ملخص
الانتقال من استهداف عسكريين بحت إلى استهداف مدنيين منتمين، ولو بغطاء توصيف الدعم العملياتي، ممكن ومُغرٍ تكتيكياً لإسرائيل، لكنه باهظ استراتيجياً، ويسيس الحرب أخلاقياً ضدها، ويعزز تماسك خصمها، ويقرب المنطقة من حرب أشمل يصعب ضبطها. في المقابل، أي لجوء منهجي لاستهداف المدنيين سيقوي حجج المطالبين بمحاسبة دولية ويضعف فرص أي هندسة أمنية دائمة على الحدود.
إبان تراجع عملياتها الكبرى داخل غزة، أو بعد إعلان إسرائيل عن تحول مرحلي في تكتيكها نحو تهدئة نسبية وفتح مسارات تفاوضية ستجد المؤسسة الأمنية الإسرائيلية دافعاً قوياً لتحويل أنظارها إلى جبهة ثانية على حدود مختلفة ربما، أي "حزب الله" في لبنان. هذا الانتقال لا يفهم كخطة عسكرية معزولة فحسب، بل كاستراتيجية سياسية تهدف إلى استنزاف قدرة الخصم على التحرك، وإضعاف حاضنته الاجتماعية، وفرض كلفة على لبنان الداخلي، للضغط على قادته للتراجع أو القبول بمرتكزات أمنية جديدة.
وكانت خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الخاصة بغزة دخلت مرحلة التنفيذ العملي، فجر السبت الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.
وبعد اجتماع خاص لكبار الضباط في الجيش الإسرائيلي، أعلن رئيس الأركان العامة إيال زامير، عبر منصة "تيليغرام" أن أوامر قد صدرت، وفقاً لتعليمات الحكومة بالاستعداد "لتنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترمب لتحرير الرهائن". وأضاف أن "سلامة جنود قوات الدفاع الإسرائيلية أولوية قصوى"، مؤكداً أن "قدرات الجيش ستخصص لقيادة المنطقة الجنوبية (منطقة غزة) لضمان حماية القوات".
وبذلك يكون الجيش الإسرائيلي قد انتقل فعلياً من وضعية هجومية إلى وضعية دفاعية، وهو الموقف الذي دعا إليه ترمب صراحة مساء الجمعة، بعدما أعلنت حركة "حماس" استعدادها للإفراج عن 48 رهينة متبقين، يعتقد أن 20 منهم لا يزالون على قيد الحياة، والدخول في مفاوضات عبر وسطاء مصريين وقطريين وأتراك. وقال الرئيس الأميركي "على إسرائيل أن توقف فوراً قصف غزة حتى نتمكن من إخراج الرهائن بأمان وسرعة. الوضع خطر للغاية حالياً للقيام بذلك. نحن بالفعل في نقاشات حول تفاصيل سيتم التوصل إليها".
وجاء حديث ترمب عقب إصدار "حماس" بياناً أكدت فيه موافقتها على الإفراج عن جميع الأسرى أحياءً وجثامين. وأكد أن الأمر "لا يتعلق بغزة فحسب، بل بالسلام الذي طال انتظاره في الشرق الأوسط".
تحول في الاستهدافات الإسرائيلية داخل لبنان
في السياق قالت وزارة الصحة اللبنانية في الـ21 من سبتمبر (أيلول) الماضي إن غارة نفذتها طائرة مسيرة إسرائيلية أسفرت عن مقتل خمسة أشخاص من عائلة واحدة، بينهم ثلاثة أطفال، في بلدة بنت جبيل جنوب لبنان. ووفقاً لتقارير محلية، استهدفت الغارة دراجة نارية كانت تسير قرب سيارة العائلة، فأصاب أحد الصواريخ السيارة مباشرة، مما أدى إلى مقتل الأب صبحي شرارة وثلاثة من أطفاله على الفور، كما أصيبت الأم أماني بزي، وابنتها الكبرى بجروح خطرة.
أيضاً استهدفت غارة إسرائيلية، أوائل أكتوبر الجاري، سيارة مدنية على طريق الجرمق - الخردلي (جنوب) أدت إلى مقتل مهندسين. وكان المهندسان وفي إطار عملهما لكشف الأضرار الناجمة عن الغارات السابقة لمصلحة شركة "معمار"، وهي شركة تخضع للعقوبات الأميركية منذ عام 2020، بحجة أنها تتبع لـ"حزب الله".
التغير في أنواع الأهداف المعلن عنها من قبل الجيش الإسرائيلي، وارتفاع عدد الضحايا المدنيين من بين المنتمين للحزب أو الذين يعملون ضمن مؤسساته، أو مؤسسات قريبة منه، دفع بعض المراقبين للمقارنة بين ما حصل مع "حماس" بعد انتهاء العمليات العسكرية، أو الاغتيالات التي استهدفت كوادر الحركة العسكريين والسياسيين، والانتقال إلى استهداف مدنيين من صحافيين أو أطباء وغيرهم.
ويظهر السلوك الإسرائيلي الميداني، وطوال سنتي القتال في غزة، أن إسرائيل لم تتقيد دوماً بالحدود الفاصلة بين مقاتلين ومدنيين. ووفقاً لتقارير أممية ومحلية رصدت ضربات مستشفيات ومواقع عمل صحافيين ومرافق مدنية بكثافة أدت إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، ودفعت مؤسسات حقوقية ودولية إلى الحديث عن انتهاكات خطرة ومخاوف متكررة في شأن التزام مبادئ التمييز والتناسب. هذا السجل يخلق أرضية منطقية للتوقع بأن التكتيكات المماثلة قد تطبق، أو تجرب، على أرض لبنان إذا ما قررت إسرائيل توسيع دائرة التأثير ضد شبكة دعم "حزب الله".
وكان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك أكد أن الغارات الإسرائيلية على لبنان أسفرت عن مقتل أكثر من 100 مدني خلال 10 أشهر. وطالب تورك بجهود متجددة لإنهاء الأعمال العدائية، بصورة دائمة، في لبنان بعد الحرب التي استمرت 14 شهراً بين إسرائيل و"حزب الله". وأشار إلى أن مكتبه تحقق من مقتل 103 مدنيين منذ وقف إطلاق النار حتى نهاية سبتمبر، مؤكداً عدم تسجيل أي قتلى من جراء إطلاق صواريخ من لبنان تجاه إسرائيل خلال الفترة نفسها.
الميول الإسرائيلية للتعامل مع "البيئة الحاضنة" كهدف مشروع تزداد
إذاً، وقوع نسخة مكررة من مشهد غزة في بيروت أو الجنوب، ليست حتمية، ولكن ما يحسم المشهد هو ديناميكية القرار. فعندما يصبح الهدف السياسي تقويض الحاضنة الشعبية وفرض تغيير في السلوك السياسي أو العسكري، فإن الميول للتعامل مع "البيئة الحاضنة" كهدف مشروع تزداد، بخاصة إذا رافق ذلك خطاب يوسع تعريف المشاركة المباشرة للدور المدني، مثل شبكات التموين، والإعلام المحلي، أو مؤسسات خيرية متهمة بدعم لوجيستي. هنا ستكون النتيجة العملية تصاعداً في الأخطار على المدنيين، وزيادة موجات النزوح الداخلي، وضربات ثقة متجددة بين مكونات الدولة اللبنانية والمجتمع الدولي، وربما سيرافق ذلك خطاب رسمي أو استخباراتي إسرائيلي يصف مرافق مدنية بأنها "دعم عملياتي"، ومراقبة هذه المؤشرات ستكون مفتاحاً لفهم ما إذا كان الأمر موقتاً تكتيكياً أم بداية لنمط تصعيدي أوسع. ولكن هنا، لا يجوز فصل هذا السيناريو عن البعد القانوني والدبلوماسي، فتكرار نمط استهداف مرافق مدنية، كما رصد في غزة، سيزرع "ألغاماً قانونية" أمام إسرائيل، ويمنح صفحات تحقيق ومناشدات لمساءلة دولية جديدة، لكنه، في الوقت نفسه سيعقد أي محاولة لإعادة هندسة أمنية دائمة على الحدود الشمالية ويزيد أخطار انزلاق الصراع إلى مواجهة أوسع إقليمياً. علماً أنه، وفقاً لصحافي يعمل في مؤسسات تتبع لـ"حزب الله" يقول "لا يمكن فصل بيئة الحزب عن الحزب نفسه، الجميع يعتبرون أنفسهم من الحزب ومخولين بالدفاع عنه، وليس فقط عبر السلاح، بل عبر أي وسيلة يمتلكونها". من هنا يصبح الفصل بين المدني والحزبي معقدة جداً، وستدخل بيئة الحزب الحاضنة في عملية استهدافات وأخطار جمة.
التمييز القانوني والعملي
في القانون الدولي الإنساني، المعيار الفاصل هو الوظيفة القتالية المستمرة. ويعتبر المقاتل هدفاً مشروعاً، أما المدني غير المنتظم مباشرة فمحمي. وتظهر مناطق الظل عند العاملين في "الأجنحة المدنية"، أي اللوجيستيات، والكوادر الاجتماعية والبلدية والإعلامية المرتبطة بالحزب. وبهذا يكون سؤال المرحلة، هل يتم توسيع تعريف المشاركة المباشرة في الأعمال العدائية ليشمل داعمين ومحيطاً اجتماعياً بالحزب؟ هذا هو جوهر التحول الذي يخشاه كثر.
ومن مؤشرات الانتقال المحتمل، هو التغير في نمط الأهداف، أي الانتقال من استهداف قادة عسكريين وميدانيين، إلى بنى خدماتية، ومكاتب بلدية، وربما مستشفيات، عبر اختيار شخصيات غير عسكرية، لكنها حزبية، مع التبرير أنها "بنى دعم عملياتي". أيضاً التغير في لغة الخطاب، وارتفاع استخدام مصطلحات من نوع "البيئة الحاضنة"، و"البنى التحتية الإرهابية المدنية"، يشي بنزعة توسيع بنك الأهداف. وقد تعمد إسرائيل إلى تنفيذ ذلك عبر تكثيف الاغتيالات الدقيقة داخل عمق سكني، أو ضرب مقار ومجمعات تقدم كمدنية - عسكرية مزدوجة الاستخدام. وعلى رغم سريان اتفاق وقف إطلاق منذ الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2024، لا تزال إسرائيل تشن غارات على مناطق عدة في جنوب لبنان وشرقه، أي منطقة البقاع تحديداً، وتقول إنها تستهدف عناصر ومنشآت للحزب، وإنها لن تسمح له بإعادة بناء قدراته بعد الحرب، وتشدد على أن الحزب يحتفظ بمخازن أسلحته وذخائر دقيقة في عمق مدني، من هنا قد يكون التحول قيد التبلور وليس مجرد حوادث معزولة.
في السياق قال مصدر أمني إسرائيلي إن "حزب الله" يحاول ترميم نفسه، مشدداً على ضرورة "اليقظة" كون الوضع العسكري للحزب "غير محسوم بعد"، لافتاً إلى أن إمكان القيام بعملية برية أوسع في لبنان قائمة إذا تطلب الأمر، وأضاف "سنتدخل مجدداً في لبنان إذا لم تتخذ خطوات عملية ضد سلاح (حزب الله)". ورأى المصدر الأمني الإسرائيلي أن "(حزب الله) ليست لديه قدرة عسكرية إذا دخلت إسرائيل في صراع مع إيران" لمساندتها. بدوره أشار المتحدث العسكري باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي إلى أنه "منذ التوصل إلى وقف إطلاق النار يواصل الجيش جهوده لضمان ألا يتمكن (حزب الله) من العودة لتهديد مواطني الشمال وإعادة ترسانته".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"تنظيف قاع البرميل"
أشار أحد المتخصصين بالشأن الإسرائيلي إلى أن السياسة الإسرائيلية تعتمد على ما سماه "تنظيف قاع البرميل"، وشرح "أنه عندما يكون البرميل ممتلئاً، تبدأ من الرأس، أي قادة الصف الأول ومن ثم تنتقل إلى الصف الثاني، وهكذا دواليك، حتى تصل إلى قاع البرميل، وهي بهذا تحرص على أن تغرف ما تبقى كي لا يعود ويمتلئ، أي لن يكون باستطاعة أي منظمة أو فصيل مسلح تشكيل تهديد على أمنها، مثال ما حصل مع حماس، وما يحصل مع حزب الله". وتابع "إسرائيل ترسل رسائل في الاتجاهات كافة، بمعنى أنها تحرص على إظهار أن كل الجبهات على أتم جهوزية، من غزة إلى الجنوبين اللبناني والسوري"، مردفاً أن إسرائيل تطبق سياسة "جز العشب".
وفي دراسة لـ"السياسة الدولية"، وهي دورية تصدر عن "مؤسسة الأهرام"، تفيد بأن "إسرائيل قد طورت استراتيجيتها بناءً على الدروس المستفادة من حرب يوليو (تموز) عام 2006، حيث ركزت، بالأساس، على استخدام الطائرات المسيرة، وأنظمة الأسلحة المتطورة لضرب أهداف محددة بدقة عالية، مع استهداف البنية التحتية العسكرية لـ(حماس) و(حزب الله)، فضلاً عن إتباع بعض أدوات الحرب النفسية لاستنزاف معنويات الخصم من خلال إظهار القوة العسكرية والتفوق التكنولوجي، وكذلك استخدام تقنيات متقدمة للتجسس والتشويش لتقليل المعلومات المتاحة للخصم، إضافة إلى ضرب منظومة القيادة والسيطرة، وهو ما اتضح في تدمير شبكات الاتصالات واستهداف القيادات العليا لحزب الله".
وتابع الدراسة "تتمثل الاستراتيجية الكبرى لإسرائيل في ما يعرف باسم جز العشب، والتي تعكس إدراكاً عميقاً للأخطار المرتبطة بإسقاط الجماعات المسلحة، مثل (حماس) و(حزب الله) بصورة كاملة، فوفقاً لتلك الاستراتيجية تقبل إسرائيل بواقع عدم القدرة على القضاء على هذه الجماعات بصورة نهائية، لذا تعتمد على استهداف قادة تلك الجماعات بصورة دورية لمنع تصاعد العنف، مع استخدام القوة الكافية لردع هذه الجماعات من دون إطاحة النظام القائم بالكامل، ومع ذلك تواجه إسرائيل معضلة استراتيجية في كيفية استخدام القوة بصورة فعالة من دون التسبب في عواقب غير مرغوب فيها. واتبعت إسرائيل تلك الاستراتيجية لإدراكها أنه لا يمكنها إسقاط (حماس) من دون المخاطرة باحتمال بزوغ منظمة أكثر تطرفاً لحكم غزة، فضلاً عن عدم رغبة إسرائيل تولي مسؤولية حكم غزة في ظل فراغ السلطة في مرحلة ما بعد الصراع".
ما معنى "جز العشب"؟
المفهوم أصلاً إسرائيلي، ويعني شن ضربات عسكرية متكررة ومحدودة لإضعاف قدرات الخصم من دون السعي إلى حسم كامل أو إسقاطه. والهدف هو إبقاء التهديد تحت السيطرة عبر "قصه أو تشذيبه" كل فترة، ويأمل أولئك الذين يستخدمون هذه الاستراتيجية أن يؤدي الإنجاز المتكرر لهذه الأهداف المحدودة، بمرور الوقت، إلى استنزاف دوافع مقاتلي العدو لإيذاء إسرائيل، وفي نهاية المطاف يؤدي إلى تلاشي الحركة واختفائها.
لكن قد تكون هناك حدود لتطبيق هذه السياسة على "حزب الله"، بالطريقة نفسها التي تطبق في غزة، لأن أي عملية واسعة قد تشعل حرباً إقليمية شاملة. لذلك يمارس المفهوم بأسلوب جز موضعي، عبر ضربات دقيقة تستهدف مخازن أسلحة، وقيادات وسطى، وأخيراً عناصر أو أفراد لم تتوضح المعلومات حول طبيعة علاقتهم بالحزب، ومواقع تطوير صواريخ دقيقة، كما أن الحزب، وعلى رغم الضربات التي تلقاها، يبدو أنه ما زال يمتلك قدرات نوعية أكبر بكثير من "حماس"، مما يجعل كل عملية "جز" محفوفة بالأخطار، لذا نرى أن إسرائيل تحاول الموازنة بين إيصال رسالة ردع وتجنب الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة.
وما يجري منذ سنوات بين الحزب وإسرائيل، وتفاقم بعد السابع من أكتوبر عام 2023، هو أقرب إلى جز تدريجي مستمر، يستهدف ليس فقط البنية العسكرية، بل أيضاً خطوط الإمداد المدنية والاقتصادية التي تتهم بدعم الحزب، والفارق الأساس مع غزة أنه هناك يتم "جز العشب" بصورة دورية كل بضع سنوات، عبر حروب قصيرة، أما في لبنان فإن "الجز" أشبه بعمليات استنزاف طويلة الأمد، من دون حرب معلنة، مع استخدام الحرب النفسية، والدبلوماسية، والاغتيالات النوعية إلى جانب الضربات الجوية.
ما الدوافع الإسرائيلية المحتملة؟
قد تكون السياسة الإسرائيلية تهدف إلى الإضاءة على الكلفة المجتمعية، وإيصال رسالة أن استمرار عمليات الحزب أو محاولة ترميم قدراته العسكرية، سيحمل قاعدته الاجتماعية كلفة ملموسة. وتعمد إلى تفكيك الشبكات اللوجيستية، أي تصوير أن الخدمات والتمويل والنقل كجزء من سلسلة القتال، مما سيدفع شرائح لبنانية عديدة للضغط على الحزب للتهدئة، أو لتسليم السلاح. ولكن لهذه الاستراتيجية كوابح وأخطار، قانونياً أن خرق مبدأي التمييز والتناسب يفتح باب المساءلة ويستجلب ضغطاً دولياً، ويضعف حجج "الدفاع المشروع"، وعملياً قد يكون لها ارتداد معاكس داخل البيئة الشيعية، وتعزيز شرعية الحزب كحامٍ للمجتمع، أما استراتيجياً فإن توسيع الاستهداف المدني يسرع مسار حرب أوسع متعددة الجبهات، ويزيد احتمال انخراط أطراف إقليمية، ودبلوماسياً يصبح من الصعب فرض أي صيغة أو ممرات ومناطق عازلة، لأن ضرب المدنيين ينسف حواضن أي تسوية.
كيف سيرد "حزب الله"؟
أولاً يُشار إلى أن هذه الاستراتيجية، أي استهداف المدنيين، ستعمل على استقطاب الداخل، وترفع منسوب خطاب الثأر وتضرب إمكان أي إجماع وطني على "قواعد اشتباك" جديدة. وتكتيكياً قد يعمد الحزب على زيادة محسوبة في الرشقات، أي توسيع المدى والدقة، وضرب أهداف بنية تحتية حساسة داخل إسرائيل، كهرباء أو شبكات اتصال، مع محاولة البقاء من دون عتبة الحرب الشاملة، كما إلى تفكيك التجمعات، واعتماد شبكات أصغر لا مركزية، لتقليل العائد العملياتي من ضرب المحيط المدني، وإعلامياً قد يعمد الحزب إلى تكثيف رواية أن الأهداف مدنية عبر توثيق الخسائر لتثبيت كلفة أخلاقية على إسرائيل.
في المحصلة، الانتقال من استهداف عسكريين بحت إلى استهداف مدنيين منتمين، ولو بغطاء توصيف الدعم العملياتي، ممكن ومُغرٍ تكتيكياً لإسرائيل، لكنه باهظ استراتيجياً، ويسيس الحرب أخلاقياً ضدها، ويعزز تماسك خصمها، ويقرب المنطقة من حرب أشمل يصعب ضبطها. في المقابل، أي لجوء منهجي لاستهداف المدنيين سيقوي حجج المطالبين بمحاسبة دولية ويضعف فرص أي هندسة أمنية دائمة على الحدود.