ملخص
تزداد المخاوف على خلفية مضي حكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في رفع أسعار الطاقة بما فيها البنزين والكهرباء والغاز، مما يمهد لموجة جديدة من الغلاء.
في اليوم الذي قفز فيه سعر الدولار في سوق طهران إلى 114 ألفاً و300 تومان، كشف تقرير جديد صادر عن مركز الإحصاء الإيراني في شأن حركة الأسعار في نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، صورة أوضح لعمق الأزمة الاقتصادية التي تعيشها إيران، إذ يبين أن وتيرة التضخم ازدادت في جميع مجموعات السلع الأساسية.
وبحسب التقرير بلغ التضخم السنوي 49.4 في المئة، مما يعني أن الأسر الإيرانية دفعت نحو 50 في المئة أكثر لشراء السلع والخدمات نفسها مقارنة بنوفمبر من العام الماضي، وعلى رغم تكرار مسؤولي حكومة الرئيس بزشكيان ادعاءات السيطرة على التضخم واستقرار الأسعار، تكشف البيانات الرسمية أن أشد الضغوط المعيشية ظهرت تحديداً في المجالات التي تستحوذ على الجزء الأكبر من سلة الاستهلاك، مثل المواد الغذائية والفاكهة والمكسرات والخبز والحبوب والخضراوات، وهي سلع يرتبط أثرها اليومي بصورة مباشرة بمائدة الإيرانيين.
ووفقاً لتقرير مركز الإحصاء، بلغ التضخم السنوي للمواد الغذائية 66.2 في المئة، في حين تصدرت الفاكهة والمكسرات ارتفاع الأسعار بتضخم بلغ 108.3 في المئة، مما يعني أن أسعار هذه المجموعة من السلع تضاعفت خلال عام واحد.
وعلى مستوى التضخم الشهري، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 4.7 في المئة خلال شهر واحد، متجاوزة متوسط الزيادة في مختلف السلع والخدمات، وسجلت الخضراوات والبقوليات أعلى نسبة ارتفاع شهري بواقع 7.8 في المئة، تلتها الفاكهة والمكسرات بـ6.7 في المئة، ثم الخبز والحبوب بـ4.3 في المئة.
وتبين هذه الأرقام أن حتى السلع الغذائية الأساسية لم تسلم من موجة الغلاء الجديدة، وهي موجة تثقل كاهل الشرائح الأقل دخلاً أكثر من غيرها.
وأعلن مركز الإحصاء أن مؤشر أسعار المستهلك للأسر في عموم البلاد بلغ 417.5 نقطة، مسجلاً ارتفاعاً قدره 3.4 في المئة مقارنة بالشهر السابق، ويزيد هذا المؤشر بنسبة 49.4 في المئة عن مستواه في نوفمبر الماضي، فيما سجل خلال فترة الـ12 شهراً المنتهية في الشهر نفسه زيادة نسبتها 40.4 في المئة.
وتشير بيانات التقرير إلى أن وتيرة ارتفاع الأسعار عادت إلى التصاعد في الأشهر الأخيرة، إذ يعكس الارتفاع الشهري البالغ 3.4 في المئة عودة التضخم إلى مسار صاعد، وهي نسبة كان ينبغي أن تكون أقل بكثير في اقتصاد يتمتع بالاستقرار.
اتساع الفجوة التضخمية بين الشرائح الاجتماعية
بلغ معدل التضخم السنوي في نوفمبر الجاري 40.4 في المئة، بزيادة 1.5 نقطة مئوية مقارنة بالشهر السابق، ويعد الارتفاع المتجدد في التضخم السنوي مؤشراً مقلقاً للأشهر المقبلة، إذ يوضح أن مسار تراجع التضخم الذي لوحظ خلال بعض الأشهر لم يكن مستقراً أو فعلياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتظهر البيانات المنشورة أن الشريحة الأولى، أي الفقراء، واجهت تضخماً بنسبة 41.7 في المئة، فيما سجلت الشريحة الـ10 (الأغنى) تضخماً قدره 39.5 في المئة، وارتفع الفارق البالغ 2.2 نقطة مئوية بين هاتين الشريحتين مقارنة بالشهر الماضي، مما يؤكد بوضوح أن الضغوط التضخمية على ذوي الدخل المحدود أكبر من غيرهم.
وتكتسب هذه المسألة أهميتها من حقيقة أن حصة المواد الغذائية في سلة إنفاق الشرائح الفقيرة أكبر بكثير، في وقت شهدت فيه هذه السلع أعلى معدلات ارتفاع في الأسعار فالزيادة التي تقترب من 50 في المئة في الأسعار خلال عام واحد، إلى جانب ارتفاع الفاكهة والمكسرات بنحو 108 في المئة أو تضخم المواد الغذائية بنسبة 66 في المئة، أصبحت جزءاً من التجربة اليومية لملايين الأسر الإيرانية التي تصطدم في كل مرة تشتري فيها حاجاتها الأساسية ببطاقات أسعار جديدة، فمن الخضراوات والبقوليات إلى الفاكهة والألبان والرز والزيت وحتى الخبز، يكاد لا يوجد أي من السلع الأساسية التي لم تشهد ارتفاعاً في الأسعار خلال نوفمبر الجاري.
وبالنسبة إلى كثير من الأسر أصبح شراء المنتجات البروتينية والفاكهة خياراً شهرياً وليس أسبوعياً منذ مدة طويلة، وتوضح قفزات الأسعار أن حتى تأمين المواد الغذائية الأساسية بات تحدياً حقيقياً، وفي هذه الظروف تضطر الأسر ذات الدخل المحدود إلى تقليص أو حذف كثير من السلع من سلتها الغذائية، وهو ما قد يخلف آثاراً واسعة على الصحة والرفاه الاجتماعي.
آفاق قاتمة
في وقت يقدم فيه التقرير الرسمي الصادر عن مركز الإحصاء صورة مقلقة عن مسار الأسعار، لا تلوح أي مؤشرات إلى تباطؤ حقيقي في التضخم، فعودة التضخم السنوي إلى الارتفاع وتسارع التضخم الشهري والقفزات الكبيرة في أسعار السلع الأساسية، جميعها تؤكد أن سياسات الحكومة الإيرانية في كبح الأسعار إما بلا جدوى أو عاجزة أساساً عن معالجة جذور الأزمة.
وتزداد المخاوف مع الأخذ في الاعتبار أن حكومة الرئيس مسعود بزشكيان تمضي، من جهة، في رفع أسعار الطاقة بما فيها البنزين والكهرباء والغاز، وهو ما يمهد لموجة جديدة من الغلاء. ومن جهة أخرى تفتقر إلى برامج فعالة لحماية الفئات الأكثر هشاشة، والوعد الذي كرره الرئيس بزشكيان في مناظراته الانتخابية في شأن عدم رفع سعر البنزين سقط عملياً، بعدما وصل سعر البنزين الحر إلى 5 آلاف تومان (0.12 دولار) لليتر، في خطوة يتوقع أن تؤدي إلى موجة جديدة من ارتفاع الأسعار، خصوصاً في قطاعات النقل والمواد الغذائية.
وفي سياق متصل ذكر موقع "تجارت نيوز" الإيراني في تقرير حديث أن سعر سبيكة الذهب من نوع "بهار آزادي" شهد خلال 46 عاماً حتى اليوم، ارتفاعاً بنحو 8 ملايين في المئة، فبعدما طرحت السبيكة في عام 1980 بسعر لا يتجاوز ألفاً وثلاثمئة تومان (0.03 دولار)، تجاوز سعرها اليوم 112 مليوناً وخمسمئة ألف تومان (2670 دولار)، في زيادة تفوق ثمانية ملايين وستمئة ألف في المئة.