتخابية، والتي بلغت 8 ملايين موظف حصيلة الأعوام الستة عشر الماضية، أغلبهم من غير الاختصاص، يأخذون 70% من الميزانية العامة، لكن المجتمع العراقي يطلق عليهم "الفضائيين"، كناية عن وجودهم في سلم الرواتب التي تذهب إلى جيوب النافذين في الأحزاب الدينية والميليشيات، التي أضحت قوة تتفوق على القوات النظامية في الدولة، في سابقة لم يألفها المجتمع من قبل. يدرك الناس أن وراءها خبرة الطرف الإيراني الداعم لهذه القوات غير النظامية.

حزمة عبد المهدي تصطدم بواقع القوة الرديفة التي أسسها "فيلق القدس" في العراق، والتي تتحكم بالاقتصاد العراقي، حيث تعمل على تعويمه وإذابته كليّاً من خلال التدخل المباشر وغير المباشر للسيطرة على وزارة النفط، لا سيما الأرصفة الـ13 التي يُصدّر عبرها النفط العراقي، كذلك السيطرة على المصارف وسوق بيع العملة الصعبة التي تذهب جلها لإنقاذ الاقتصاد الإيراني، فقد أُسست بنوك ومصارف أهلية تقدم خدمة مباشرة أفرزت طبقات نفعية مستفزة للمجتمع.

من جهة ثانية، واجهت حزمة الإصلاحات نقدا شديدا ولاذعا من المتخصصين العراقيين الذين يرون فيها معالجات ترقيعية، وأخذوا يرددون المثل الشعبي العراقي الساخر "الشك كبير والرقعة صغيرة"، كناية عن حجم الخلل والحاجة إلى إصلاحات جذرية تنقذ الأوضاع المتفجرة في البلاد نتيجة تراكم الأخطاء والوعود وتعاظم نفوذ الفاسدين، والتي نمت في ظل حكومات التحالف الشيعي المتعاقبة، بما فيها حكومة عبد المهدي، التي مرّ عليها عام دون تحقيق وعودها، لتواجه بسيل من الاحتجاجات التي تطالب بإسقاطها وخروج العراق كلياً من هيمنة الأحزاب والميليشيات الدينية.

وأبرز الانتقادات لحزمة الإصلاحات تلك: أنها جاءت في الوقت الضائع، وكما يقول أحد النقاد العراقيين إنها قُدمت في الساعة الخامسة والعشرين، والتي تذكّر برواية الروماني قسطنطين فيرجيل جورجيو، وهي الساعة التي لا يجيئ فيها المخلّص وتموت فيها الأرانب التي يصطحبها عمال المناجم معهم، ليتذرعوا بموتها بأن لا مناص من مغادرة المنجم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

السيد عبد المهدي، الذي جاء للحكم بحزمة طويلة من الوعود الإصلاحية، هو نتاج تراكم خطايا السلطة. يرى الكثير من ذوي الاختصاصات في العلوم السلوكية أن السلطة تركت أزمات المواطن العراقي وعمدت إلى التضحية به من أجل كسب رضا إيران، التي اتكأت على عبد المهدي كثيرا حتى كسرت عموده الفقري المتمثل بحكم التحالف الحالي.

لكن عبد المهدي قال أثناء لقائه ممثلي البعثات الدبلوماسية في العراق، مفسّراً محرك الاحتجاجات "يجب أن نعترف بأن 40 عاما من الحروب والدمار انعكست على أوضاعنا المجتمعية والسياسية والخدمية والاقتصادية وإهمال وصرف للأموال بشكل غير صحيح وتعطل لآلاف المشاريع نتيجة التخريب والفساد مع نمو سكاني متزايد بنسبة مليون نسمة سنويا، وتوجهت الأنظار بعد تحرير المدن صوب الخدمات والإعمار، وتلقينا من شعبنا مطالب حقة ومشروعة"، مؤكدا أن "التظاهرات شكل من أشكال التعبير عن الرأي، نحترمها ونستجيب لها مثل بقية أشكال الحريات، ولم نتوانَ عن الاستجابة والتفاوض بشكل مباشر، ومن الطبيعي أن يكون لها ممثلون وقادة حتى لا تُستغل أو يجرّها البعض للتصادم، كما حصل وأدى إلى خسائر مؤسفة من أبناء شعبنا"، مشيرا إلى "تشكيل اللجنة التحقيقية وصلاحياتها في فتح الملفات بشكل مهني، وما رافق ذلك من إجراءات وحزم القرارات ولقاءات وتفاعل مع المطالب المشروعة".

ويرى مراقبون للشأن العراقي أن الناس لا تنتظر الوعود ولا تتحمل بعدُ مزيدا من أعداد العاطلين عن العمل وازدياد البطالة وتراكم الأخطاء وضياع الأموال، التي وصلت إلى ألف مليار دولار خلال السنوات التي تلت العام 2003، بل تبحث عن حلول عاجلة لحاجاتها، من خلال تنوع مصادر الدخل، التي تمنح المجتمع فرصا جديدة للعمل والحياة وتخطي حالة اللاعمل واللاأمل التي يعانيها المجتمع.

لقد اعتمدت الحكومات المتوالية بعد 2003 على ميزانيات تشغيلية بلغت نسبة الرواتب فيها أكثر من 70% من الميزانية العامة، لكنها سوف ترتفع إلى 90% بالإصلاحات الجديدة التي قدمها الرئيس عبد المهدي، يرى فيها المتخصصون "الضربة القاضية" لأي تطور للدولة التي تحولت بهذه النسبة إلى دولة مستهلكة غير قادرة على أن تكون دولة منتجة، معطلة في الزراعة والصناعة، مرتهنة بأسعار النفط التي من سماتها التغاير المستمر.

وبدلا من أن يقف عبد المهدي وقفة حازمة لمكاشفة جمهوره والمجتمع العام، كما طالبه الإصلاحيون العراقيون، فإنه لجأ إلى سياسة مساومة الأصوات التي تطالب باستجوابه في البرلمان، والتي تمكنت من جمع توقيعات أكثر من 50 نائبا تطالبه بتقديم إجابات عن قتل المتظاهرين واستخدام القوة المفرطة معهم.

عبد المهدي لجأ إلى صفقة تعيينات وزراء جدد وتغيير أكثر من 60 وكيلا ومديرا عاما في الدولة، كما أعلن أخيرا، بأسماء جديدة أثارت غضب الشارع لعدم توفّر المؤهلات فيها، بل عُدّت "صفقة مشبوهة" للتسوية مع أطراف في البرلمان للحيلولة دون استجوابه، كما وصفها الكثير من المعنيين بالشأن العراقي.

وعوضاً عن إحداث تلك التغييرات الدراماتيكية أي أثر لإطفاء الغليان الشعبي، تنادَى جمهور الاحتجاجات إلى موجة جديدة، تعيد المطالبات باستقالة حكومة عبد المهدي. واضطرت كتل التحالف الشيعي، المتمثلة بـ"الفتح" و"سائرون"، وسواها في البيت الشيعي السياسي، إلى التفتيش عن مخلّص جديد يتخطى أعتاب وتحديات هذه المرحلة، التي بدأ يتقافز فيها منتفعو السلطة من سفينة الحكومة، التي لم تمد لها المرجعية الشيعية حبل النجاة هذه المرة، بل جافتها بقوة بخطب علنية لتأخذ منحى المتظاهرين، وتدافع عن حقوقهم وتطالب بتحقيقات محايدة وسريعة لكشف الجناة، بعد أن قرأت شعارات المتظاهرين وهتافاتهم التي تنادي باستقلال العراق وعودته إلى الاهتمام بشعبه، وبعد أن رأت المتظاهرين يحرقون صور رموز دينية أمام شاشات العرض غير مبالين برصاص القناصة الذين عجّلوا بسقوط الحكومة في أنظار الشعب.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل