Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قلق التقسيم يخيم على السودان المعلّق بين خريطة البرهان ورؤية الرباعية

الحكومة ما فتئت تؤكد أكثر من مرة استعدادها للتعاطي الإيجابي مع المبادرات المطروحة

خريطة الرباعية تصطدم برؤية الحكومة في السودان (أ ف ب)

ملخص

الحكومة السودانية على رغم تأكيد رفضها للتفاصيل ومحتوى خريطة الرباعية، لكنها ما فتئت تؤكد أكثر من مرة على استعدادها للتعاطي الإيجابي مع المبادرات المطروحة وعلى رأسها خريطتها التي قدمتها إلى الأمم المتحدة.

استناداً إلى مقترح خريطة الرباعية منذ إعلان سبتمبر (أيلول) الماضي، قدمت الولايات المتحدة لكل من الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" بحسب مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية والعربية، مسعد بولس، خطة سلام محكمة، غير أنها اصطدمت برؤية الحكومة المقابلة التي تقوم على رفض أي حل لا يتضمن تفكيك قوات "الدعم السريع" وتجريدها من السلاح وانسحابها من المناطق المدنية، ضمن خريطتها التي أودعتها إلى الأمم المتحدة. ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم ظلت كل الحلول عالقة وسط هذه الرؤى المتباينة بين الخريطة الحكومية والرباعية، فأين يكمن الحل إذاً؟ وهل من سبيل للتقريب والمزج الواقعي بين تلك الرؤى المتباينة؟

مسارات متداخلة

شكل المقترح الأميركي وفق بولس، خريطة طريق متكاملة عبر المسارات الثلاثة، حيث يتداخل المسار العسكري مع السياسي والإنساني لضمان معالجة شاملة للأزمة السودانية. ويؤكد المقترح أن وقف النار وفتح الباب أمام المساعدات الإنسانية يجب أن يتزامنا مع عملية سياسية تقودها القوى المدنية، إلى جانب إصلاح شامل للجيش وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، بما يضع السودان على مسار جديد نحو الاستقرار والانتقال المدني.

استعداد إيجابي

الحكومة السودانية على رغم تأكيد رفضها للتفاصيل ومحتوى خريطة الرباعية، لكنها ما فتئت تؤكد أكثر من مرة على استعدادها للتعاطي الإيجابي مع المبادرات المطروحة وعلى رأسها خريطتها التي قدمتها إلى الأمم المتحدة، وما تضمنته من رؤى ومقترحات لوقف الحرب وحلول للأزمة، كذلك عضدت استعدادها بالإعلان عن تشكيل لجنة لدراسة كل الأفكار والمقترحات التي قدمت إليها، لم يفصح عن مخرجاتها حتى الآن.

صمت أممي

لكن المنظمة الأممية من جانبها لم تبدِ أي اهتمام أو تعليق سلبي أو إيجابي تجاه الخريطة الحكومية حتى اليوم، في الوقت الذي تعتبر فيه الحكومة أن خريطة الرباعية بشكلها الراهن تعني إلغاء وجود الجيش وحل الأجهزة الأمنية مع ترك الميليشيات المتمردة على حالها، وهو ما تراه تهديداً لسيادة الدولة، وأن أي تسوية لا تعيد الدولة بجيش واحد وأجهزة أمن موحدة إلى كامل السودان، ستكون هشّة وغير مستقرة، ومهددة بالانفجار مرة أخرى.

الحسابات الضيقة

في السياق، يوضح رئيس حزب الأمة وتحالف التراضي الوطني، مبارك الفاضل المهدي، أن المأساة الإنسانية غير المسبوقة التي لم يشهدها السودان في تاريخه الحديث، والمجازر البشعة التي يتعرض لها المدنيون في الفاشر ومن قبلها في الجنينة والجزيرة، وتشرّد الملايين بين النزوح واللجوء إلى دول الجوار، بينما يهدد الجوع أكثر من 25 مليون مواطن، وتعطل عجلة التعليم والحياة الاقتصادية والمعاشية لأكثر من ثلاثة أعوام، كل هذا الخراب والدمار الهائل يتطلب وقفة صادقة وشجاعة وطنية تتجاوز كل الحسابات الضيقة.

فجوة جوهرية

يرى المهدي أن هناك فجوة جوهرية في خريطة رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد العام للجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، هي كونها تنطلق من سلطته الناتجة من انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وهي سلطة تفتقر إلى المشروعية السياسية، والأخطر أنها تتجاهل طبيعة الحرب ذاتها، فالحرب ليست تمرداً كما يصفها البرهان، بل هي صراع على السلطة بين شريكي قيادة المؤسسة العسكرية، القائد العام للقوات المسلحة وشريكه ونائبه في مجلس السيادة، قائد قوات "الدعم السريع".

تعارض وتباين

تابع "لقد رفض البرهان خطة الرباعية الدولية التي قدمت له، بحجة تعارضها مع خطته التي قدمها للأمين العام للأمم المتحدة، محاولاً الإيحاء بوجود تباين بين موقف ولي العهد السعودي والرئيس ترمب من جهة، وبين مواقف الرباعية من جهة أخرى، على رغم أن المقترح المقدم له يمثل موقفاً موحداً للرباعية ومسنوداً بالكامل من قيادة المملكة والولايات المتحدة".

خطورة المقترح

يرى رئيس حزب الأمة، أن أخطر ما ورد في الخطة هو البند (أ) الذي سقط من بعض الترجمات المتداولة، والذي ينص على قبول وقف إطلاق النار بشرط انسحاب قوات "الدعم السريع" بالكامل إلى إقليم دارفور، لمدة تسعة أشهر، ليقوم بعدها، بعد تشكيل حكومته، بمناقشة مستقبل "الدعم السريع".

يضيف "هذا البند (أ) تحديداً يمنح ‘الدعم السريع‘ مساراً نحو الانفصال الفعلي، إذ يعزله في دارفور، ويقطع صلته بأي ترتيبات سياسية أو أمنية في بقية السودان بعد وقف الحرب، وبذلك تتحول الخطة من حيث لا يُعلن إلى وصفة لتقسيم السودان".

المبادئ الخمسة

أما مبادئ خريطة الرباعية وما تطرحه فعلاً، بحسب المهدي، فقد وضحت في بيانها الصادر في الـ12 من سبتمبر (أيلول) الماضي، بوضعها خمسة مبادئ واضحة على رأسها وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه وحماية المدنيين وضمان وصول الإغاثة من دون عوائق، وصولاً إلى عملية انتقالية شاملة لا يهيمن عليها طرف مسلح ووقف كل أشكال الدعم العسكري الخارجي. هذه المبادئ، بخلاف خطة البرهان، تنطلق من معالجة جذور الأزمة، وتضع سلطة القرار في يد الشعب السوداني عبر انتقال مدني لا يخضع لهيمنة طرف مسلح.

الأساس المنطقي

يعتقد رئيس "حزب الأمة"، أن اتفاق جدة ومن بعده اتفاق المنامة، يمثلان الأساس المنطقي للحل، إذ قدّم اتفاق جدة يوم 11 مايو (أيار) 2023، مدخلاً لإنقاذ المدنيين ووقف الانتهاكات، ثم جاء اتفاق المنامة في يناير (كانون الثاني) 2024، ليشكل إطاراً شاملاً لترتيب مستقبل السودان، وتكمن أهمية الأخير في أنه حسم مستقبل تعدد الجيوش والميليشيات في السودان.

وينص بنده السابع على إعادة بناء الجيش السوداني ليصبح جيشاً مهنياً بعيداً من السياسة والعمل الاقتصادي، فضلاً عن النص بجلاء على إزالة تمكين الإخوان المسلمين وتقديم المطلوبين من نظام الإنقاذ إلى العدالة والعودة إلى الحكم المدني، فوق ذلك فإن الاتفاق يكتسب ثقله بتوقع كل من الفريق شمس الدين كباشي نائب القائد العام للجيش، والفريق عبد الرحيم دقلو قائد ثان لقوات "الدعم السريع"، وبشهادة كل من الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات، فهي إذاً وثيقة تمثل الطرفين وتضع مساراً واقعياً لإنهاء الحرب.

نذر التفتيت

وفق تقدير رئيس "حزب الأمة"، فإن استمرار الحرب وفق معادلتها الحالية، أو السير في خطة أحادية مثل خطة البرهان، يعني تعميق المأساة الإنسانية وتحويل دارفور إلى كيان منفصل بحكم الأمر الواقع، ما ينذر بتفتيت السودان وإدامة الصراع داخل المؤسسة العسكرية، بينما يمثل خط الرباعية مدعوماً باتفاق جدة والمنامة المسار الوحيد القادر على وقف الحرب وتوحيد الجيش وإعادة بناء مؤسسات الدولة وفتح الطريق أمام حكم مدني مستقر وحماية السودان ومنع تفككه.

يخلص المهدي إلى أن ما يواجهه السودان اليوم أكبر من كل خلافات النخب، فهو تهديد وجودي للدولة نفسها، والمطلوب من قيادة الجيش، بوصفها أحد أعمدة الدولة، أن تبتعد عن الحسابات السلطوية، وأن تقدم مصلحة الحفاظ على وحدة السودان وسلامة شعبه على أي اعتبار آخر.

خريطة معزولة

على نحو متصل، يرى القيادي بالكتلة مبارك أردول، أن الإشكال الحقيقي لا يكمن فقط في وجود خريطتين، بل في غياب الثقة السياسية والضمانات الوطنية التي تجعل أي خريطة للحل قابلة للحياة، مشيراً إلى أن خريطة الحكومة المودعة لدى الأمم المتحدة، وعلى رغم تقديمها بوصفها تعبيراً عن إرادة الدولة، إلا أنها تعاني من خلل جوهري يتمثل في افتقادها لأي مشاركة حقيقية مع القوى السياسية، بل إن الغالبية لم تطلع عليها ولم تُناقش محتواها إلا بعد تسريبها من قبل الأمم المتحدة، وهو ما يعكس طابعها المنعزل وضعف الإسناد والتأييد السياسي لها في الداخل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

صراع الرباعية

في المقابل، فإن خريطة الرباعية الدولية، وفق أردول، وعلى رغم أنها جاءت مدفوعة برغبة المجتمع الدولي والفاعلين في وقف الحرب، إلا أنها اصطدمت باستقطاب سياسي داخلي حاد، رافقه قدر كبير من التشويه المتعمد وسوء الفهم. وقد انقسمت القوى والفاعلون في الداخل بوضوح بين مؤيد يرى فيها مخرجاً ضرورياً، ومعارض يعتبرها تدخلاً أو تجاوزاً للإرادة الوطنية، ما أفقدها قاعدة التوافق المطلوبة، وحوّلها من مبادرة لإنهاء الحرب إلى موضوع صراع سياسي بحد ذاته.

أما بشأن إمكانية وجود طريق ثالث يقول أردول "الطريق الثالث ممكن على الصعيد النظري، وعملياً يبدو هو الطريق الوحيد الممكن، وهو أمر لن يحصل عبر التوفيق الشكلي أو المزاوجة التقنية بين الخريطتين، بل عبر صياغة مسار وطني سوداني خالص، يستوعب عناصر الالتقاء الممكنة، ويعالج نواقص كل مبادرة من دون خضوع لوصاية خارجية أو انفراد داخلي، باعتبار أن أي حل لا يقوم على ملكية سودانية واسعة ومشاركة سياسية حقيقية سيظل هشاً وعرضة للفشل".

لا هذا ولا تلك

أما بخصوص دور القوى السياسية، يرى القيادي بـ"الكتلة الديمقراطية" أن مسؤوليتها باتت الآن مضاعفة، إذ لا يكفي التعليق أو الانحياز التكتيكي لهذا المسار أو ذاك، المطلوب موقف جاد يعلي من أولوية وقف الحرب ومعالجة جذورها، ويقلل من منسوب الاستقطاب الحاد الذي عطّل كل المبادرات حتى الآن، منوهاً إلى أن لقاء جيبوتي المرتقب بينها في الـ16 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، يمكن أن يكون فرصة إذا ما استُخدم لتقديم رؤية وطنية جامعة تخاطب الداخل أولاً، وتعيد الاعتبار للعمل السياسي بوصفه شريكاً لا هامشاً.

يرى أردول أن الأزمة السودانية المستفحلة لن تُحل بخريطة حكومية معزولة، ولا بمبادرة دولية منقسَم حولها داخلياً، بل بمشروع وطني جامع وقوى سياسية قادرة على تجاوز الاستقطاب وتحمل مسؤوليتها التاريخية بشجاعة ووضوح.

بين الداخل والخارج

وكان نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، رئيس "الحركة الشعبية شمال"، مالك عقار، قد أعلن الأسبوع الماضي أن القيادة السودانية تدرس عدداً من المبادرات والمقترحات الخاصة بوقف الحرب، وسيتم الرد عليها بما ينسجم مع السيادة الوطنية والأمن القومي.

لكن عقار أشار إلى ضرورة عدم تعويل السودان على الجهود الخارجية في حلول أزمته الممتدة لأكثر من عامين، لجهة أن كل الدول تتعامل وفق مصالحها، كذلك لا يجب تصنيفها بشكل جامد أو حاسم، منوهاً إلى أن المرحلة الراهنة تتطلب قراءة واقعية، بعيداً من الرهانات الخاطئة على مواقف الآخرين، مطالباً القوى السياسية السودانية إلى تقليل حدة الصراع والخلافات، والعمل بروح جماعية تستجيب لمتطلبات المرحلة، معتبراً أن تجاوز الانقسامات شرط أساسي لبناء دولة قوية وموحدة في مرحلة ما بعد الحرب.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير