Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تغير موقف ترمب تجاه روسيا بين اليأس وتكتيك التفاوض

الفترة الأخيرة شهدت تحولات في العلاقة بين الرئيس الأميركي وفلاديمير بوتين بسبب وعود إنهاء الحرب في أوكرانيا التي لم تتحقق

الرئيس الأميركي دونالد ترمب وصف روسيا أخيراً بأنها نمر من ورق (أ ف ب)

ملخص

إذا كان بعض يرى أن هذا التحول مفاجئ، فإن دعم ترمب إسقاط الدول الأوروبية للطائرات الحربية الروسية إذا انتهكت المجال الجوي لحلف "الناتو"، يحمل إشارة إضافية إلى التهديد الذي يحاول الرئيس الأميركي إيصاله إلى موسكو عبر مقارنة اختراق طائرات "ميغ" الروسية لأراضي حلفاء "الناتو" بتهديد طائرات "ميغ" الكوبية إذا دخلت المجال الجوي الأميركي.

في تحول مفاجئ عن مواقفه السابقة، وصف الرئيس الأميركي دونالد ترمب روسيا بأنها نمر من ورق، وتواجه ورطة اقتصادية كبيرة وتخوض حرباً بلا هدف منذ ثلاثة أعوام ونصف العام، كان من المفترض أن تستغرق قوة عسكرية حقيقية أقل من أسبوع لكسبها، ولهذا يعتقد أن أوكرانيا في وضع يسمح لها بالقتال واستعادة كامل أراضيها، فهل كان تحول موقف ترمب تكتيكاً تفاوضياً أم تعبيراً عن إحباطه من الرئيس الروسي؟ أم لرغبته في أن يتملص من هذه الحرب برمتها بعدما تعهد بإنهائها خلال يوم واحد؟

إحباط كبير

بعد يوم واحد من مفاجأة الرئيس ترمب صناع القرار والخبراء حول العالم وإسعاده القادة الأوكرانيين بتبنيه طموحاتهم في هزيمة ساحقة لروسيا، فسر مسؤولون داخل البيت الأبيض تحول الرئيس الواضح لمصلحة استعادة أوكرانيا كامل أراضيها على أنه دليل واضح على إحباطه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد شهر من قمة رسمية جمعتهما في ولاية ألاسكا من دون أن تسفر عن نتيجة تُذكر، فقد اعتقد الرئيس الأميركي أن الاستقبال الحافل لبوتين وبسط السجادة الحمراء له مع تحليق طائرات عسكرية وقاذفات استراتيجية في سماء القاعدة العسكرية التي استقبلته تكريماً لتشريفه، ثم استبعاد ترمب موسكو من الرسوم الجمركية المفروضة على معظم دول العالم، سيحدث أثراً في الرئيس الروسي يجعله يقدم قدراً من التنازلات يمكن أن تدفع بعملية سلمية تفضي إلى انفراج في الوقف المتأزم بما يمهد الطريق لإنهاء الحرب.

لكن رفض بوتين وقف إطلاق النار كخطوة أولى تمهد لانطلاق محادثات السلام، وما تلا ذلك من استمرار قصف المدن الأوكرانية وقتل المدنيين وغياب الرغبة الحقيقية في السلام، جعل ترمب يشعر بإحباط شديد من بوتين دفعه إلى توجيه رسالة قوية للغاية مفادها أنه إذا كنت لا تريد السلام فليستمر القتال، وسنواصل بيع الأسلحة لحلف "الناتو" ومن ثم إلى أوكرانيا التي لا تزال قادرة على الدفاع عن نفسها منذ ما يقارب أربعة أعوام، بحسب ما قال مسؤول في البيت الأبيض لصحيفة "واشنطن بوست".

وإذا كان بعض يرى أن هذا التحول مفاجئ، فإن دعم ترمب إسقاط الدول الأوروبية للطائرات الحربية الروسية إذا انتهكت المجال الجوي لحلف "الناتو" يحمل إشارة إضافية إلى التهديد الذي يحاول الرئيس الأميركي إيصاله إلى موسكو، عبر مقارنة اختراق طائرات "ميغ" الروسية لأراضي حلفاء "الناتو" بتهديد طائرات "ميغ" الكوبية إذا دخلت المجال الجوي الأميركي.

تغيير قواعد اللعبة

ولهذا، بدا أن ترمب لم يسأم فقط من إصرار بوتين على قصف أوكرانيا وعدم اهتمامه بالسلام، بل هو مستعد لتصعيد الإجراءات الرامية إلى دفع روسيا للانسحاب، وفقاً لما صرح به السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام المقرب من ترمب، والذي وصف منشور ترمب على "تروث سوشال" وخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنهما غيرا قواعد اللعبة، على اعتبار أنه إذا كان هناك اعتقاد في موسكو بأن ترمب في صفهم، فقد أوضح الرئيس أن أوكرانيا ستحصل على كل ما تحتاج إليه.

وتستند هذه الرؤية إلى أن ترمب الذي أخبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال فبراير (شباط) الماضي أنه لا يملك الأوراق الضرورية التي من شأنها أن تعزز موقفه في مفاوضات السلام وأن بلاده في ورطة كبيرة، لدرجة أن أوكرانيا ستحتاج إلى التخلي عن أراضٍ لإنهاء الحرب، أصبح الآن يرى أن روسيا هي التي تواجه ورطة اقتصادية كبيرة، وأن فشلها في قهر جارتها الأصغر بسرعة كشف أنها نمر من ورق، تخوض حرباً بلا هدف منذ ثلاثة أعوام ونصف العام، في حين كان من المفترض أن تستغرق قوة عسكرية حقيقية أقل من أسبوع لكسبها، بينما أوكرانيا المدعومة من الاتحاد الأوروبي، هي الآن في وضع يسمح لها بالقتال واستعادة كامل أراضيها.

تكتيك تفاوضي

غير أن خطاب الرئيس ترمب الغاضب تجاه روسيا يصنفه مسؤولون في البيت الأبيض على أنه "تكتيك تفاوضي" يهدف إلى الضغط على الكرملين من خلال ممارسة أقصى قدر من الضغط الشعبي على روسيا لإجبارها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب، لأن كل ما يفعله الرئيس ينطلق من منظور كيف يمكن إبرام صفقة، ومن ثم قد يكون من الخطأ التقليل من أهمية تصريح ترمب، فالرئيس الذي طالما دعا إلى علاقات أكثر دفئاً بين واشنطن وموسكو، يقلل الآن علناً من شأن الآلة العسكرية الروسية ويشيع قدرة أوكرانيا على النصر مما يشكل ضغطاً على الشارع في روسيا.

 

 

وأن ذلك الخطاب يشجع الأوكرانيين على الصمود ويرفع الروح المعنوية بدرجة كبيرة لدى خصوم روسيا في شرق أوروبا تحديداً ودول الاتحاد السوفياتي السابق إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، وما يدل على ذلك تصريح رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الإستوني ماركو ميكلسون الذي يرى أنها المرة الأولى التي يقول فيها رئيس الولايات المتحدة إن أوكرانيا يجب أن تفوز في الحرب، وهذا النصر يعني تحرير الأراضي المحتلة، وعد مسؤول غربي آخر تعد بلاده عضواً في ما يسمى تحالف الراغبين الداعم لأوكرانيا، أن تصريحات ترمب تؤكد أن روسيا أضعف مما يظنه أحد، وأن العقوبات أضعفتهم.

ربما كان ترمب المنزعج من بوتين يضغط على الزعيم الروسي لتقديم تنازلات، لكن إذا كان الأمر كذلك فقد بدا الكرملين غير متأثر، إذ قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف باستخفاف إن الادعاء بأن أوكرانيا قادرة على استعادة شيء ما بالقتال ادعاء خاطئ، وأن روسيا ليست نمراً بأية حال من الأحوال، وإنما أقرب إلى دب وليس هناك ما يسمى دباً ورقياً.

وحتى لو لم يتخذ ترمب أي إجراء عملي يعزز به تصريحاته المذهلة، فإن تحوله الحاد والبارز سيتيح للجمهوريين من المدرسة التقليدية في واشنطن اتخاذ مواقف أكثر تأييداً لأوكرانيا، بعدما امتنع بعض المسؤولين الجمهوريين المؤيدين لترمب عن تقديم دعمهم الكامل لأوكرانيا لتجنب معارضة الرئيس، لكنهم الآن قد يكونون أكثر استعداداً للانخراط والدفع في شأن فرض عقوبات أكثر على روسيا، مما قد يسهم في إقناع موسكو بأن الدفة تتحرك في اتجاه معاكس داخل واشنطن.

تملص من الحرب

هناك أيضاً تفسير آخر وهو أن ترمب انتهى مما ثبت فشله في تسهيل التوصل إلى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا، وهو الآن يترك الأمر للمقاتلين والدول الأوروبية لحل الحرب بأفضل ما يمكنهم، إذ كتب في نهاية منشوره الساخن عن روسيا متمنياً حظاً سعيداً للجميع.

عبر منشور ترمب لم يلزم الولايات المتحدة باتخاذ إجراء صارم وواضح ضد روسيا، إذ لم يصرح بأنه سيفرض عقوبات ثانوية على الصين لدعمها الاقتصادي لروسيا مثلما فعل مع الهند، ولم يتعهد بفرض عقوبات جديدة على روسيا بل قال إن الولايات المتحدة ستواصل ما تقوم به بالفعل وهو بيع الأسلحة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي يزود أوكرانيا بها.

وكما تقول المديرة التنفيذية لمعهد ماكين للأبحاث إيفلين فاركاس، لم يكن هناك ما يشير إلى استعداد الرئيس لاتخاذ إجراءات لتعزيز موقف أوكرانيا، سواء بالضغط على روسيا أو بزيادة المساعدات العسكرية الأميركية لها، بالتالي لم يغير حديث ترمب أي شيء مما يفعله.

وفي إشارة أخرى إلى أن موقف إدارة ترمب لا يزال على حاله، لم تكن هناك أية إشارة إلى أن البيت الأبيض أبلغ حلفاءه أو أوكرانيا بتغيير السياسة الأميركية، ولا يتوقع حلفاء أميركا أن يؤدي تقييم ترمب الجديد إلى إجراءات ملموسة مثل تقديم حزمة أسلحة جديدة أو نوعية لأوكرانيا، وكأن الرسالة الموجهة إلى أوروبا بدت وكأنها الأمر متروك لكم، وهو ما أكده مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض في ولاية ترمب الأولى جون بولتون الذي أصبح ناقداً صريحاً للرئيس، إذ فهم تحول موقف ترمب على أنه محاولة للتراجع عن التورط في الحرب بالكامل، لأن ترمب لا يقول إن الولايات المتحدة تفعل أي شيء جديد أو مختلف عما تفعله الآن، أي بيع الأسلحة والذخيرة وغيرهما إلى أوروبا، بينما لو أراد التغيير حقاً كان سيفرض عقوبات على روسيا ويسلح أوكرانيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع ذلك، يشير الديمقراطيون الداعمون لكييف إلى أن سعي ترمب الجديد لتحقيق نصر ميداني، قد يكون ممكناً إذا أيد الرئيس تشريعاً من الحزبين لفرض عقوبات على روسيا وتزويد أوكرانيا بمزيد من الأسلحة، إذ يوضح كبير الديمقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب غريغوري ميكس أنه إذا لم يدعم ترمب التشريع، فسيكون ذلك مجرد كلام فارغ.

إضعاف دور أميركا

وإضافة إلى ذلك، يرى آخرون أن تذبذب موقف ترمب وتأرجحه بين وجهات نظر متطرفة إزاء الوضع من شأنه أن يضعف دور أميركا، إذ أكد تارة أن أوكرانيا لم تتمكن من الفوز لأن كييف لم تكن تملك أوراقاً، والآن يقول إنه يمكنها استعادة جميع أراضيها لأن روسيا مجرد نمر من ورق.

ويرى الرئيس التنفيذي لمركز الأمن الأميركي الجديد ريتشارد فونتين أن كلا الرأيين يقلل من دور أميركا في الحرب لأنه لا يقترح تغيير السياسة الأميركية، إذ لا توجد دعوة جديدة لوقف إطلاق النار أو اتفاق سلام، ولا عقوبات جديدة ولا دعم عسكري جديد لأوكرانيا، باستثناء الأسلحة التي يشتريها "الناتو" من الولايات المتحدة.

ولهذه الأسباب بدا حلفاء أميركا في الأمم المتحدة غير راضين، فقد أشار رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر خلال مؤتمر صحافي مع ترمب في بريطانيا قبل أسبوع إلى أن بوتين لم يستجب إلا للضغوط الشديدة التي قادتها الولايات المتحدة، فيما قال مسؤول بريطاني كبير إن اقتراح ترمب بالوقوف على الحياد لا يبدو أنه سيغير الوضع الراهن.

تقويض دعم أوكرانيا

وعلى رغم ترحيب السيناتور زعيم الغالبية الجمهورية السابق في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل بدعم الرئيس ترمب لأوكرانيا ووصفه روسيا بأنها المعتدي، فإنه طالب إدارته بالتصرف وفقاً لذلك، إذ استمر كبار مسؤولي وزارة الدفاع في إلقاء اللوم على حلفاء "الناتو" في استفزاز روسيا، أو تجميد أو تقييد المساعدات الأمنية لأوكرانيا، أو معارضة مزيد من الاستثمارات في التعاون الأمني ​​مع أوكرانيا وحلفاء "الناتو" الضعفاء، وإن لم يفعلوا ذلك فإنهم يقوضون جهود الرئيس ترمب لإنهاء الحرب، إذ لا ينبغي للقائد العام أن يتسامح مع مثل هذه السياسات المستقلة التي تضعف نفوذه وتقوض الاستثمارات في السلام من خلال القوة.

وأشارت المسؤولة الكبيرة السابقة في "البنتاغون" خلال إدارة بايدن، لورا كوبر، التي كانت مسؤولة عن روسيا وأوكرانيا إلى أنه خلال الأعوام الثلاثة الأولى من الحرب، كان هناك انقسام بنسبة 50 - 50 تقريباً في المساعدات الأمنية الأميركية والأوروبية لأوكرانيا، سواء لخوض الحرب أو لبناء قوة عسكرية قادرة على ردع روسيا، لكن الآن اختفت حصة الولايات المتحدة من المساعدات، وأصبح الأوروبيون وحدهم قادرين على مساعدة الأوكرانيين في القتال، لكن من غير الواضح كيف يمكنهم مساعدتهم فعلياً على تحقيق السلام من دون مساعدة أميركية.

هل من تغيير على الأرض؟

بعد ساعات من تصريحات ترمب المفاجئة حول قدرة كييف على الفوز في ساحات القتال، تناقض معه وزير خارجيته ماركو روبيو الذي أبلغ مجلس الأمن الدولي أن الحرب ستنتهي على طاولة المفاوضات، وليس في ساحة المعركة، وهو ما يمثل إعادة صياغة تقليدية للسياسة الأميركية الحالية تشير إلى أن نهج ترمب الجديد لم يترجم إلى إجراءات عملية.

 

 

ولا يبدو أن المشكلة الحقيقية التي تواجه الغرب تتمثل فقط في صعوبة إمدادات الأسلحة لأوكرانيا، إذ تواجه كييف أيضاً نقصاً حاداً في الجنود الجاهزين للقتال، وهي مشكلة يصعب على المساعدات الأميركية والأوروبية معالجتها بسهولة، كما احتلت روسيا شبه جزيرة القرم وبعض أجزاء من شرق أوكرانيا لأكثر من عقد، مما منحها مزايا دفاعية قوية في صد أي تقدم من كييف.

لكن القادة الأوكرانيين يقولون إنه بمساعدة غربية قوية، يمكنهم تحقيق النصر، ويشيرون إلى أن تقييمات الاستخبارات الأميركية قللت من تقدير قدرتهم على الصمود خلال الحرب الروسية، ومع ذلك توقعت التقييمات اللاحقة بدقة فشل الهجوم المضاد لأوكرانيا عام 2023.

في المقابل، فإن من الأمور الكثيرة المجهولة الآن كيفية رد فعل الرئيس بوتين على التحول في موقف ترمب، فمن الواضح أنه قدر، بعد اجتماع ألاسكا، أن الرئيس الأميركي لا يرغب في استمرار الصراع، ولا يرغب في التبرع بمليارات إضافية للقضية الأوكرانية أو السماح للجنود الأميركيين بالانضمام إلى قوة حفظ سلام تابعة لحلف "الناتو"، لذا قد يطمئن إلى تراجع ترمب، حتى لو كان الرئيس الأميركي يعرب في النهاية عن بعض الدعم لأوكرانيا، لكن بوتين قد يقرر تصعيد هجماته وتهديداته، معتقداً أن الوقت والدعم الشعبي الداخلي سيصبان في مصلحة روسيا.

هل يصمد ترمب؟

يظل السؤال الأهم هو هل يصمد موقف ترمب، فعلى مدى أشهر عدة تقدم ترمب بخطوات ثابتة نحو قرارات تخص أوكرانيا وروسيا ثم يتراجع عنها بحسب ما يشير السفير الأميركي السابق لدى بولندا والخبير في مركز أبحاث المجلس الأطلسي دانيال فريد، الذي عبر عن شكوكه بالقول "نرى كثيراً من الكلام من ترمب، ونحتاج إلى أن نرى قراراً فعلياً".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير