Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

في فنزويلا… الخوف من التضخم المنفلت أكبر من تهديدات ترمب

وسط ارتفاع أسعار متصاعد وانهيار القدرة الشرائية المواطنون يفضلون متابعة ثمن الهدايا والطعام على الحديث عن تدخل أميركي محتمل

يتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل التضخم في فنزويلا إلى 270% هذا العام (أ ف ب)

ملخص

على رغم توافر الوقود وعدم خلو المتاجر من السلع كما في أزمات سابقة، يحذّر اقتصاديون من أن القدرة الشرائية للفنزويليين باتت شبه معدومة.

مع انتشار قطع من الأسطول البحري الأميركي قبالة السواحل الفنزويلية، وتصاعد ضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترمب للإطاحة بنظيره الفنزويلي نيكولاس مادورو، ينشغل الفنزويليون بقضية أكثر إلحاحاً ألا وهي كلفة الاستعدادات لعيد الميلاد.

الأسواق والمراكز التجارية تعج بالمتسوقين، لكن كثيرين يكتشفون أنهم ينفقون كامل رواتبهم على الهدايا والزينة، أما المتاجر الكبرى، فعلى رغم امتلائها بفخذ الخنزير وخبز "الهام" المحشو الذي يُعد من أساسيات المائدة الميلادية، فإن الأسعار ارتفعت إلى ما يقارب من ضعف العام الماضي.

وفي أحد الأحياء الراقية التي تضيئها شاشات LED ضخمة، تُعرض أشجار عيد الميلاد المستوردة من كندا بنحو 300 دولار، وهو مبلغ يفوق ما يجنيه معظم الفنزويليين في شهر كامل.

في هذه العاصمة التي تضم ثلاثة ملايين نسمة، تبدو طبول الحرب بعيدة وغير واقعية، فالسكان اعتادوا محاولات سابقة للإطاحة برئيسهم، ولم يعودوا يعيرونها اهتماماً كبيراً، بينما هاجسهم الأساس اليوم هو التضخم المزمن، الذي يتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل إلى 270 في المئة هذا العام، ليقفز لاحقاً إلى 682 في المئة مع نهاية عام 2026.

ميغيل بيريز، وهو عامل بناء، تجوّل هذا الأسبوع بحثاً عن تلفزيون جديد بعد تعطل جهازه القديم، لكنه غادر خالي الوفاض، فحتى الشاشة الصينية (50 بوصة) يصل سعرها إلى 400 دولار، وهو مبلغ لا يطيقه.

وقال بيريز لصحيفة "وول ستريت جورنال"، "آمل في أن أجد ما يناسب موازنتي"، أما بيتزايدا بيريز (ربة منزل) فكانت تتجنب التفكير في تهديدات ترمب بقصف فنزويلا، والتي كررها قبل أيام، بينما تتسوق زينة شجرة الميلاد، مضيفة "الناس يتحدثون كثيراً ولا يحدث شيء، ونحن الآن فحسب ننتظر قدوم عيد الميلاد".

إنه الواقع المتناقض لبلد يضم 28 مليون نسمة، يحاولون الحفاظ على مظاهر الحياة الطبيعية في ظل انقطاع متكرر للكهرباء، وتوافر المياه بضعة أيام فقط في الأسبوع، وفي الوقت نفسه، يترقبون صخب التحليلات في واشنطن التي تؤكد أن أيام حكومة مادورو باتت معدودة، بعد ثلاثة أشهر من الغارات الأميركية على قوارب يُشتبه في استخدامها لتهريب المخدرات من فنزويلا.

أما الرئيس مادورو فقد أكد في خطاب بثه التلفزيون الرسمي الأربعاء الماضي، أنه تحدث هاتفياً مع ترمب قبل نحو أسبوعين، مرحباً بـ"الانخراط الدبلوماسي"، وقال "كانت محادثة محترمة، بل يمكنني القول إنها كانت ودية".

وستُنهي إطاحة مادورو إن حدثت حكماً مستمراً منذ نحو 13 عاماً، تخللته اتهامات بالقمع السياسي والتلاعب الانتخابي وسوء الإدارة الاقتصادية التي دفعت قرابة ثمانية ملايين فنزويلي إلى الهجرة.

الرئيس البالغ 63 سنة يظهر تقريباً يومياً على التلفزيون، متجولاً في معارض تجارية للترويج للسياحة، ومسلطاً الضوء على جهود حكومته لإنعاش قطاعات جديدة تعويضاً عن انهيار قطاع النفط (عماد الاقتصاد). وفي تجمع جماهيري الإثنين الماضي، رقص مادورو ودعا أنصاره إلى الاحتفال قائلاً "اطمئنّوا، فلن أتخلى عنكم".

وعلى رغم خسارة مادورو الانتخابات الرئاسية العام الماضي، وفقاً للمعارضة والحكومة الأميركية، فإنه حافظ على السلطة بعد إعلان حكومته فوزاً ضيقاً، واليوم نادراً ما يجرؤ أحد على انتقاده، فيما اختفت التظاهرات من الشوارع بعد حملة قمع عنيفة أعقبت الانتخابات.

الاقتصاد المتدهور يتصدر أولويات الفنزوليين

وخلصت دراسة صادرة عن جامعة أندريس بيو الكاثوليكية إلى أن نحو 8 من كل 10 فنزويليين يرون أن التغيير السياسي ضرورة، وفي استطلاع أجرته شركة "داتاناليسيس" في كاراكاس الشهر الماضي، أيد 23 في المئة فحسب تدخلاً عسكرياً خارجياً، بينما عارضه 55 في المئة، لكن 70 في المئة أعربوا عن نظرة سلبية تجاه أوضاع البلاد.

وعلى رغم الصراع السياسي، لا يتصدر الأمن أولويات الفنزويليين، بل الاقتصاد المتدهور والرواتب الضعيفة والتضخم الجامح، وأدى تشديد العقوبات الأميركية إلى تسريع انهيار العملة المحلية "البوليفار"، ليُتداول الدولار بنحو 370 بوليفاراً في السوق السوداء، مقابل سعر رسمي يبلغ 249 بوليفاراً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال أستاذ العلوم السياسية المتقاعد كارلوس روميرو، إن معظم المواطنين باتوا لا مبالين بعد سنوات من محاولات فاشلة لإزاحة مادورو، بما فيها محاولة إدارة ترمب الأولى إثارة تمرد داخل الجيش، مضيفاً "الناس نيام تقريباً أمام احتمال مواجهة مع الولايات المتحدة، لقد توقفوا عن المبالاة".

لكن الغضب يتصاعد بسبب تأثير المواجهة في حياة السكان، فقد حذّر ترمب شركات الطيران أخيراً من التحليق فوق فنزويلا أو السفر إليها، مما دفع عدداً من شركات الطيران العالمية إلى إلغاء رحلاتها إلى كاراكاس، معطلة خطط العطلات وزيارات العائلات والأعمال.

القدرة الشرائية للفنزويليين باتت شبه معدومة

وفي الأشهر الأخيرة، حرك مادورو قواته وميليشياته، وتم اختبار أنظمة الدفاع الجوي على طول الساحل الكاريبي، فيما تحلق مقاتلات حربية فوق رؤوس المصطافين.

وعلى الأرض، تقول المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان إن السلطات تنفذ اعتقالات عشوائية ضد النشطاء وأفراد عائلاتهم.

ولدرء أي اضطرابات داخلية، تحاول حكومة مادورو الحفاظ على مظهر طبيعي للحياة، فالساحات العامة المضاءة تزدحم بالعائلات الباحثة عن ترفيه زهيد، ومشاريع صيانة الطرق تعمل طوال الليل في العاصمة، بينما تراجعت نقاط التفتيش العسكرية في الأحياء الثرية.

ومنذ سنوات، بات مادورو يعتمد على أجواء عيد الميلاد لتخفيف الضغط الشعبي، فمنذ 2019، يعلن سنوياً بدء الموسم مبكراً، وكأنه يقدمه كلما ساءت أوضاع البلاد.

وافتتح موسم عيد الميلاد هذا العام في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مع إنفاق حكومي ضخم على زينة ضخمة في المراكز التجارية والمطار، وتروج الحكومة لعمليات الشراء وتقدم خصومات على الأجهزة المنزلية في "الجمعة السوداء".

وعلى رغم توافر الوقود وعدم خلو المتاجر من السلع كما في أزمات سابقة، يحذّر اقتصاديون من أن القدرة الشرائية للفنزويليين باتت شبه معدومة.

راينر فيلاسكيز (شيف)، يقول إن زملاءه باتوا يستغنون عن مكونات مستوردة أساسية في طبق "الهياكاس" التقليدي الشبيه بـ"الدامبلينغ" وهو نوع من أطباق المعجنات الصغيرة النشوية، والذي يستهلك بكثرة خلال موسم الأعياد. ويضيف "الأسعار ترتفع باستمرار، وعليك أن تبدأ الشراء قبل أشهر إذا كنت تريد تحضير كل ما تحتاج إليه".

اقرأ المزيد