ملخص
بريطانيا تواجه حرباً غير تقليدية تقودها دول مثل روسيا عبر هجمات سيبرانية وتخريبية داخل حدود الناتو، مما يستدعي منها إعادة صياغة استراتيجيات الدفاع والصمود، وتعزيز قدرات الجيش والاحتياط، والاستثمار الفوري في الأمن الداخلي والتقنيات الحديثة لمواكبة طبيعة الصراع المتغير.
قالت الرئيسة السابقة لجهاز الاستخبارات البريطاني "أم أي 5" MI5 إليزا مانينغهام بولر، والمعروفة بصراحتها وبلاغتها، والتي تعد من أبرز العقول الاستخباراتية في عصرنا، إن بريطانيا باتت في حال حرب، بمعناها المعاصر الجديد.
وفي حديثها لصحيفة "الغارديان" أوضحت مانينغهام بولر أن الوضع تغير منذ غزو روسيا لأوكرانيا قبل ثلاثة أعوام ونصف العام. وأضافت أن روسيا منخرطة الآن في أنشطة معادية للمملكة المتحدة، مثل "التخريب وجمع المعلومات الاستخباراتية واستهداف الأشخاص، وما إلى ذلك".
وأيدت وجهة نظر الخبيرة في الشؤون الروسية والأمنية في معهد بروكينغز بواشنطن فيونا هيل، والمشاركة في تأليف تقرير مراجعة الدفاع الاستراتيجي الصادر هذا الصيف. وقالت هيل وزميلها المؤلف جورج روبرتسون بصراحة، عند إطلاق ذلك التقرير، إن المملكة المتحدة منخرطة الآن في صورة حديثة جداً من صور الصراع، وهو ما أكده روبرتسون لي خلال إحاطته الإعلامية بقوله "نعم، نحن في حال حرب".
وخلال الأسبوع الماضي، أيدت رئيسة وزراء الدنمارك ميته فريدريكسن هذا الرأي، وكذلك المستشار الألماني فريدريش ميرتس – وإن كان بحذر أكبر – إذ امتنع عن القول إننا في حال حرب، لكنه صرح بأن "نحن لسنا في حال سلام".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لأعوام، حذر المحللون الاستراتيجيون من صور التهديد الجديدة. قبل 10 أعوام، ترأس البروفيسور جيمس جو من كلية كينغز لندن مجموعة عمل حول "الحروب غير الواضحة"، والتي توقعت بوضوح تهديدات مثل الهجمات السيبرانية، والأسلحة الذاتية الجديدة، والفيروسات الجديدة، وحتى التلاعب الجيني الذي قد يستخدم في العمليات السرية. وكان ذلك قبل ظهور نوفيتشوك في سالزبيري خلال مارس (آذار) 2018 [في إشارة إلى محاولة القتل التي قامت بها روسيا ضد سيرغي ويوليا سكريبال].
سعت الحكومة إلى التهوين من حجم التهديد، لكن الأدلة على تنوع المفاهيم والأساليب الجديدة للهجوم تتزايد باستمرار. فقد شهدنا توغلات متكررة لسفن مراقبة روسية تستهدف خطوط الاتصالات ومراكز الطاقة، وتوغلات الطائرات المسيرة في بولندا ورومانيا، وتحليق طائرات ميغ 31 الروسية فوق إستونيا، وأياماً من الاضطراب في مطارات الدنمارك والنرويج وبلجيكا، فضلاً عن هجوم إلكتروني على مطار هيثرو.
ورصدت قيادة العمليات الإلكترونية والمتخصصة الجديدة وقوع 90 ألف هجوم إلكتروني داخل المملكة المتحدة خلال أقل من عامين. ويتوخى القادة الحذر في إلقاء اللوم على روسيا، لكنهم يعترفون بأن معظم الأنشطة الخطرة يمكن نسبها إلى روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية، وهو تحالف جديد غير رسمي يعرف بالأحرف الأولى للدول، أي "كرينكس" CRINKs.
ويزعم أن معظم هذه الأنشطة إجرامية بحتة. لكن خبراء الإنترنت البريطانيين في القيادة الجديدة داخل المقر الرئيس للاتصالات الحكومية، الذي تتشاركه المملكة المتحدة مع الولايات المتحدة في تشيلتنهام، يعتقدون أن الجهات الحكومية الروسية تتعاون مع جهات وشبكات إجرامية وتستفيد منها. ومن بين الأهداف البارزة التي استهدفت هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا، بما في ذلك عيادات الأطفال حديثي الولادة، إلى جانب متاجر "ماركس أند سبنسر"، و"هارودز"، والآن "جاكوار لاند روفر"، التي خسرت ملايين الجنيهات بسبب توقف الإنتاج.
والآن، أصبحت الدنمارك هدفاً لأنها كانت في طليعة الدول التي زودت أوكرانيا وساعدتها في تطوير خبرتها ضمن مجال الطائرات المسيرة والصواريخ الأرضية، ولا سيما صاروخ "فلامنغو" الجديد الذي يبلغ مداه 3000 كيلومتر.
وبات لزاماً على بريطانيا إعادة النظر في نهجها الدفاعي وأساليب المواجهة، في الداخل كما في الخارج. فالتهديد موجود الآن وليس بعد خمسة أعوام، كما أشارت مراجعة الدفاع. وهناك حاجة إلى مواجهة العدو والأطراف المخربة التي تعمل في الداخل، بدلاً من التركيز على العدو خارج الحدود. لقد تجاهلت المراجعة بصورة مخجلة تقريباً الجيش واحتياطاته – التي تعاني نقص التمويل، كما أفادت لجنة الحسابات العامة حديثاً – وكلاهما ضروريان لتعزيز الصمود، خلال أوقات الحرب والسلم.
إن الشعور بالإلحاح مدفوع بالثورة الهائلة في مفاهيم الحرب البرية وتكتيكاتها التي تشهدها حالياً ساحات القتال داخل أوكرانيا، والتي تهيمن عليها الطائرات المسيرة والإنترنت والذكاء الاصطناعي. ويبدو أننا لسنا مستعدين للابتكار والتكيف بالسرعة التي تقترحها مانينغهام بولر وهيل.
ويعتمد جزء كبير من التخطيط الدفاعي وأساليب المواجهة في المملكة المتحدة على تأجيل التمويل والاستثمار إلى الغد. ومن الناحية الدفاعية، فإن الوعد بالغد المشرق قد يتحول إلى خسارة استراتيجية اليوم.
© The Independent