ملخص
تعيش الفاشر حالياً واحدة من أبشع المآسي الإنسانية في العصر الحديث، إذ تحولت بسبب طول أمد الحصار المميت، الذي فرضته "الدعم السريع" على المدينة لأكثر من عام، إلى بؤرة تحمل كل ما آل إليه الوضع من مأساة لا يمكن وصفها.
تأجج القتال داخل مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، بين الجيش وحلفائه ضد قوات "الدعم السريع"، بصورة غير مشهودة، مما يؤشر إلى معركة حاسمة، بخاصة بعد تقارب المسافات التي تدور فيها المواجهات بين الطرفين، في ظل توغل الأخيرة باتجاه السيطرة على المدينة، عبر اقترابها من مطار المدينة ومقر الفرقة السادسة مشاة للجيش.
في المقابل عزز الجيش موقفه القتالي بوحدات من القوات الخاصة وأسلحة متنوعة وطائرات مسيرة عبر إنزال مظلي، إضافة إلى ترقبه وصول متحرك الصياد من نواحي كردفان، فضلاً عن تأكيده في بيانات سابقة تماسك قواته وحلفائه من الحركات المسلحة والمستنفرين، وإمساكه بزمام الأمور في المدينة.
وبحسب مصادر عسكرية، فإن الفاشر شهدت أمس الأربعاء مواجهات بين طرفي القتال في محاور عدة، إذ بادر الجيش بدعم من القوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة بشن هجمات بالمدفعية الثقيلة على مواقع وتمركزات "الدعم السريع" في شمال المدينة وجنوبها، في محاولة لفرض سيطرته على الأرض. كما قصفت مسيراته مخيم زمزم الذي تسيطر عليه الأخيرة، واستهدف القصف منظومة تشويش ومواقع لوجستية تتبع لـ"الدعم السريع".
في حين ردت "الدعم السريع" بقصف مكثف بواسطة المدفعية وطيرانها المسير، استهدف مقر الفرقة السادسة مشاة، والأحياء السكنية الواقعة في الجهة الشمالية الغربية من المدينة، مما أحدث حالاً من الهلع وسط السكان نتيجة لدوي الانفجارات وأصوات القذائف والرصاص.
إدخال مساعدات
وأعرب المبعوث الأميركي لشؤون أفريقيا مسعد بولس عن أمله في دخول مساعدات إنسانية "خلال الأيام المقبلة" إلى مدينة الفاشر في إقليم دارفور بغرب السودان.
وقال بولس لصحافيين في نيويورك مساء الأربعاء "نأمل أن نشهد في الأيام المقبلة وصول هذه المساعدات التي طال انتظارها"، مشيراً إلى أن قوات "الدعم السريع" وافقت على السماح بدخولها. وأضاف "لقد بحثنا مع قوات الدعم السريع واتفقنا على وسيلة تتيح إيصال هذه المساعدات الإنسانية".
وكان بولس يتحدث عقب اجتماع لدول المجموعة الرباعية حول السودان، والتي تضم السعودية ومصر والإمارات والولايات المتحدة، عقد على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأكدت هذه الدول "أهمية إنهاء النزاع في السودان، وإعادة السلام وتلبية الاحتياجات الإنسانية للشعب السوداني".
كارثة إنسانية
وتعيش الفاشر حالياً واحدة من أبشع المآسي الإنسانية في العصر الحديث، إذ تحولت بسبب طول أمد الحصار المميت، الذي فرضته "الدعم السريع" على المدينة لأكثر من عام، إلى بؤرة تحمل كل ما آل إليه الوضع من مأساة لا يمكن وصفها.
ووفقاً لمواطنين ما زالوا موجودين في الفاشر، فإن سعر كيلو الرز بلغ 500 ألف جنيه سوداني (142 دولاراً)، وكيلو اللحم 100 ألف جنيه (28 دولاراً)، بينما وصل سعر كيلو السكر إلى 154 ألف جنيه (44 دولاراً)، في حين ينعدم غاز الطهي تماماً منذ أكثر من عامين، وبات السكان يعتمدون على الحطب والفحم في طهي الطعام، وهو ما يعد ارتفاعاً غير مسبوق لأسعار السلع الاستهلاكية، مما جعل آلاف المواطنين المحاصرين هناك في مواجهة شبح الموت بالجوع.
وأشار هؤلاء المواطنين إلى أن معظم العائلات تقتات على الأمباز، وهو عبارة عن بقايا مخلفات الفول السوداني المستخدمة علفاً للحيوانات أو على الأعشاب البرية.
كما بلغ الوضع الصحي في المدينة حد الكارثة، فمن بين 36 مستشفى وعيادة لم يعد يعمل سوى واحد بصورة جزئية، في حين يختبئ الأطباء خوفاً من الاستهداف، في وقت اجتاح وباء الكوليرا السكان المنهكين من الجوع، فضلاً عن معاناة المدينة من شح المياه، بعدما ضربت المحطة الرئيسة مرات عدة.
وأصبح سكان الفاشر، البالغ عددهم أكثر من ربع مليون نسمة، أمام خيارين لا ثالث لهما، إما البقاء لمواجهة الجوع والمرض والقصف، أو محاولة الفرار ليقعوا في قبضة قوات "الدعم السريع"، التي تخطف المدنيين وتبتزهم وتعرض النساء والأطفال للاغتصاب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واتجهت قوات "الدعم السريع" في ظل حصارها الخانق على الفاشر منذ أبريل (نيسان) 2024، إلى منع دخول جميع البضائع والسلع الأساسية والدواء، كما فرضت قيوداً على دخول المساعدات الإنسانية، وهو ما تسبب في أزمة إنسانية غير مسبوقة، ودفع الآلاف للنزوح قسراً نحو مناطق طويلة وكورما ومليط، وهي مناطق تسيطر عليها أطراف من تحالف "تأسيس" وحركة تحرير السودان قيادة عبدالواحد محمد نور.
ووصفت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في وقت سابق الأوضاع الإنسانية في الفاشر بالكارثية، قبل أن تشير إلى أن المدينة تحولت إلى بؤرة تحت الحصار المميت تفرضه قوات "الدعم السريع".
لقاء ويبر و"حميدتي"
في الأثناء، ناقشت مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي أنيت ويبر أمس الأربعاء، مع قائد قوات "الدعم السريع" رئيس المجلس الرئاسي لحكومة "تأسيس" محمد حمدان دقلو "حميدتي"، كيفية إيجاد خطوات ملموسة لحماية المدنيين في السودان ومدينة الفاشر على وجه التحديد.
وذكرت ويبر في تغريدة على منصة "إكس" أن "الاتحاد الأوروبي يواصل تركيزه على السودان والفاشر، في وقت أن ضبط النفس وإيجاد حلول لمصلحة الشعب السوداني هما أمران أساسيان".
وتابعت "عبرت عن ذلك في مكالمتي مع قائد ’الدعم السريع‘، وتماشياً مع مبادرة الاتحاد الأوروبي لحماية البنية التحتية الحيوية، ندفع باتجاه اتخاذ خطوات ملموسة لحماية المدنيين".
فيما أوضح بيان صادر عن "الدعم السريع" أن "حميدتي" بحث مع المبعوثة الأوروبية للقرن الأفريقي ويبر تطورات الأوضاع في السودان وتنسيق المساعدات الإنسانية، وأفاد البيان بأن النقاش تركز حول تنسيق المساعدات الإنسانية وتعزيز الخدمات الأساسية، بخاصة الكهرباء والمياه، باعتبارها ركائز أساسية لتخفيف المعاناة الإنسانية ووضع أسس السلام والاستقرار والتنمية المستدامة.
غارات بكردفان
في محور كردفان، واصل الطيران الحربي للجيش عبر مسيرات قتالية شن سلسلة غارات جوية دقيقة استهدفت مواقع عسكرية وأهداف استراتيجية تتبع "الدعم السريع"، في نواحي جبرة الشيخ بولاية شمال كردفان.
وبحسب مصادر ميدانية، فإن الغارات أسفرت عن إصابة الأهداف بدقة عالية، وتمكنت من تعطيل قدرة قوات "الدعم السريع" الموجودة في تلك المناطق من الاستمرار في تحركاتها، فضلاً عن إحداث خسائر في المركبات والأرواح.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن هذه الضربات الجوية تهدف إلى تدمير القوة الصلبة "للدعم السريع"، تمهيداً لتقدم قوات الجيش من المشاة باتجاه ما تبقى من المناطق التي تقع في قبضة "الدعم السريع" بشمال كردفان، حتى يحكم الجيش سيطرته الكاملة على طريق الصادرات الذي يربط بين ولايتي الخرطوم وشمال كردفان، في أعقاب استعادة مدينة بارا الاستراتيجية.
السودان والاتحاد الأفريقي
سياسياً، أكد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمود علي يوسف، خلال لقائه برئيس الوزراء السوداني كامل إدريس، الذي يترأس وفد بلاده المشارك في الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، استعداد الاتحاد لتقديم الدعم اللازم للسودان خلال المرحلة المقبلة.
وطالب إدريس خلال اللقاء برفع قرار تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، من منطلق أن القرار غير قانوني وجائر في حق دولة مؤسسة للاتحاد، فضلاً عن أن الحكومة الحالية مدنية وتضم تكنوقراط، وأن تحقيق السلام يمثل أولوية قصوى في مهماتها، إضافة إلى ترحيبها بكل المبادرات الداعمة للسلام والاستقرار، وفق وكالة الأنباء السودانية "سونا".
في حين، أكد يوسف أن الاتحاد الأفريقي يقف بجانب السودان في المجال الإنساني، معلناً رفضه تشكيل أية حكومة موازية، وداعياً الدول الأخرى إلى عدم الاعتراف بها.
وعلق الاتحاد الأفريقي عضوية السودان عقب الخطوات التي اتخذها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2021، التي شملت حل مجلسي السيادة والوزراء وإعلان حالة الطوارئ في البلاد، مما اعتبره الاتحاد انقلاباً على الحكومة الانتقالية برئاسة عبدالله حمدوك، بينما اعتبر البرهان تلك القرارات إجراءات تصحيحية فرضتها متطلبات المرحلة.