Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السعودية وروسيا... روابط السياحة والفن تزاحم الطاقة والسياسة

غزل جديد يتنامى بين الصحراء والجليد... وعروض "جاسوس الزمن" وأوركسترا تشايكوفسكي في استقبال "القيصر"

قدمت الأوركسترا الروسية مزيجاً متنوعاً من المقطوعات الكلاسيكية الشهيرة (وزارة الثقافة)

جرّبت روسيا والسعودية أنماطاً عدة من العلاقات السياسية والاقتصادية عبر عقود مضت، شهدت فيها تلك العلاقات مداً وجزراً. إلا أن البلدين هذه المرة يبدوان في عجلة من أمرهما لتوطيد الأواصر، عبر مجالات أكثر اتصالاً بالإنسان مثل السياحة والثقافة الفنون.

فلئن كان الرئيس فلاديمير بوتين ذكّر السعوديين لدى احتفائهم به أمس (الاثنين) بأن "الاتحاد السوفيتي من أوائل دول العالم التي اعترفت بالمملكة قبل 90 عاماً"، فإن انعكاس آثار قِدم تلك العلاقة تراه السعودية الجديدة، ينبغي أن يذهب أبعد من النفط والغاز، بعد انخراط البلاد في تحول اقتصادي يروم تقليل اعتماد موازنة الدولة على الطاقة المتقلبة المزاج.

ولذلك توجه رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للسياحة في السعودية أحمد الخطيب رسالة إلى موسكو، ودعا الروس المحاصرين بالثلوج من كل جانب أيام الشتاء، إلى تجربة دفء الصحراء التي أُعدت جنانها للسائحين. وقال لهم "شتاؤكم قاس للغاية، والمملكة تتمتع بشتاء جميل وطقس رائع، لذا يمكنكم زيارة بلادنا في الشتاء. نريدكم أن تتعرفوا على السعودية وثقافتها وطعامها".

وفي الرياض رد الروس التحية بمثلها، إذ أكدوا على هامش نحو 30 اتفاقية عقدتها بلادهم مع السعوديين أن "المواطنين الروس مهتمين بالسياحة في السعودية والاستثمار في المجال". وتربط الروس علاقات ثقافية وطيدة بالمملكة، لكن أغلبها مقتصر على المشاعر المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث يتوجه آلاف المسلمين الروس سنوياً.

لكن روسيا الاتحادية بين 49 دولة أعلنت السعودية أخيراً السماح لها بدخول أراضيها من دون الحاجة إلى تأشيرة، في إطار محاولة البلاد تغيير صورتها النمطية لجذب السواح.

وجاءت زيارة الرئيس بوتين الرياض، متزامنة مع تدشين "موسم الرياض" السياحي الذي شهد حشداً هائلاً من صنوف الترفيه الذي لم تشهدها السعودية قط، فاستقطبت هيئة الترفيه فنانين عرباً وعالميين ومطاعم عالمية وعروضاً ومسرحيات وأمسيات شعرية، بل مدناً سياحية بأكملها مثل "وتر لاند" من المملكة المتحدة، وحددت 12 منصة رئيسية وفرعية للفعاليات في أرجاء العاصمة الرياض، لإبهار زوارها، ودعوة ساكنيها الـ8 ملايين لـ"عيش حياة مغايرة، مليئة بالترفيه والفن والإثارة". على حد قول رئيس الهيئة تركي آل الشيخ.

أنغام على شرف "بوتين"

وكان النصيب الروسي من تلك الأنشطة حافلاً، إذ استبق السعوديون زيارة بوتين وجدولوا في أيام مقدمه "ثقافات من روسيا"، تتضمن عروضاً فنية متنوعة تُبرز قيمة الثقافة الروسية من بينها معرض خاص بلوحات الفنان الروسي فاسيلي كاندينسكي، ومعرض فني للذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى عروض أفلام روسية كلاسيكية وحديثة. إلى جانب أمسية موسيقية لأوركسترا تشايكوفسكي الروسية التي قدمت البارحة مجموعة من المعزوفات الشهيرة لأهم الموسيقيين العالميين من بينهم سيرجي رحمانينوف ونيكولاي كورساكوف، وفقاً لوزارة الثقافة السعودية التي دعت الجماهير كافة لحضور العروض، وسط ترقب لـ"القيصر" بوتين الذي نُظمت في مناسبة زيارته.

وتضم الفعاليات معرض "الذكاء الاصطناعي وحوار الثقافات" والذي يشارك فيه عشرة فنانين قدموا أعمالاً فنية تم تنفيذها عبر برمجيات في الحاسب الآلي بأسلوب يحتوي على نظرة جديدة للعلاقة بين الفنان والمشاهدين.

 ومن أبرز الأعمال تقول الوزارة السعودية "لوحة "ميموزا أوف باسيرباي" للفنان ماريو كلينغيمان والتي يشكك فيها بمبدأ الاكتمال، وعمل "انستوليشن تايم" للفنان قسطنطين نوفوسيولوف الحائز على جائزة نوبل الذي يتناول فيه موضوعات فلسفية يتم التعبير عنها في أوراق مرسومة باستخدام حبر الجرافين. ويشارك في المعرض الفنانان السعوديان مهند شونو ولولوة الحمود".

كما تضم فعاليات "ثقافات من روسيا" معرضاً لأعمال مؤسس الفن التجريدي الروسي فاسيلي كاندينسكي الذي توفي عام 1944م، وتمثل لوحاته عرضاً فنياً باهراً يفيض لوناً وتعبيراً ويظهر فيه تفاصيل المنازل الخشبية والأواني والأدوات المنزلية وألعاب الأطفال وعجلات الغزل السائدة في القرنين التاسع عشر والعشرين.

واحتفى المعرض بأهم الأفلام الروسية الكلاسيكية والحديثة، من بينها فيلم "المرآة" للمخرج الروسي الكبير أندريه تاركوفسكي والذي يعد من العلامات المضيئة في تاريخ السينما العالمية، حسب تقدير المنظمين.

 كما سيعرض في المناسبة الفيلم القصير الحائز على الأوسكار "الشيخ والبحر" للمخرج ألكسندر بيتروف، وفيلم "ستالينغراد" الذي يعد من أنجح الأفلام الروسية الحديثة وقد تم إنتاجه عام 2013م ويقدم قصة شجاعة مجموعة من الروسيين واجهوا حصار القوات الألمانية في الحرب العالمية الثانية. وتعرض الأفلام في صالات العرض المخصصة في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض.

وجرى تنظيم المناسبة شراكة بين صندوق الاستثمار الروسي المباشر، ووزارة الثقافة السعودية "تقديراً للعلاقات التي تربط بين المملكة ودولة روسيا الاتحادية".

ولم يخل العرض الفني من لوحات ذات مغزى من ثقافات أخرى، إذ استضاف جانب الذكاء الاصطناعي فيه عمل "جاسوس الزمن" للفنان الصيني سون سيون، الذي قالت الجهة المنظمة إنه كرس العمل التركيبي لمحاولة فك لغز الزمن وتفسيره، وفقاً لمفهوم البشر للزمن الذي تمت سرقته.

ويرى الدبلوماسي السعودي الأسبق الدكتور عبدالرحمن الجديع، أهمية الاعتناء بالثقافة في توطيد العلاقات بوصفها، "القوة الناعمة" الأكثر اتصالاً بوجدان الإنسان وتجسيراً للفوارق الحضارية.

وأضاف أن "أدوات "القوة الناعمة Soft Power" التي تتصل بالكثير من المعطيات ذات الصلة بالثقافة والمؤسسات المدنية سيكون لها اثرها البليغ في تعزيز الصلات وتنمية المصالح في شتى الميادين .لقد اثبتت الوقائع على مر السنين  مدى أهمية تطور ومتانة العلاقات الثنائية وكيفية انعكاس ذلك على التعاون البناء في خدمة الإنسانية عموما وفي تثبيت دعائم الأمن والسلم الدوليين" حسب تجربته واعتقاده.

المزيد من منوعات