لا تزال موجة الحرائق مستعرة في لبنان لليوم الثاني على التوالي، ولم تتمكن طواقم الإغاثة والإطفاء من السيطرة على ألسنة اللهب التي لا تزال مشتعلة في مناطق عدة، بينما أفادت مصادر محلية عن هطول امطار متفرقة ليلاً مع استمرار شدة الرياح. وترافق العمل الإغاثي الميداني مع حديث عن تقصير لافت من الدولة اللبنانية التي أهملت تجهيز فرق الدفاع المدني والإطفاء بأحدث المعدات، لاسيما عدم صيانة مروحيات من طراز "سيكورسكي" كانت استُقدمت منذ العام 2008 بأموال جُمعت من هبات متفرقة لمكافحة الحرائق، كل واحدة منها قادرة على حمل 4000 إلى 4500 ليتر من المياه، في مقابل 500 ليتر أو أكثر بقليل تقدر طوافات الجيش اللبناني حملها في الطلعة الواحدة للمساهمة في إخماد الحرائق.
وحاصرت النيران منازل البلدة، وعمدت فرق الدفاع المدني جاهدة على إخماد النيران وتمت الاستعانة بطائرتين متخصّصتين بإطفاء الحرائق من قبرص، مع العلم أن لبنان اشترى سابقاً طوافتين لإطفاء الحرائق، لكنهما خارج الخدمة حالياً بسبب ارتفاع كلفة صيانتهما.
احتراق أشجار الصنوبر والسنديان
ولفت رئيس بلدية المشرف زاهر أيوب في حديث صحافي إلى أن "التقديرات الأولية تشير إلى القضاء على أكثر من مليون ونصف مليون متر مربّع من المساحات الخضراء التي تتألف بمعظمها من أشجار السنديان والصنوبر". كما أتت النيران في البلدة على أربع منازل وأحرقتها بالكامل، وأخلى سكان منازلهم "جراء شدة الاختناق التي طالت العشرات"، وفق الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية.
وأحدث انتشار الحرائق استنفاراً عاماً في الدولة، وتوجهت وزيرة الداخلية اللبنانية ريا الحسن إلى منطقة المشرف لمتابعة عملية إخماد الحرائق، وأعلنت الحسن أن طوافات الإطفاء القبرصية ستنطلق لإخماد الحرائق، وأضافت "قد نستعين بطوافات الإطفاء الإيطالية إذا دعت الحاجة". ولفت وزير الدفاع اللبناني الياس بو صعب إلى أنه تم التواصل مع الجهات اليونانية والأردنية، وأعلن أن اليونان أرسلت طائرتين لإطفاء الحرائق بشكل فعال أكثر، وهي تحمل حوالى 20 طناً من المياه.
تجدد الحرائق... وفاة شخص وإصابة عناصر من الدفاع المدني
وتجدّدت الحرائق في المشرف فجر الثلثاء، وأدت سرعة الرياح إلى تمدّد الحرائق، ما كبّد المواطنين خسائر كبيرة في الماديات، وشهدت المناطق حركة نزوح كثيفة كما سجل العديد من حالات الإغماء.
وأعلن المدير العام للدفاع المدني العميد ريمون خطار أن هناك حوالى 103 حرائق مندلعة على الأراضي اللبنانية وتعمل حوالى 200 آلية من الدفاع المدني على إخمادها.
وتوفي أحد الاشخاص أثناء القيام بمساعدة عناصر الدفاع المدني في عملية إخماد الحريق الذي اندلع في منطقة الشوف، وهو أب ترك أطفاله لمساعدة أصدقائه في فوج الإطفاء، ويعود سبب الوفاة نتيجةً للاختناق، بحسب ما قال الناشطون. وأعلن الدفاع المدني إصابة أربعة من عناصره أثناء إخماد الحرائق.
في الشوف كذلك، اندلعت حرائق كثيفة في كل من بلدات دميت والدامور والناعمة والدبية، حيث طالت خطاً للتوتّر الكهربائي العالي ما أدى إلى انفجاره.
تمدّد الحرائق
ومن الشوف إلى الجنوب، حيث اندلعت حرائق في مناطق عدة، بينها محلّتي قعقعية الصنوبر والمصيلح في قضاء الزهراني والعرقوب في قضاء حاصبيا وبلدة الصوانة في قضاء مرجعيون، كما اندلع حريق هائل بين بلدتي معركة وجناتا في قضاء صور، الذي شهد سلسلة من الحرائق في محيط بلدات جويا وصريفا والمنصوري والشهابية وقانا وبافليه ومعركة ويانوح، حسب الوكالة الوطنية.
أمّا في المتن، فاندلعت حرائق في بلدات المنصورية وقرنة الحمرا وزكريت ومزرعة يشوع، حيث اقتربت من المنازل السكنية قبل أن ينجح الدفاع المدني في إخمادها.
كذلك في الشمال اندلع حريق كبير في بساتين بلدة دير دلوم في قضاء عكار أتى على أشجار الزيتون وغيرها من الأشجار المثمرة في المحلة. كما اندلعت حرائق عدة في بلدة الشيخ محمد وكروم عرب، حيث أتت النيران على مساحات كبيرة من الأراضي وكادت تلامس المنازل، وفقاً للوكالة الوطنية.
وفي الضنية شمالاً، اندلع حريق في حرج صنوبر متاخم لبلدة بطرماز، وتوسّع امتداده بسرعة كبيرة نتيجة الرياح، وعمل الدفاع المدني على إخماده بمساعدة الأهالي. كما أتت النيران على مساحات حرجية واسعة في زغرتغرين.
وأعلنت دائرة العلاقات العامة في بلدية بيروت أن قوة من فوج إطفاء بيروت توجهت للمؤازرة في إخماد النيران التي اندلعت، وسيبقى فوج إطفاء بيروت "في أعلى جاهزية لتقديم المساعدة ومد يد العون".
في قضاء جبيل كذلك، اندلعت حرائق في بلدات بنتاعل وكفون وجدايل.
"سيكورسكي"
وطلب رئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون فتح تحقيق في الأسباب التي أدّت إلى توقف طائرات الإنقاذ وإطفاء الحرائق "سيكورسكي" عن العمل منذ سنوات وتحديد المسؤولية، كما طلب إجراء كشف سريع على الطائرات الثلاث والإسراع بتأمين قطع الغيار اللازمة لها.
الحريري: سنجري تحقيقاً
بدوره، قال رئيس الحكومة سعد الحريري إننا سنجري تحقيقاً في النهاية لنكتشف كيف بدأ هذا الحريق وإذا كان مفتعلاً سيكون على الفاعل أن يدفع الثمن. وأضاف أننا اتصلنا بالأوروبيين ومن المفترض أن تصلنا وسائل للمساعدة خلال أربع ساعات ونشكر كل الأجهزة على جهودها.
أحد بدأ بالحريق
وأكد وزير البيئة اللبناني فادي جريصاتي، في تصريح على إثر جولة له على الاضرار الناجمة عن الحرائق أن "الصدمة كبيرة والمشهد مؤذٍ بشكل كبير والأكيد أنّ أحدًا بدأ بالحريق"، وناشد رئيس الحكومة والحكومة أن وضع الدفاع المدني لم يعد يحتمل و"أتمنى أن تكون هناك خطة طوارئ لتأهيل ولوضع كل الامكانات بمتناول العناصر". ولفت إلى انه "لا تقرير نهائياً حتى الآن بحجم الأضرار".