على رغم أن مشاهد تكدس المقتنيات تبدو متشابهة، فإن المتخصصين يفرقون بين تراكم عابر ينتج من سلوك عام قد يكون نفسياً أو اجتماعياً، واكتناز قهري يعكس اضطراباً يثقل يوم صاحبه ويقيد مساحته.
التكديس للشعور بالأمان
من منظور المحلل النفسي ألفرد أدلر فإن تكديس المقتنيات هو في العمق محاولة نفسية لخلق شعور زائف بالأمان، الشخص لا يخزن الأشياء لأنه سيستخدمها، بل لأنه يخشى فقدانها، وهنا يتجاوز الشيء قيمته الوظيفية ليتحول إلى معنيين الأول للسيطرة على عدم اليقين، والآخر لمقاومة الشعور بالخسارة.
عندما يشعر الإنسان أن حياته لا يمكن التحكم بها، يبدأ في التحكم بما حوله، حينها قد يبدو التكديس نوعاً من تعويض عن فقد داخلي، كفقد أمان أو فقد استقرار أو حتى فقد أشخاص وتجارب، لذلك تجد أن التخلص من هذه المقتنيات يشعرهم بالتهديد وكأنهم يخسرون جزءاً من التاريخ، لا مجرد غرض.
أدلر كان يرى أن الإنسان يسعى دوماً إلى تعويض شعور بالنقص، وفي هذه الحال النقص ليس مادياً بل نفسي، الخوف من المستقبل، من الحاجة، من الوحدة، من التقدم في العمر، كلها تتحول إلى أشياء تملأ الفراغ بدل مواجهته.
شعور بعدم الأمان
بالنسبة إلى التخلص من هذا السلوك ترى الباحثة والمتخصصة في الصحة العامة، الدكتورة نورا الثميري، بأن التخلص من التكديس وحده لا يعتبر علاجاً حقيقياً، لأنه إذا لم يعالج السبب النفسي وراء السلوك فغالباً سيعود مرة أخرى بصورة أقوى، التخلص من الأشياء يجب أن يكون جزءاً من برنامج علاجي أشمل يعتمد على العلاج المعرفي السلوكي وفهم الدوافع النفسية وبناء شعور داخلي بالأمان بدلاً من الاعتماد على المقتنيات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن أسباب هذا السلوك تشير الثميري إلى أن الأسباب ليست محصورة في الشعور بالوحدة فقط ولا في التعلق بالمقتنيات وحده، غالباً تكون نتيجة مزيج من عوامل مثل الشعور المزمن بعدم الأمان، أو تجارب فقد أو حرمان في الماضي، أو صدمات لم تعالج واضطرابات في التعلق منذ الطفولة، وقد تكون متعلقة بالقلق من المستقبل، أو الخوف من الحاجة، أو الخوف من التقدم في العمر والشعور بالعجز.
في كثير من الأحيان، كما تقول الثميري، لا يتعلق الشخص بالأشياء لنفسها بل بما ترمز له من ذكريات أو شعور بالسيطرة أو حماية نفسية من فقد آخر.
متى تكون الحالة مرضية؟
التكديس قد يكون سلوكاً طبيعياً في بعض الحالات خصوصاً إذا كان محدوداً ولا يؤثر في حياة الشخص أو صحته أو علاقاته، لكنه يتحول إلى حال مرضية عندما يصبح الشخص عاجزاً عن التخلص من الأشياء مهما كانت عديمة القيمة، ويشعر بقلق شديد عند محاولة رميها ويبدأ التكديس في تعطيل حياته اليومية ومساحته المعيشية.
في هذه الحال يعد اضطراباً نفسياً وله علاج يعتمد على التدخل النفسي وليس فقط على الترتيب والتنظيف، وترى الباحثة النفسية بأن هذه الحال عالمية وليست مرتبطة بثقافة معينة أو مجتمع محدد، ولكنها قد تظهر بصور مختلفة حسب البيئة والثقافة.
وتشير إلى الفرق بين الاكتناز القهري والتكديس ومتى تعتبر الحال مرضية، بحسب الثميري، وتقول "ليس كل تكديس يعد اكتنازاً قهرياً"، التكديس سلوك عام قد يكون نفسياً أو اجتماعياً، أما الاكتناز القهري فهو اضطراب نفسي محدد يسمى بالإنجليزية Hoarding Disorder.
ويشخص عندما تتوفر شروط عدة مثل العجز عن التخلص من الأشياء وشعور شديد بالضيق عند محاولة ذلك وتراكم يعوق استخدام المساحات بصورة طبيعية ويؤثر في الحياة اليومية بصورة واضحة.