ملخص
أجبرت معارك كردفان نحو 53 ألف شخص على النزوح، وفقاً للأمم المتحدة.
على مدار ثمانية أيام، سار المزارع السوداني إبراهيم حسين وعائلته عبر طرق جبلية وعرة هرباً من المعارك في منطقة جنوب كردفان التي تحولت أخيراً إلى ساحة جديدة للحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع".
ويقول حسين الذي وصل مع عائلته إلى كوستي في ولاية النيل الأبيض الواقعة تحت سيطرة الجيش، "تركنا كل ما نملك، حياتنا ومحاصيلنا التي لم نحصدها".
فرّ حسين وعائلته المكونة من سبعة أفراد من مدينة كيكلك بجنوب كردفان، و"تحركنا غالب المسافة مشياً على الأقدام، وتحمل أصغر أبنائي البالغ سبع سنوات ووالدي 75 سنة تعب المشي حتى وصلنا" إلى مدرسة تحولت إلى مخيم للإيواء في كوستي.
على بعد نحو 300 كيلومتر جنوب الخرطوم، باتت كوستي ملاذاً لمئات العائلات الهاربة من العنف في كردفان الغنية بالنفط والتي يتنازع الجيش و"الدعم السريع" السيطرة عليها بعد إحكام الأخيرة قبضتها على إقليم دارفور المجاور.
وأجبرت معارك كردفان نحو 53 ألف شخص على النزوح، وفقاً للأمم المتحدة.
ويضيف حسين، "كنا طوال فترة الحرب بالسودان نعيش في أمان، نرعى حيواناتنا حتى جاءت ’الدعم السريع‘ إلى المنطقة".
خلال ديسمبر (كانون الأول) الجاري، أحكمت قوات "الدعم السريع" سيطرتها على ولاية غرب كردفان واستولت على أكبر حقل نفطي في البلاد في منطقة هجليج، كما أطبقت، بالتعاون مع حلفائها المحليين، الحصار على مدينتي كادوقلي والدلنج الخاضعتين لسيطرة الجيش، حيث يعاني مئات الآلاف المجاعة.
التجويع والخوف
وبدأت الحرب في السودان بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات "الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو في أبريل (نيسان) 2023، ودخلت منعطفاً جديداً، مع سيطرة "الدعم السريع" على مدينة الفاشر في الـ26 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بعد محاصرتها لمدة 18 شهراً، ثم امتدت المعارك إلى إقليم كردفان المجاور.
وأفادت الأمم المتحدة بوقوع مجازر وعمليات اغتصاب ونهب ونزوح جماعي للسكان قبل وخلال وبعد سقوط الفاشر.
في غضون يومين فقط الأسبوع الجاري، وصل نحو 4 آلاف شخص إلى كوستي وهم يعانون "التجويع والخوف"، وفقاً لمحمد رفعت، رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة في السودان.
ويوضح رفعت أن معظم النازحين من كردفان هم من النساء والأطفال "ولم يستطع الرجال النزوح خوفاً من القتل أو الخطف".
ووفقاً لمنظمة "ميرسي كوربس"، وهي واحدة من منظمات الإغاثة القليلة العاملة في كردفان، فإن الطرق الرئيسة غير آمنة مما يدفع العائلات إلى "خوض رحلات طويلة وعرضة للأخطار والنوم في أي مكان متاح".
وتقول المديرة القُطرية الموقتة للمنظمة ميجي باراك "الرحلات التي كانت تستغرق أربع ساعات في السابق باتت تجبر الناس على السير لمدة تراوح ما بين 15 و30 يوماً عبر مناطق معزولة وأراضٍ مليئة بالألغام".
وأدى هجوم بطائرات مسيرة على روضة أطفال ومستشفى في كلوقي بجنوب كردفان خلال ديسمبر الجاري إلى مقتل 114 شخصاً بينهم 63 طفلاً، بحسب منظمة الصحة العالمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعد هذا الهجوم، أيقن آدم عيسى، وهو مزارع يبلغ 53 سنة، أن الوقت حان للفرار، فتوجه مع زوجته وبناته الأربع ووالدته المسنة إلى كوستي "بعربة تجنبت الطرق المعتادة حتى لا نمر عبر ارتكازات ’الدعم السريع‘، أخذتنا الطريق ثلاثة أيام".
ويقيم عيسى حالياً مع عائلته و500 شخص آخرين في مدرسة تحولت إلى مأوى، "ونتلقى مساعدات لكنها ليست كافية". ويقول إنه يبحث عن عمل في سوق المدينة.
وتعاني كوستي بالفعل ضغطاً كبيراً، وفقاً لرفعت، إذ تستضيف آلاف اللاجئين من دولة جنوب السودان الفارين بدورهم من العنف في الجانب الآخر من الحدود.
وكلّفت الرحلة عيسى 400 دولار أميركي (نحو مليون ونصف جنيه سوداني) لنقل عائلته إلى بر الأمان، وهو مبلغ لا يملكه معظم السودانيين بعد ما يقارب ثلاثة أعوام على الحرب وانهيار النظام المالي.
أما هؤلاء الذين لا يملكون المال فينزحون سيراً على الأقدام أو يبقون في مكانهم.
خيارات مستحيلة
ويقول رفعت إن كلفة رحلة النزوح من الأبيض، عاصمة شمال كردفان، ارتفعت بأكثر من 10 أضعاف خلال شهرين، مما "يحد من حركة النزوح وقدرة الأسر على الخروج" من المدينة.
جنوباً في كادوقلي المحاصرة، يبحث حمدان، وهو تاجر يبلغ 56 سنة، عن مخرج، مشيراً إلى أن "الوضع مخيف ونخشى أن تدخل ’الدعم السريع‘ إلى كادوقلي".
وأضاف عبر الإنترنت، طالباً عدم ذكر اسمه بالكامل خوفاً على سلامته، "أرسلت أسرتي مع ابني الكبير إلى الأبيض والآن أفتش عن طريقة لخروجي".
ويصف قاسم عيسى الوضع في كادوقلي بأنه "غير مطمئن"، وقال "كل يوم، نسمع أصوات القصف وأحياناً اشتباكات بأسلحة رشاشة، ونعاني للحصول على الطعام والعلاج".
ولكن ارتفاع الأسعار وخطورة الرحلة تركا عيسى وعائلته المكونة من ثمانية أفراد أمام خيار مستحيل إذ "لدي ثلاث فتيات أكبرهن عمرها 22 والصغرى 14 سنة والخروج مكلف والطريق غير آمن".
وحذرت الأمم المتحدة مراراً من احتمالات تكرار سيناريو الفاشر في مدن كردفان، بما في ذلك الإعدامات الميدانية والاختطاف والاغتصاب.
وأخيراً يقول رفعت، "إذا لم يتوقف إطلاق النار في محيط كادوقلي فإن مستوى العنف الذي شهدناه في الفاشر قد يكون هو المرحلة المقبلة".